مفهوم المناجمنت العمومي
يعتبر
التسيير وظيفة أساسية في كل مستوى من مستويات المنظمات (العامة أو الخاصة) يستعمل
بمضمون مختلف حسب الدول، ويتضمن فكرة الرقابة والقيادة غالبا، وأحيانا المتابعة
المالية.
والتسيير
العمومي له خصوصيات ترتبط بطبيعة المنظمات العمومية وما لها من مهام وأدوار مشتقة
من مهام الدولة يسري على إدارات القطاع العام، أو ما يسمى بالإدارة العمومية.
ومصطلح
التسيير العمومي هو مرادف لمصطلح انجليزي public management مما يجعل مصطلح التسيير والمناجمنت مرتبطان
نوعا ما. هذا وقد اختلف الدارسون والباحثون في إعطاء تعريف موحد ودقيق (المطلب
الأول) بعد تحديد أصوله ومميزاته (المطلب الثاني)، المصطلحين تسيير ومناجمنت
يستعمل في أيامنا كثيرا لكن ليس دائما بشكل منسجم لأن هذين المفهومين متقاربين
عمليا، لكن يبقى تحديد مفهومهما ليس بالأمر السهل.
المطلب الأول: تعريف المناجمنت العمومي وأصوله
الفرع الأول: تعريفه
لمصطلح
المناجمنت عدة مرادفات "الإدارة العمومية" 'التسيير العمومي' وإدارة
الخدمة العمومية.' ففي كثير من الكتابات في هذا المجال يستعمل مصطلح الإدارة بمعنى
management كدلالة على إدارة
الاعمال والإدارة العمومية كما يستعمل مصطلح إدارة مرادف لكلمة administration باللغة الفرنسية أو
لكلمة management والذي يرى البعض أن أصله
من الفرنسية القديمة والتي تعني فن القيادة و التوجيه والتحكم وبالانجليزية tomanage ويعني وجه وتحكم و مصطلح التسيير العمومي
بالانجليزية public
management
و يرمز له ب public
management)PM) ظهر ببعده الحالي في النصف الثاني من القرن l9 مع أستاذ علم السياسة و القانون الدستوري
الأمريكي thomas woodow nilson
(الذي أصبح رئيسا للو.م.أ سنة l9l3
) هذا
الأخير نشر بحثا بتاريخ 887l
بعنوان 'دراسة الإدارة العامة'، يعرّف فيه التسيير العمومي بأنه: 'الغاية أو الهدف
العملي للحكومة موضوعه إنجاز المشروعات العامة بأكبر قدر ممكن من الفعالية تماشيا
مع رغبات الأفراد وحاجاتهم، وعن طريق الإدارة العامة توفر الحكومات حاجات المجتمع
التي يعجز النشاط الفردي عن الوفاء بها".
الأستاذ
Gelinien يرى كذلك أن التسيير
العمومي هو تنفيذ السياسة العامة للدولة عن طريق الإدارات العمومية أما الاستاذ MC-NaMaRa فعرفه: التسيير هو
الوسيلة التي يتم من خلالها التنظيم العقلاني لكل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية
والتكنولوجية والسياسية، حيث يتم نشر هذا التنظيم في المجتمع من خلال إدارة
المنظمات العمومية".
أما
الأستاذ PG-Pergeron فيرى أنه: "العملية
التي بواسطتها نخطط، ننظم، ندير ونراقب موارد المنظمة للوصول إلى أهداف
معينة" وهو طريقة عقلانية يتم بواسطتها التنسيق بين الموارد البشرية والمادية
والمالية نحو تحقيق أهداف معينة، هذه الطريقة تترجم في عملية تتضمن تخطيط، تنظيم
،إدارة ورقابة النشاطات بطريقة تؤدي إلى مردود أفضل.
من
جهته الكاتب والباحث الفرنسي الشهير جاك شوفاليي J- Chevallier يعرفه من خلال أهدافه: أن المناجمنت العمومي
يهدف أساسا لتحسين نوعية وجودة الخدمة عن طريق استخدام تقنيات جديدة في التسيير عن
طريق التقليل من صلابة التنظيم و تليين نظام الاتصال مع البيئة الخارجية.
أما
الأستاذ فوزي حبيش فقد عرفه بدوره على أنه: 'مجموع نشاطات وأعمال منظمة تقوم
بأدائها قوى بشرية تعينها السلطات الرسمية العامة توفر لها الإمكانيات المالية
اللازمة بهدف تنفيذ الخطط الموضوعة لها، وبالتالي تحقيق الأهداف العامة المرسومة
لها بأكثر كفاية إنتاجية ،وأقصر وقت وأقل تكلفة'.
و
لما كان المناجمنت العمومي يحمل في طياته تجديدا لأساليب التسيير التقليدية، فقد
ارتبط مفهومه عند العديد من الباحثين الانجلوسكسونيين بإعادة تكييف لوسائل التسيير
مع أساليب وامتيازات الإدارة، فكما يوجد مناجمنت صناعي ومناجمنت سياحي ،فلا بد من
وجود مناجمنت الإدارة العمومية ،ومثال ذلك الاعتماد على مفاهيم كالتخزين (كما هو
الحال في المجال العسكري للدولة) والتسويق في المرافق العمومية (خاصة مرفق المياه)
والمحاسبة التحليلية في المرافق المحلية.
وفي
هذا السياق عرفته الباحث abessol B-Lucie
بأنه :"استيراد لتقنيات من القطاع الخاص نحو التسيير العمومي ...والانتقال به
من عملية تجميع للموارد إلى عملية استغلال للموارد.
بهذا
المعنى فالمناجمنت العمومي أدى لإعادة تعريف الإدارة العمومية ولمفهوم البيروقراطية.
الفرع الثاني: مميزات المناجمنت العمومي وأهدافه
مجال
اهتمام المناجمنت هو البحث عن إجابة لسؤال أو أكثر بسيط في ظاهره، معقد من حيث
التطبيق العملي:
- كيف
نقود وننظم عمل جماعي فعال و ذو كفاءة؟
- كيف
نجد الحلول لتسيير شراكة متعددة الأطراف للوصول لأفضل النتائج وأقل التكاليف؟
- كيفية
تحديد افصل توازن بين الموارد والوسائل المتاحة؟
- بأية
طريقة نستجيب لحاجيات المواطن ومستخدمي المرافق العمومية؟
الإجابة
عن هاته التساؤلات هو في الحقيقة في صلب اهتمام علم المناجمنت العمومي، لذلك فهو
يتميز ببعض المميزات:
*
فهو يضمن وجود الدولة في وظيفة التسيير على مستوى المؤسسات و الإدارات العمومية،
ومختلف النشاطات الاجتماعية والثقافية والتربوية لاسيما وأن المنظرين و المحللين (الاقتصاديين
والقانونيين و السياسيين) أكدوا على ضرورة حضور الدولة في مثل هذه المهام العمومية
تحت تسميات عديدة (الدولة الضابطة، الرحيمة
،المساهمة ، المقاولة..الخ) لا سيما بعد الأزمات الاقتصادية التي عرفها العالم،
وهو ما يضفي على وظيفة المناجمنت العمومي الطابع السلطوي. الذي يعكس سلطة الدولة
ويجسد برامجها السياسية ميدانيا.
وفي
هذا السياق فهو يهدف لتحقيق جملة من الأهداف:
- يؤكد
على الهوية الجماعية باسم الدولة و رموزها(اللغة، الذاكرة الجماعية ، الثقافة
...الخ).
- يثمن
الحريات الفردية والجماعية ويقر مبدأ التضامن والمساواة ويهدف لتحسين المستوى
المعيشي
- يعمل
على تحسين سير وعمل المؤسسات والهيئات العمومية وتنمية السياسات العمومية وتسيير
المالية العمومية من خلال ترشيد الإنفاق العمومي وتخفيف تواجد الدولة إلا فيما هو
ضروري، وترقية ثقافة النتائج، وهو ما يؤدي لمعرفة جيدة برغبات و حاجات المواطن
بصفته فاعلا عموميا، والبحث عن رضاه، وهذا ما يجعل من المناجمنت - تسييرا تأمليا
أي قبل رسم الأهداف يجب التفكير أولا في كيفية تحقيقها ومدى تقبلها من طرف
المواطن.
* المناجمنت
العمومي هو علم يطبق ضمن بيئة تتميز بالتعقيد وتعدد الفاعلين والهيئات، كما أنه
يتماشى مع إطار تشريعي و تنظيمي جد كثيف (الدستور- القوانين المسيرة للدولة و
مؤسساتها- قوانين المالية...الخ) وإن كانت المقاربة الجديدة للمناجمنت العمومي
الجديد تتجه لتقترب شيئا فشيئا من وساءل تسيير المؤسسات (المنشآت) الخاصة بهدف
ترقية الفعالية والمردودية في سبيل تلبية رغبات المرفق العام أو الحاجات
الاجتماعية.
* أنه
تسيير تشاركي من خلال تسيير الموارد البشرية ومشاركة العاملين في اتخاذ القرارات.
*أنه
تسيير علاقات: انطلاقا من أن الإدارة العمومية تقدم خدمات علائقية مرتبطة بالثقة،
الأمر الذي يوحي بان هدف التسيير العمومي هو تسيير علاقة ثقة مع المستخدمين بخصوص
الخدمات المقدمة.
الفرع الثالث: علاقة المناجمنت العمومي بالعلوم المجاورة
يعد
المناجمنت العمومي علم جديد يتصل بعديد القطاعات الاقتصادية و الإدارية و السياسية
، وتتسع أهميته لتمس مجالات أخرى اجتماعية وثقافية ،وإنسانية...الخ، و إن كان
يرتكز على ثلاث مجالات أساسية للبحث وهي : القانون والاقتصاد وعلوم التسيير. لذلك
فالشخص الممارس للمناجمنت العمومي عليه الإلمام بهذه العلوم ذات الصلة.
و
باعتباره أحد فروع العلوم الاجتماعية ذو طبيعة إنسانية، فهو على صلة بعديد العلوم
الاجتماعية أهمها الاقتصاد والسياسة و القانون والمحاسبة و علم الحاسوب...الخ.
1/ علاقته بعلم الاقتصاد: يهدف علم الاقتصاد إلى استغلال
الموارد الاقتصادية سواء أكانت مادية أم بشرية بأقصى درجة من الكفاية لإشباع
الحاجات الإنسانية، ويلتقي هذا الهدف مع هدف علم المناجمنت العمومي والمتمثل في
تنسيق الموارد والجهود لتحقيق أفضل استغلال اقتصادي لهذه الموارد.
2/
علاقته بعلم السياسة: العلوم السياسية تعنى بفكرة السلطة وبوضع السياسات
العامة للدولة، وتبحث في شكل الحكم، أما الإدارة فمهمتها تنفيذ سياسة الدولة
العامة التي يرسمها السياسيون بوسائلهم و إجراءاتهم الخاصة وهي مهمة فنية،
فالعلاقة هي علاقة تحديد هدف وتنفيذه، وقد ظل علم الإدارة في نظر الكثيرين و لوقت
قريب أحد فروع علم السياسة لما بين العلمين من صلة قوية، فالحدود الفاصلة بين
العلمين تنطوي على قدر من المرونة.
3/ علم المحاسبة: يقال انه بدون نظام محاسبي حيد لا يوجد نظام
إداري جيد، هذه المقولة صحيحة بالنظر إلى أن علم المحاسبة يهتم بتسجيل نشاط
المؤسسة والأفراد في شكل أرقام و ميزانيات، وهو ما يعطي نظرة صادقة و واقعية
للأوضاع المالية للمؤسسة، الأمر الذي يسمح بتقييم نشاطها سواء أكانت في القطاع
الخاص أو القطاع العام. فالمحاسبة إذن تعطي لرجل الإدارة نظرة صادقة حول تكاليف أي
مشروع وكيفية تقليص النفقات، لذلك فالإداري ملزم بالإلمام بهذا العلم.
4/
علم الحاسوب: أصبح علم الحاسوب من متطلبات الإدارة الحديثة، فهو يعد أداة هامة
لحفظ البيانات ومعالجتها
ومقارنتها وهو ما يسهل العمل الإداري من خلال زيادة سرعة الاتصالات كما هو الحال
في البريد الالكتروني و معالجة الأوراق المالية والشيكات، ورواتب الموظفين و يسهل
عملية اتخاذ القرار الإداري و يسهل في تقديم الخدمة بأقل تكلفة وأسرع وقت، ويتفادى
الأخطاء التي يقع فيها العمل البشري، وهذا ما لمسناه عند إدماج تكنولوجيات الإعلام
و الاتصال في العمل الإداري و تطبيق ما سمي بالإدارة الالكترونية، والمدن الذكية
والحكومات الذكية.. الخ.
وفي
ذات السياق يرتبط هذا المجال ارتباطا وثيقا بإدماج اللغات الحية. لذلك فالقائد
الإداري في العصر الحديث أمام تحديات هذه المتطلبات الجديدة للعمل الإداري.
5/ علاقته بعلم الإحصاء: يساعد علم الإحصاء الإداريين في وضع
الخطط المستقبلية وتحليل النشاطات السابقة ووضع التنبؤات اللازمة وكل العوامل
المؤثرة على القرارات والنشاط الإداري بشكل عام.
6/ علاقته بالقانون: إن إلمام رجل الإدارة بعلم القانون أمر ضروري
للغاية، لان المناجمنت العمومي لم ولا يتطور خارج أطر القانون، فهو يطبق من خلال
نفس النظام القانوني الذي يساهم في تطوير القواعد المطبقة على التسيير العمومي، من
جهة أخرى فإنّ الخضوع للقانون يوفر عامل إضافي للفعالية والالتزام بالعقلانية
القانونية.
7/
علاقته بعلم النفس: يبحث علم النفس في النفس البشرية و سلوكياتها ويحاول
التنبؤ بهذه السلوكيات و ضبطها لما
فيه خير للفرد والمجتمع، ولما كان العنصر البشري أداة الإدارة لتحقيق أهدافها، فكان
لابد على رجل الإدارة الإلمام بأبجديات علم النفس في محاولة لفهم شخصيات موظفيه
ودوافعهم وحاجاتهم، وبالتالي العمل على تحفيزهم من جهة أخرى فإن المواطن سواء كان
بصفته كمرتفق أو مستهلك فإن فهم ميولاته وأريه في الخدمة المقدمة يساعد بدون شك في
توجيه سياسة المنظمة لتحسين أداءها.
الفرع الرابع: الفرق بين المناجمنت العمومي وإدارة الأعمال (المناجمنت الخاص)
يؤكد
بعض الدارسين لعلم المناجمنت العمومي أن مبادئ الإدارة السليمة تكون موحدة في كل
المجالات لاسيما في العصر الحديث حيث الحدود و الفوارق بين الإدارة العامة وإدارة
الأعمال تكاد تتلاشى، إلا أن الغالب أن هناك فوارق واضحة بين كلا النوعين ،وإن كان
بعضها أضحى نسبيا.
*أوجه التشابه: تقترب إدارة الأعمال من المناجمنت العمومي في نواحي محددة
أهمها:
- اتساع
الإجراءات و تقسيم العمل الإداري الذي يتم من خلال عدة وظائف إدارية (التخطيط-
التنظيم –التوجيه- الاتصال-الرقابة) والتي نجدها في كلا نوعي الإدارة.
- مبدأ
ضرورة اقتران السلطة بالمسؤولية، فلا سلطة بدون مسؤولية، ولا مسؤولية دون سلطة.
- ضرورة
رسم أهداف والعمل على تحقيقها بأقل تكلفة واقصر وقت وأفضل نوعية.
*أوجه الاختلاف: وهي عديدة نذكر أهمها بإيجاز:
l-
يمارس المناجمنت العمومي ضمن بيئة تتميز بكثافة النصوص القانونية والتنظيمية، لأنه
يهدف أساسا لتنفيذ السياسات العامة في مختلف المجالات، أما إدارة الأعمال فتحكمها
قرارات مجالس الإدارة التي تتبعها وبالتعليمات التي يصدرها المديرون، لذلك فهي
تتمتع بمرونة وحرية أكبر في مزاولة نشاطها رغم تقيدها بنظام التراخيص القانونية
التي تمنحها السلطة العامة المخولة بذلك.
2- من حيث الهدف: يهدف المناجمنت العمومي لتحقيق المصلحة العامة عن طريق تقديم خدمات
عامة لا تهدف بالدرجة الأساسية للربح في إطار السياسة العامة للدولة، أما إدارة
الأعمال فهي ترمي أساسا لتحقيق الربح حتى وإن كانت في بعض الأحيان تقوم بأنشطة
تخدم المجتمع بشكل عام.
ويترتب
على هذا الاختلاف نتائج هامة ذكرها الأستاذ ماجد راغب الحلو في مؤلفه "علم
الإدارة العامة"، ونحاول إيجازها: أ- غياب دافع الربح في الإدارة العامة
يستلزم البحث عن معيار آخر غير الربح لقياس مدى نجاح الإدارة العامة، بخلاف القطاع
الخاص، أين تعتبر الأرباح المحققة مقياسا لدرجة النجاح (الأرقام تتحدث عن نفسها)،
وعليه كان لازما أن تخضع الإدارة العامة لاختبارات عديدة لقياس الكفاءة للتأكد من
مدى كفاءة رجال الإدارة وبقياس مدى رضا الجمهور عن الخدمات وهو أمر نسبي.
ب-
كذلك يترتب على غياب هدف الربحية في الإدارة العامة خضوعها وتبعيتها للسلطة
السياسية، وهو ما كان له التأثير البالغ على العمل الإداري و يؤدي على انحراف الإدارة
عن أصول علم الإدارة المعمول بها، وهو ما تخالف إدارة الأعمال كما وضحها فايول و
تايلور.
3 -
تعمل إدارة الأعمال في جو المنافسة وهو ما يجعلها أكثر كفاءة، بينما يعمل
المناجمنت العمومي في ظروف احتكارية، مما يضفي عليها بعض الجمود وعدم مواكبة
التطور والتغير السريع للمجتمع ويشعرها بالأمان لأن بقاءها مضمون.
4-
يتحمل قطاع إدارة الأعمال درجة أكبر من المخاطرة المالية، فالمؤسسة الخاصة معرضة
في كل وقت للربح والخسارة، بينما الإدارة العامة تتمتع بأريحية في هذا الشأن، لأن
مواردها مؤمنة ولا توجد احتمالية الخسارة والربحية في حساباتها، لان الخزينة
العمومية تكفل للأجهزة الحكومية مواردها. رغم أن هذا الأمر يعرف تحولا كبيرا في ظل
تراجع دور الدولة في الوقت الحالي.
كانت
هذه أهم الفوارق بين إدارة الأعمال و المناجمنت العمومي، غير أن التطورات
المتسارعة للمجتمع و لوظيفة الدولة أثرت وقلصت من هذه الفوارق حتى بالنسبة لتلك
التي كانت تعد جوهرية كاختلاف الأهداف ودرجة المنافسة في السوق. ودرجة المخاطرة
المالية، فقد ثبت من تحليل الواقع أن الإدارة العامة أصبحت ملزمة بتحقيق الربح أو
على الأقل تجنب الخسارة في ميزانيتها والبحث عن موارد مالية جديدة لتفادي ذلك (كالجماعات
المحلية مثلا) ومؤسسات النقل، وغير ذلك من المشاريع التي تعمل على أسس شبه تجارية.
أما
بالنسبة لمسألة الاحتكار والمنافسة، فهناك مؤسسات خاصة تحتكر العمل في قطاعات
معينة لأسباب تقدرها الحكومات، وهي بذلك تقترب من الإدارة العمومية، في حين تتخلى
الحكومات عن احتكار العديد من القطاعات في إطار سياسة ضبط الإنفاق العمومي وإتباع
سياسة الخوصصة.
المطلب الثاني: وسائل نشاط المناجمنت العمومي
تقوم
الإدارة العامة بمهام متنوعة ومعقدة بدءا بتنفيذ القوانين و القرارات الإدارية (وهي
الوظيفة الأساسية لها) وصولا لتنظيم و إدارة المرافق العامة، وذلك تنفيذا لنص
دستوري أو تشريعي أو لائحي ،بالإضافة لمساعدة الحكومة في وضع السياسة العامة
للدولة.
ممارسة
هذه المهام تعتمد على ما تتوفر عليه الإدارة من موارد مادية وبشرية، وعملية
استغلال هذه الموارد والتنسيق بينها هي موضوع نشاط التسيير العمومي، والذي يستند
إلى مجموعة من الوظائف هي في الحقيقة تشكل أدوات للعملية التسييرية، وتتمثل قيما
يلي: التخطيط- التنظيم –القيادة الإدارية- التنسيق- الرقابة والعلاقات
العامة.
الفرع الأول: التخطيط
التخطيط
هو عملية تتصل بالمستقبل والتنبؤ به من خلال وضع برامج بهدف تحقيق أهداف معينة
خلال مدة زمنية محددة عن طريق حصر الإمكانيات المتاحة وتكريسها لوضع هذه الأهداف
موضع التنفيذ، فالتخطيط ليس التخمين أو التمني، بل هو عملية علمية مدروسة و لعملية
التخطيط أهمية قصوى خاصة في العصر الحديث
فتعقد مهام الدولة لم يعد يتماشى ومنطق الصدفة دون خطط، لأن العملية
التسييرية لا تقوم على عادات وتقاليد
مليئة بالأخطاء والعيوب وعليه للتخطيط مزايا عديدة أهمها:
- إمكانية
مواجهة متغيرات المستقبل بطريقة علمية مدروسة.
- الاقتصاد
في الجهد والنفقة.
- إمكانية
تحقيق الأهداف الكبيرة التي يستغرق انجازها وقتا طويلا، وكلما كانت البيئة مستقرة
كان التخطيط سهل التنبؤ بالمستقبل
هذا
الجدول يوضح أن خطط المنظمة تتماشى مع الأهداف التي ترسمها والمراد تحقيقها على
مستوى كل إدارة.
وعليه
فالخطط أنواع حسبه: خطط استراتيجيه، تكتيكية، تنفيذية وهناك تقسيم آخر للخطط حسب
الفترة الزمنية التي تغطيها فنجد هنا:
* خطط
طويلة المدى: تغطي فت ارت بعيدة تزيد عن 90 سنوات.
* التخطيط
متوسط المدى: حيث تعتبر الخطط التكتيكية مثالا عن التخطيط متوسط المدى، والذي قد
يمتد ل 03 سنوات.
* التخطيط
قصير المدى: يمتد من شهور إلى سنة، ويتناول في العادة آلية تنفيذ الأمور الإجرائية
وفقا للخطط متوسطة وطويلة المدى، وهناك أنواع أخرى للتخطيط.
مع
ذلك وحتى تنجح عملية التخطيط لابد من مراعاة عوامل عديدة، وتجنب معوقاتها.
أولا: عوامل نجاح التخطيط: حتى تأتي عملية التخطيط ثمارها لا بد
من مراعاة عدة عوامل أهمها:
l/
دقة تحديد الأهداف: فلا تعرض و تناقض بين الأهداف.
2/
حصر الإمكانيات الحقيقية ونقصد بها الإمكانيات المادية والبشرية فلا يمكن وضع خطط
تفوق الإمكانيات المتاحة، وبالتالي لا تبقى الخطط مجرد كلمات تكتب بعيد عن الواقع
(وهذا ما نجده في العديد من الدول المتخلفة).
3/
تحديد مدة تنفيذ الخطة: لا بد من تحديد الوقت اللازم لتنفيذ الخطة، فالالتزام
بالوقت يعد من أهم عناصر التخطيط.
4/ مرونة
التخطيط: أن يتماشى مع المتغيرات غير المتوقعة والتي قد تحدث أثناء تطبيق الخطة.
5/ أن
توضع الخطط بشكل تشاركي: فلا بد من مشاركة كل الأطراف المعنية بالخطة
وتنفيذها.
6/ متابع
تنفيذ الخطة: فلا بد من المتابعة الدائمة لمعرفة مدى تطابق بين النتائج المحققة
والنتائج المأمولة في الخطة.
ثانيا: معوقات التخطيط: تعترض عملية التخطيط جملة من العراقيل
تظهر آثارها عمليا فتحول دون الوصول للوصول للنتيجة المرجوة من العملية التسيرية، ويمكن
حصرها في العوامل التالية:
1/
اختيار أهداف غير مناسبة أو غير واقعية، دون النظر للإمكانيات المتاحة لتحقيق
الأهداف.
2/اختيار
نظم تحفيز غير مناسبة.
3/ التغيرات
البيئية المتسارعة: فتسارع التغيرات في المجالات التكنولوجية والتشريعية... يؤثر
لا محالة على كفاءة عملية التخطيط.
4/
مقاومة عملية التخطيط من طرف بعض المديرين، لأن التخطيط وتحديد الأهداف يشكل أساسا
للرقابة على ما يتحقق من هذه الأهداف، وبالتالي يقيم مسؤولية المديرين المعنيين، لذلك
يثير التخطيط مقاومة لديهم.
5/
عدم توفر الموارد والإمكانيات اللازمة للتخطيط.
الفرع الثاني: التنظيم
الفقرة الأولى: مفهومه وأهميته
يعد
التنظيم أهم موضوعات الإدارة، حتى أن بعض الباحثين يطلقون على الإدارة تسمية 'علم
التنظيم' والتنظيم ليس غاية في حد ذاته بل وسيلة لتنفيذ أعمال محددة سلقا، وعرفه
بعض المفكرين في علم الإدارة بأنه: 'عملية دمج الموارد البشرية والمادية من خلال
هيكل رسمي يبين المهام والسلطات.
ويعرفه
الأستاذ سليمان الطماوي أنه: الشكل الذي تفرغ فيه جهود جماعية لتحقيق غرض
مرسوم". كما يعرفه آخرون انه: الإطار الذي يمكن من خلاله إدارة العمليات
الإدارية. من هنا يمكن استخلاص أهمية عملية التنظيم، فبدونه تبقى الخطط مجرد
تمنيات، لأنه:
- يسهل
عملية تحديد الأدوار وتقسيم المهام، حيث يتضح لكل موظف العمل المطلوب منه، وهذا ما
يمنع التضارب في الجهود.
- من
جهة أخرى فهو يوضح العلاقات المختلفة بين العاملين في التنظيم، بحيث يعرف كل موظف
تبعيته الإدارية.
الفقرة الثانية: خصائص التنظيم الجيد
التنظيم
ليس عملية سهلة بالنظر على المساءل التي يتناولها والإشكالات التي يجب أن يتخذ
موقفا منها، لذلك فإن التنظيم الجيد يتسم بعدة خصائص أهمها:
l/
مبدأ وحدة الهدف: فلا بد أن تشترك أجزاء التنظيم في تحقيق هدف عام.
2/
ممارسة درجة من التفويض للسلطة لتسهيل أداء الأعمال ومتشاركة معظم العاملين في
اتخاذ القرارات.
3/ وحدة
الأوامر: فالمرؤوس لا يتلقى الأوامر إلا من رئيس واحد، لأن وجود أكثر من رئيس قد
يؤدي للتعارض.
4/ التسلسل
الرئاسي.
5/
توازن السلطة والمسؤولية، فلا يمكن تكليف شخص بمسؤولية دون إعطاءه السلطة اللازمة
للقيام بهذه المسؤولية، كما أن السلطة تفوض والمسؤولية لا تفوض، فيبقى المفوض
مسئولا عن أعمال المفوض إليه.
الفرع الثالث: القيادة الإدارية
الفقرة الأولى: تعريفها
تعد
وظيفة القيادة من أهم الوظائف الإدارية، لأن القائد الإداري هو الذي يتولى كافة
وظائف الإدارة من تخطيط وتنظيم وتنسيق ورقابة إدارية، أي أن عملية القيادة تستغرق
عملية الإدارة كلها، لذلك فدور القيادة أساسي في تسيير المؤسسات والإدارات
العمومية، واتخاذ القرارات الإستراتيجية والتي تدفع بها نحو التنمية المستدامة.
لذلك
فإن حاجة الإدارة إلى قيادة حكيمة وكفأه لا تعادلها حاجة أخرى.
* القيادة والسلطة
يختلف
مفهوم القيادة عن مفهوم السلطة، فالسلطة يستمدها صاحبها من قدرته القانونية التي
يخولها إياه مركزه القانوني والوظيفي والمتمثل بحق إصدار الأوامر والتعليمات وواجب
المرؤوسين الامتثال لتلك الأوامر تحت طائلة توقيع العقوبات، وبذلك فدافع المرؤوسين
ليس القناعة بصحة أو قوة الأسباب التي وجدت تلك التعليمات، بل تجنب العقوبات.
أما
القيادة فتعني قدرة تأثير القائد على مرؤوسيه، وقبولهم لقيادته طواعية دون إلزام
قانوني وذلك لاعترافهم بدوره في تحقيق الأهداف وكونه يعبر عن آمالهم وطموحاتهم.
الفقرة الثانية: نظريات القيادة
تعددت
النظريات في تفسير ماهية القيادة وطرق اكتسابها يمكننا التطرق لأهمها باختصار.
أ/ نظريات السمات الشخصية: تقوم هذه النظرية على فرضية أن هناك
مجموعة من الصفات والخصائص التي تفسر القدرات القيادية عند البعض، والتي تسمى "بالشخص
العظيم" وتتراوح هذه الصفات بين مظاهر جسمية فيزيولوجية (كالشكل نبرة الصوت،
الحجم، الوسامة ... الخ) وصفات نفسية (كالحماس، الثقة بالنفس، امتلاك المبادرة، النضج
الاجتماعي...الخ) وصفات أخرى ذهنية (كالذكاء، والقدرة على التفكير والتحليل و حتى
الشجاعة و الإبداع).
هذه
النظرية تستند على فكرة أن القائد يولد ولا يصنع وأن القيادة موهبة وهذا يعني أن
الإدارة تنتظر مجيء القائد "العظيم"، ولا يكون لها أي دور في خلق وتطوير
القادة عن طري التدريب.
وبالتالي
فهي نظرية غير واقعية، لأن الواقع أثبت وجود قادة أكفاء ولا يتسمون بهذه الصفات
وهو ما يفتح المجال للنظرية السلوكية.
2/ النظرية السلوكية: ينطلق أصحاب هذه النظرية في تفسير القيادة من
أهمية التدريب في خلق قادة قادرين على التفاعل مع المرؤوسين وإثارة الدافعية لديهم
نحو بذل جهد إضافي.
وقد
لاقت هذه النظرية قبولا واسعا لدى الباحثين الامريكين الذين عملوا على تطويرها
لتفسير ظاهرة القيادة.
3/ النظرية الموقفية: وترى أن القيادة هي محصلة مجموعة من المواقف
التي يتواجد فيها الفرد، وترى أن أي فرد مهما كان عاديا يمكنه أن يصبح قائدا إذا
ما كان في موقف يوصف بأنه أزمة تستدعي الحل واستطاع أن يقدم حلولا عملية مقبولة
وتعامل بايجابية مع الموقف، فالقائد لا يجب أن يكون استثنائيا، بل إنسانا عاديا
قادرا على اغتنام المواقف بشكل ايجابي.
هذه
النظرية تهمل أيضا عنصر التدريب في خلق القادة وترتكز على العفوية فقط.
الفقرة الثالثة: أنواع القيادة الإدارية
تتنوع
القيادة الإدارية إلى أنواع متعددة حسب وجهة النظر التي تتخذ كأساس للتقسيم، أهمها
مدى مشاركة العاملين في اتخاذ القرارات، وعليه تنقسم القيادة إلى: قيادة فردية
تسلطية، وقيادة ديمقراطية
أ/ القيادة الفردية التسلطية
وهنا
يعتبر الفرد مركز اتخاذ القرار فيستأثر بها دون الاهتمام بآراء مرؤوسيه الذين
يعتبرهم كأحد عناصر الإنتاج، لذلك فهو يخضعهم لرقابة صارمة وتوجيه دقيق بالاعتماد
على الأوامر الصارمة معتمدا على التخويف والحوافز السلبية التي تعد سلاحا أساسية
للسيطرة.
ولهذا
النوع من القيادة مساوئ عديدة صعبت من تطبيقها في العصر الحاضر.
ب/ القيادة الديمقراطية
وتقوم
على أساس إشراك المعنيين من العاملين في صنع القرار بعد دراسة ومناقشة وتبادل
وجهات النظر، فالقائد يستشير المرؤوسين ويشركهم في اتخاذ القرار وتتم القيادة من
خلال الترغيب لا الترهيب أو التخويف، ولا لاحتكار سلطة إصدار القرار.
الفقرة الثانية: مهام القائد الإداري
للقائد
الإداري مهام عديدة ومتعددة نجملها في النقاط التالية:
l/
توجيه وتحديد و وصف المهام المنوطة بكل مصلحة من مصالح المؤسسة أو الإدارة
العمومية حسب النصوص التنظيمية و القانونية السارية المفعول.
2/
العمل على تحديد الأهداف الواجب الوصول إليها وإشراك مختلف الأطراف الفاعلة في ذلك
(المجتمع والمواطن، المؤسسة، والموظف).
3/ تجسيد
الاستراتيجيات والأهداف إلى مهام وأنشطة قابلة للتنفيذ على المدى القصير وتقييمها
وتحيينها حتى تكون قابلة للقياس بصفة ملموسة ومتكيفة مع التغيرات الخارجية.
4/ تقديم
الخدمة العمومية طبقا لمبدأ الشفافية.
5/
التدخل السريع والفعال في حالة تضارب المصالح وتنازعها ووضع حد لها.
6/
وضع نظام إعلامي واضح سهل عمل المراقبة الدورية.
7/
تحفيز الموظفين والتعامل معهم بطريقة ديمقراطية من خلال:
- تفويض الصلاحيات والمسؤوليات.
- الإعلام الدائم للأعوان.
- احترام الأوضاع الشخصية لموظفين.
الفرع الرابع: التنسيق
تعريفه: وهو الجهد الذي يرمي إلى تعاون مختلف أجزاء الإدارة وعدم تضاربها في
سبيل تحقيق الهدف المشترك، فأعمال الإدارة – وكما هو معلوم- متنوعة ومتباينة ومترابطة
ومتشابكة يؤثر بعضها في بعض وكلما اتسع مجال الإدارة وزادت أقسامها تعقدت الأمور
وتطلب حسن سيرها مزيدا من التنسيق وزيادة وساءل الاتصال والانسجام بين عناصرها.
أو
هو ممارسة نوع من القيادة على المرؤوسين والإشراف عليهم والاتصال بهم وتحفيزهم على
بذل جهود، وتنسيق جهودهم الجماعية لتحقيق أهداف محددة من خلال اتخاذ القرارات
المناسبة.
ومن
هنا تظهر أهمية التنسيق لمنع التضارب قي شتى أعمال الإدارة لا سيما في الدولة
الحديثة التي تعرف زيادة معتبرة أو تضخما في أجهزتها الإدارية وكثرة الموظفين.
ويساعد
على سهولة عملية التنسيق تحديد مهام الوظائف الإدارية بدقة و بيان علاقاتها ببعض،
و هو ما يربط مهمة التنظيم العلمي السليم بمهمة التنسيق التي تهدف بدورها لتوجيه
النشاط الإداري على اختلاف صوره و التي ترمي لتحقيق هدف مشترك، وهي مهمة أساسية و
مستمرة للقائد الإداري وجزء لا يتجزأ من مقتضيات الإدارة.
الفقرة الثانية: وسائل التنسيق
تتم
عملية التنسيق من خلال اللجوء لعدة وسائل أهمها:
-l- نظام الاتصال والمعلومات: من خلالها يمكن
للرؤساء والمشرفين ممارسة وظيفة التوجيه والتنسيق بشكل فعال يخدم الأهداف، فالاتصالات
حيوية للإدارة ويترتب على تعثرها شلل للإدارة واختلالها وضعف الإنتاج وتبديد
الموارد.
- 2
– نظام الدافعية والتحفيز: فالرضا الوظيفي للمرؤوسين يس هّل دور القائد الإداري في
التنسيق والتوجيه.
3/
نظام التوظيف و التعيين لإثراء العنصر البشري ،لأن عملية التنسيق تصادف مرحلة
التنفيذ أي تنفيذ الموظفين للعمليات المبرمجة.
4/
القيادة والتفويض: فعملية التنسيق تتطلب من الرئيس الإداري أن يتمتع بقدرة على
التأثير في المرؤوسين بشكل يجعلهم يتصرفون وفقا للخطط المرسومة فيما يحقق الأهداف
المشتركة.
أما
تفويض السلطة خاصة للمستويات التي تقوم بأداء العمل يساهم في الرضا التقني، فليس
من المعقول أن تكلف أفراد بأعمال معينة دون أن تعطيهم السلطة اللازمة لذلك.
5/ التكوين
ونقل التكنولوجيا: فلا شك أن التكوين المستمر ونقل التكنولوجيا للأعمال الإدارية
يساهم في تنفيذ مختلف نشاطات الإدارة بيسر واقل تكلفة في اقل وقت.
الفرع الخامس: الرقابة والتقييم
تعتبر
الرقابة بمثابة صمام أمان يضمن ويحمي العملية الإدارية من الانحرافات حتى تستمر
المنظمة في مسارها الصحيح، لذلك يشبهه البعض بنظام البوصلة أو الرادار الذي يحدد
اتجاه السير.
والمقصود
بالرقابة في عمل الإدارة تقدير انجازات العاملين لبيان مدى تحقيقها لأهدافها
وأسباب النجا والفشل المتصل بها للتعامل معها وتحديد مسؤولية كل ذي سلطة بهدف
الوصول بالإدارة إلى كفاءة اكبر.
الفقرة الثانية: أهداف الرقابة
إن
البحث عن النجاح الفعلي للإدارة في انجاز مهامها وتحسين أداءها متوقف على تفعيل
وظيفة الرقابة على أداءها بخلاف الاعتقاد السائد بأن أهداف الرقابة تنحصر في الكشف
عن الأخطاء تمهيدا لمعاقبة المسؤولين عنها، فإن الرقابة تهدف إلى رفع الكفاءة
الإدارية وتحقيق الصالح العام من خلال:
- تقييم
الأهداف ومدى تحقيقها.
- الكشف
عن الأخطاء والإشكالات التي تواجهها الإدارة ووضع الحلول المناسبة.
- تقليص
النفقات غير الضرورية وعقلنة التكاليف.
- التأكد
من احترام القواعد القانونية السارية ومدى فعاليتها في تحقيق الأهداف
المرجوة.
الفقرة الثالثة: أنواع الرقابة
يمكن
أن تظهر عدة أنواع للرقابة:
فهناك:
-الرقابة الداخلية: وهي التي تمارسها السلطة الإدارية بنفسها على أجهزتها كرقابة
السلطة المركزية على الأجهزة اللامركزية.
- الرقابة
الخارجية: وهي التي تفرض على الإدارة من الخارج ،أي من سلطة أخرى غير إدارية
كالرقابة الشعبية والسياسية و القضائية.
- وهناك
أيضا الرقابة السابقة: أي سابقة عن إصدار التصرف.
- والرقابة
اللاحقة: لاحقة على التصرف.
- الرقابة
المتزامنة: أي تتزامن والتصرف.
الفرع السادس: تقييم وسائل التسيير
كثر
الحديث في السنوات الأخيرة عن ضرورة تقييم أداء المنظمات العمومية، ومحاولة قياس
أداءها من خلال تقييم وساءل تسييرها، وقد عرفت هذه الوسائل عيوبا عديدة خاصة في
دول العالم العربي.
• من حيث التخطيط: فقد اثبت الواقع غياب التخطيط في العديد من
المجالات التي تعاني وجود رؤية مستقبلية وغياب تحديد واضح للأهداف والإمكانيات،
هذا من جهة، ومن جهة أخرى وإن وجد التخطيط فهو غير فعّال أو غير كفء، فالخطط
الموضوعة عادة ما تتسم بعدم الدقة التي تسمح بتحقيق الأهداف المرسومة أو أن تكون
الأهداف طموحة جدا لدرجة تفوق الإمكانيات المادية والبشرية المتوفرة.
• أما من حيث التنظيم: إذا كان التنظيم أداة هامة لتنظيم و توزيع
العمل في الإدارة، فإنه لم يسلم من الخلل من حيث طرق العمل و إجراءاته المعقدة،
وعدم الدقة في توزيع الاختصاص، وحتى العنصر البشري انتشر بينهم الرشوة و الاختلاس
والفساد على حساب أداء الواجب.
• أما التنسيق: فالإدارة تعاني من نقص التنسيق من حيث ضعف الاتصال بين مختلف
الأجهزة الإدارية، مما يؤدي إلى خلق نوع من التضارب وتبديد الجهود والأموال ويقدم
الأستاذ ماجد ارغب الحلو عن ذلك مثالا:
شركة
المياه تقوم بحفر الطريق لمد تجهيزاته بعدما تم ترصيص الطريق وتعبيده من طرف شركة
الكهرباء التي بدورها حفرته لوضع الأسلاك، لتأتي بعدها شبكة الاتصالات السلكية
لتعيد الكرة مرة أخرى فكان من الممكن التنسيق بين هذه الجهود وتفادي ضياع الجهود
والوقت والمال ومنع الاضطراب لحركة المرور وتعطيل مصالح الجمهور.
• وأما القيادة الإدارية: فتعاني الإدارات في غالب الأحيان من
غياب عامل القيادة الكفأة التي تكون قدوة لباقي العاملين، فعالة و قادرة على رسم
توجهات وخطط عمل واضحة تمكن المنظمات العمومية من تحقيق أهداف السياسية العامة في
أفضل صورة ممكنة.
• وأما الرقابة: فالحاجة ماسة للرقابة رغم غياب معايير موضوعية لقياس أداء العاملين
في الإدارة العمومية مما فتح المجال أمام الاعتبارات الشخصية والأهداف الخاصة في
تقدير الأعمال والنتائج، وهو الأمر الذي كان سببا في ضعف أداء القطاع العام بشكل
عام.
الفرع السابع: عيوب التسيير العمومي
لاشك
أن الإدارة التقليدية ارتبطت بالطابع البيروقراطي، الذي عانى من العديد من الأخطاء
و العيوب التي كانت سببا مباشرا في ضعف أداء القطاع العام، ويمكن حصرها وتصنيفها
بالشكل الآتي:
- إجراءات
قديمة يغلب عليها الروتين والبطء الشديد الأمر الذي تسبب في ظهور وانتشار الرشوة
وضياع المال العام والمحسوبية.
- تقديس
أساليب العمل دون إعادة النظر فيها وتطويرها.
- التركيز
على الإجراءات والمعاقبة على مخالفتها وانعدام معيار النتائج (فالعبرة باحترام
القواعد لا بتحقيق النتائج).
- ضعف
الاتصال والتعامل مع الناس.
- وضع
حلول جاهز معدة مسبقا لا ترتبط بالواقع ولا بالبيئة المحيطة بها.
- مقاومة
التغيير على المستوى البيروقراطي.
- وهناك
عيوب أخرى ترتبط بالتنظيم تتمثل أساسا في:
- ضعف
العلاقات العامة.
- غياب
قيادات إدارية فعالة وكفأه تلتزم بالتغيير.
- ضعف
الرقابة وعدم فعاليتها مما أدى إلى عدم متابعة وقياس الآثار والنتائج.
- عدم
توفر المعلومات عند اتخاذ القرارات.
- غياب
معايير موضوعية لقياس المردودية في الإدارة العامة.
- إغفال
المشاركة الجماهيرية.
- تضخم
الوظائف في أجهزة الدولة وزيادة عدد الموظفين.
- غموض
الأهداف والرؤى المستقبلية.
- أما
العيوب المرتبطة بالموارد البشرية.
- عدم
ربط الأجور بالإنتاج والجهود.
- نقص
التدريب المؤهل لنقص المدربين المؤهلين.
- الوصول
للمناصب الإدارية لا يكون بناء على الكفاءة.
- ضعف
أنظمة الحوافز.
- عدم
الاستفادة من الطاقات القديمة.
المرجع:
- د. شيبوتي راضية، محاضرات في المناجمنت العمومي، محاضرات ألقيت على طلبة سنة ثانية ماستر علوم إدارية، جامعة الإخوة منوري - قسنطينة 1- كلية الحقوق والعلوم الإدارية، قسم العلوم الإدارية، الجزائر، السنة الجامعية: 2020- 2021، ص 18 إلى ص 37.