محاضرات في مقياس الشريعة الإسلامية من إعداد أ. زعيتر سمية
المركز
الجامعي عبد الحفيظ بوالصوف – ميلة –
معهد العلوم
الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير
قســم
الحقـــــــوق
مـحـاضـرات
فـي مـقـيـاس
الشـريـعـة
الإسـلامـيـة
لطلبة السنة
الأولى ليسانس جذع مشرك حقوق
-الأسـتـاذة
زعـيـتـر سـمـيـة –
محاور المقياس
- المحور الأول: مفهوم الشريعة الإسلامية
- المحور الثاني: مصادر الشريعة الإسلامية
- المحور الثالث: القواعد الفقهية الكبرى
المحور الأول: مفهوم الشريعة الإسلامية
من باب أولى تعريف الشريعة الإسلامية لغة واصطلاحاً، هذا
ما سنتناوله أولا، أما ثانيا فسنتعرض للخصائص التي تميز الشريعة عن باقي الشرائع
السماوية الأخرى.
أولا: تعريف الشريعة الإسلامية لغة واصطلاحاً
1) تعريف الشريعة لغة
مشتقة من الفعل الثلاثي شرع، قال ابن فارس: الشين والراء
والعين أصل واحد وهو شيء يفتح في امتداد يكون فيه من ذلك الشريعة، وهي مورد
الشاربة للماء واشتق من ذلك الشرعة في الدين والشريعة.
2) تعريف الشريعة اصطلاحاً
تسمى الشريعة ويراد بها دين الإسلام بمعنى شامل، أي ما
شرعه الله لعباده من العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات ونظم الحياة، في شعبها
المختلفة لتحقيق سعادتهم في الدنيا والآخرة.
ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: "لكل جعلنا منكم
شرعة ومنهاجا"، سورة البقرة الآية 285
ويقصد الله سبحانه وتعالى، من مصطلح شرعة أي الطريق
المستقيم الذي يجب سلكه.
ثانيا: خصائص الشريعة الإسلامية
1) خاصية الربانية
يقصد بالربانية أن الله عز وجل هو واضعها، لقوله
تعالى:" كتاب أحكمت آياته" سورة هود وبالتالي تتصف الشريعة الإسلامية
بالشمولية والكمال، حيث عجز الانسان على أن يأتي بمثله وقد حفظها الله تعالى من أي
تحريف وتبديل، لقوله تعالى:" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"،
ولقوله سبحانه وتعالى أيضا :" أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله
لوجدوا فيه اختلاف كثيراً" سورة النساء الآية 82.
وما يلاحظ أن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان
ولا تحتاج إلى تعديل مثلما يقع على القوانين الوضعية، التي تتأثر بالنظام السياسي
والاقتصادي للبلاد، حيث توضع من أجل تلبية حاجيات الأفراد في حقبة زمنية معينة،
ويتم تعديل تلك القوانين مع تغير تلك الحقبة الزمنية بتغير الأفكار، وتجددها،
وعليه يتضح مما سبق ذكره، أن المقصود من الربانية أن الشريعة الإسلامية معصومة من
كل خطأ ومن كل تعديل أو تغيير، فالشريعة الإسلامية لها قدسيتها التي جاءت منزلة عن
طريق الوحي لرسولنا الكريم (ص).
فميزة الشريعة أنها حافظة لكتاب الله تعالى، مما جعل
للشريعة الإسلامية حصن منيعاً من أي تحريف أوتزييف أوتغيير لكلام الله تعالى.
2) خاصية الشمولية
أي لم تأتي الشريعة لأشخاص محددين وإنما للعالم أجمع
وغير محددة بمكان معين أو زمان معين،قال تعالى:" وما أرسلناك إلا كافة للناس
بشيراً ونذيراً" وقوله أيضا: "تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون
للعالمين نذيراً"، هذه النصوص القرآنية جاءت لتوضح شمولية وعموم الشريعة
الإسلامية.
كما أن الشريعة هي منهاج الحياة شاملة وكاملة ومنظمة
لكافة العلاقات، علاقة الفرد بربه وعلاقة الفرد بالآخرين، إذ جاءت لتنظم مسألة
الصلاة والزكاة والحج وعلاقة الأفراد ببعضهم من بيع وشراء والمعاملات المالية
وكيفية التصرف مع الدين، قوله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين
إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل" سورة البقرة الأية 282.
ونظمت العلاقات الأسرية من زواج وطلاق وميراث،
وكيفية تقسيمها إلى غير ذلك من المسائل،
لقوله تعالى:" ونزلنا عليك الكتب تبينا لكل شيء" سورة النحل الآية 89.
3) ازدواجية الجزاء
أي للشريعة الإسلامية جزاء دنيوي وآخروي بينما جزاء
القوانين الوضعية دنيوية فقط، فمتى استطاعوا الأفراد التملص من العقوبة الدنيوية
انتهى العقاب.
أما جزاء الشريعة فهو مقدس له هيبته لدى قلوب الناس لا
يستطيعون الإقدام عليه لأنهم يعلمون أنهم سيرتكبون إثم كبير وله جزاء عند الله.
قال تعالى:" إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله
ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلف أو
ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم."
4) الجمع بين الثبات والمرونة
الثبات: ويقصد به أنها غير قابلة للتحريف والتزييف
فالحرام حرام والحلال حلال إلى قيام الساعة، فالأحكام الشرعية ثابتة وغير قابلة
لأي تعديل أو تغيير، كالصلاة والزكاة والصوم فكلها فرضيات لا جدال ولا اجتهاد
فيها، فلا يمكن القول أن بيع الخمر حلال من أجل جلب وتشجيع السياح، أو جلب
الاستثمارات الأجنبية، فكلها أحكام شرعية ثابتة قطعية لا غبار عليها، ولا يمكن
النقاش أو الجدال فيها.
المرونة: أي قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان، كما أنه
يفتح باب الاجتهاد والقياس من القضايا المستجدة، فمثلا: التدخين لم يكن في عهد
الرسول (ص)، فقد اجتهد الفقهاء، بفتوى تحريمه قياسا على أنه يؤدي بالتهلكة والمضرة
لجسم الانسان، وبالتالي فهو حرام.
سؤال تقييمي 1): اشرح خاصيتي الربانية
والشمولية للشريعة الإسلامية؟
المحور الثاني: مصادر الشريعة الإسلامية
اتَّفق الفقهاء على بعض مصادر الشريعة الإسلامية كالقرآن
والسنة، واختلفوا في بعضها الآخر.
أولا: المصادر المتفق عليها
مصادر الشريعة الإسلامية هي الأدلة التي تستند إليها
الشريعة الإسلامية، فهناك أدلة متفق عليها بين أغلب الفرق وأخرى مختلف عليها حيث
يعتبر كل من الكتاب والسنة هما أصلان لباقي المصادر الأخرى، ويليهما الإجماع ثم
القياس وهذه الأربعة هي الأصول الشرعية المتفق عليها عند جمهور العلماء.
1) القرآن الكريم
القرآن هو أقدم الكتب العربية، ويعد بشكل واسع الأعلى
قيمةً لغويًّا، لما يجمعه من البلاغة والبيان والفصاحة، وللقرآن أثر وفضل في توحيد
وتطوير اللغة العربية وآدابها وعلومها الصرفية والنحوية، ووضع وتوحيد وتثبيت
اللّبنات الأساسية لقواعد اللغة العربية، إذ يُعتبر مرجعًا وأساسًا لكل مساهمات
اللغويين في تطوير اللغة العربية كسيبويه والخليل بن أحمد الفراهيدي وغيرهم، سواء
عند القدماء أو المحدثين إلى حقبة أدب المهجر في العصر الحديث، ابتداءً من أحمد
شوقي إلى رشيد سليم الخوري وجبران خليل جبران، وغيرهم من الذين كان لهم دور كبير
في محاولة الدفع بإحياء اللغة والتراث العربي في العصر الحديث.
ويحتوي القرآن على 114 سورة تصنف إلى مكّية ومدنية وفقًا
لمكان وزمان نزول الوحي به، ويؤمن المسلمون أن القرآن أنزله الله على لسان الملَك
جبريل إلى النبي محمد على مدى 23 سنة تقريبًا، بعد أن بلغ النبي محمد سن الأربعين،
وحتى وفاته عام 11 هـ الموافق لـ 632 م، كما يؤمن المسلمون بأن القرآن حُفظ بدقة
على يد الصحابة، بعد أن نزل الوحي على النبي محمد فحفظه وقرأه على صحابته، وأن
آياته محكمات مفصلات، وأنه يخاطب الأجيال كافة في كل القرون، ويتضمن كل المناسبات
ويحيط بكل الأحوال، بعد وفاة النبي محمد، جُمع القرآن في مصحف واحد بأمر من
الخليفة الأول أبو بكر الصديق وفقًا لاقتراح من الصحابي عمر بن الخطاب وبعد وفاة
الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، ظلت تلك النسخة محفوظة لدى أم المؤمنين حفصة بنت
عمر، إلى أن رأى الخليفة الثالث عثمان بن عفان اختلاف المسلمين في القراءات
لاختلاف لهجاتهم، فسأل حفصة بأن تسمح له باستخدام المصحف الذي بحوزتها والمكتوب
بلهجة قريش لتكون اللهجة القياسية، وأمر عثمان بنسخ عدة نسخ من المصحف لتوحيد
القراءة، وإعدام ما يخالف ذلك المصحف، وتوزيع تلك النسخ على الأمصار، واحتفظ لنفسه
بنسخة منه تعرف هذه النسخ إلى الآن بالمصحف العثماني لذا فيؤكد معظم العلماء أن
النسخ الحالية للقرآن تحتوي على نفس النص المنسوخ من النسخة الأصلية التي جمعها
أبو بكر، كما يؤمن المسلمون أن القرآن معجزة النبي محمد للعالمين، وأن آياته تتحدى
العالمين بأن يأتوا بمثله أو بسورة مثله، كما يعتبرونه دليلًا على نبوته، وتتويجًا
لسلسلة من الرسالات السماوية التي بدأت، وفقًا لعقيدة المسلمين، مع صحف آدم مرورًا
بصحف إبراهيم، وتوراة موسى، وزبور داود، وصولًا إلى إنجيل عيسى.
2) السنة النبوية
الحديث النبوي أو السنة النبوية عند أهل السنة والجماعة
هو ما ورد عن الرسول محمد من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلقية أو خُلقية أو سيرة
سواء قبل البعثة أي بدء الوحي والنبوة أو بعدها. والحديث أوالسنة عند أهل السنة
والجماعة هما المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن وذلك أن الحديث
خصوصا والسنة عموما مبينان لقواعد وأحكام الشريعة ونظمها، ومفصلان لما جاء مجملا
في القرآن، ومضيفان لما سكت عنه، وموضحان لبيانه ومعانيه ودلالاته، كما جاء في
سورة النجم:" وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى
إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى "، فالحديث النبوي هو بمثابة القرآن
في التشريع من حيث كونه وحياً أوحاه الله للنبي، والحديث والسنة مرادفان للقرآن في
الحجية ووجوب العمل بهما، حيث يستمد منهما أصول العقيدة والأحكام المتعلقة
بالعبادات والمعاملات بالإضافة إلى نظم الحياة من أخلاق وآداب وتربية وقد اهتم
العلماء على مر العصور بالحديث النبوي جمعا وتدوينا ودراسة وشرحا، واستنبطت حوله
العلوم المختلفة كعلم الشرح والتعديل وعلم مصطلح الحديث وعلم العلل وغيرها، والتي
كان الهدف الأساسي منها حفظ الحديث والسنة ودفع الكذب عن النبي وتوضيح المقبول
والمردود مما ورد عنه، وامتد تأثير هذه العلوم الحديثة في المجالات المختلفة
كالتاريخ وما يتعلق منه بالسيرة النبوية وعلوم التراجم والطبقات، بالإضافة إلى
تأثيره على علوم اللغة العربية والتفسير والفقه وغيرها.
3) الإجماع
عرف الفقهاء الإجماع بأنه: " اتفاق مجتهدي أمة
الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، في حادثة على أمر من الأمور في عصر من
العصور" حيث يعتبر الإجماع هو أحد مصادر التشريع الإسلامي وهو المصدر الثالث
من المصادر الشرعية للأحكام عموماً بعد الكتاب والسنة، وكان ظهوره بسبب القضايا
المستجدة التي طرأت بعد وفاة الرسول فصار كونه مصدر ضرورة لابد منها، ولكون النبي
حذر من الفرقة والاختلاف وحثّ على الاجتماع في أحاديث كثيرة، ولا بد في الإجماع أن
يستند إلى أصل من الكتاب والسنة، اللذان هما الوحيان والمصدران الأولان الأساسيان
للتشريع.
4) القياس
القياس في علم أصول الفقه هو الدليل الرابع من أدلة
الفقه عند مذهب أهل السنّة، بعد الكتاب والسنة والإجماع، وإنما يعد دليلا شرعيا
عند عدم وجود دليل شرعي للحكم بنص من الكتاب والسنة والإجماع، إذ لا قياس مع النص.
ثانيا: المصادر المختلف فيها
تتمثل في كل من الإستحسان، العرف، الإستصحاب، المصلحة
المرسلة، سد الذرائع، شرع من قبلنا، قول الصحابي، والتي سنتعرض لها باختصار.
1) الإستحسان
الاستحسان هو أداة لاستنباط الأحكام الشرعية عند غياب
النصوص وعجز ما يسبقها من أدوات وقد توسع فيه الأحناف وغيرهم وعدوه مصدراً من
مصادر التشريع بعد القياس والإجماع، والاستحسان جاء من الحسن، وبذلك فإن الفقيه
الذي يرى في الاستحسان مصدراً يعول على حسن وقبح المسألة فيحكم بحرمتها أو
كراهتها، ومن عارض الاستحسان من الأصوليين والفقهاء كثيرون، وربما كانوا أكثر من
مؤيديه، وحجتهم أن الاستحسان من أعمال العقل وربما خضع للهوى وكان نسبياً، فما
يعده البعض قبيحاً عده آخرون غير قبيح.
2) العرف
العرف هو العادة، وهو يشمل العرف العام والعرف الخاص،
وغلب إطلاقه على العرف العام، والعادة ثلاثة أنواع العرفية العامة والخاصة
والشرعية، وقد يفرق بينهما باستعمال العادة في الأفعال والعرف في الأقوال.
3) الإستصحاب
الاستصحاب أو استصحاب الحال من الأدلة الثانوية في علم
أصول الفقه ومعناه في اللغة: طلب المصاحبة، يقال: استصحب الشيء إذا لازمه، ويقال:
استصحبه الشيء أي سأله أن يجعله في صحبته.
واصطلاحا هو: الحكم بثبوت أمر أو نفيه في الزمان الحاضر
أو المستقبل بناء على ثبوته أو عدمه في الزمان الماضي، لعدم قيام الدليل على
تغييره، أو بعبارة أخرى، جعل الحالة السابقة دليلا على الحالة اللاحقة، أو إبقاء
الشيء على حكمه السابق ما لم يغيره مغير شرعي.
4) المصلحة المرسلة
المصالح المرسلة في علم أصول الفقه بمعنى: اعتماد
الاستدلال على المصالح المقصودة في الشرع.
5) سد الذرائع
سد الذرائع هو أحد أصول الفقه الإسلامي عند الإمام مالك
وأحمد بن حنبل، والذريعة عند علماء الأصول هي ما يُتوصل به إلى الشيء الممنوع
المشتمل على مفسدة، وبالتالي الذريعة عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه يخاف من
ارتكابه الوقوع في ممنوع.
6) شرع من قبلنا
شرع من قبلنا، في علم أصول الفقه الإسلامي موضوع بحث
شرعي، للعلاقة بين الأحكام الشرعية في شريعة خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه
وسلم، وبين الأحكام في الشرائع السابقة، مثل: الشريعة الإبراهيمة، وشريعة نبي الله
موسى، وشريعة نبي الله عيسى. فالدين عند اللّٰه واحد، بشرائع متعددة.
وقد بين الله تعالى في القرآن منهجا عاما يقوم على أمرين
هما:
1. العلم بأصل الدين وهو: أن الله تعالى
أرسل جميع الرسل بالإيمان بالله وعبادته وحده لا شريك له، فالأنبياء والرسل متفقون
في توحيد الله وإفراده بالعبودية.
2. الشرائع وهي: ما شرعه الله
لعباده من أحكام لا تتعلق بالعقيدة، بل بالأحكام التشريعية مثل: الصلاة والزكاة،
وتحريم الربا والزنا وغير ذلك، وهذه الأحكام بينها الله بقوله:" لكل جعلنا
منكم شرعة ومنهاجا".
وهذا المصدر يعد من المصادر الثانوية في التشريع
الإسلامي، وهو يحقق امتداد للشرائع التي سبقت، مثل شرائع أهل الكتاب.
7) قول الصحابي
قول الصحابي هو أحد مصادر التشريع الإسلامي الثانوية، لا
يعتبره علماء المسلمين مصدراً مستقلاً للتشريع، بل تابع للسنة وهو واجب الإتباع ما
لم يُخالف السنة، وفي الغالب أنه حجة لأنه يكون مفسراً للقرآن والسنة في كثير من
الأحيان بل قد يكون مصدراً فيما لم يأت به دليل من الوحيين لأن من الصحابة
والخلفاء الراشدين الذين أوصى النبي باتباعهم فقال : "عليكم بسنتي وسنة
الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي".
سؤال تقييمي 2): هل اتفق الفقهاء على أن
القياس مصدر من مصادر الشريعة الإسلامية أم اختلفوا في ذلك؟ بين ذلك؟
المحور الثالث: القواعد الفقهية الكبرى
القاعدة في اللغة هي الأساس، وفي الاصطلاح هي حكم كلي
ينطبق على جميع جزيئاته أو أكثرها لتعرف أحكامها منه.
والقواعد الفقهية الكبرى خمسة نوردها فيما يلي:
- القاعدة الأولى: الأمور بمقاصدها
الأصل في هذه القاعدة حديث الرسول: (إنما الأعمال
بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله
ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).
والمقصود بها: أن أعمال المكلف وتصرفاته من أقواله أو
أفعاله تختلف نتائجها وأحكامها الشرعية التي تترتب عليها باختلاف مقصود الشخص
وغايته وهدفه من وراء تلك الأعمال والتصرفات.
مثال: من قال لغيره خذ هذه الدراهم، إما أن ينوي التبرع
بها فتكون هبة، أو قرضا يجب إعادته، أو أمانة يجب المحافظة عليها ثم إعادتها.
-القاعدة الثانية: الضرر يزال
أصل هذه القاعدة هو قوله صلى الله عليه وسلم: (لاضرر
ولاضرار)، والضرر هو إلحاق مفسدة بالغير مطلقا، والضرار هو مقابلة الضرر بالضرر أو
إلحاقه بالغير لا على وجه الجزاء المشروع.
المقصود بنفي الضرار مقابلة الضرر بالضرر، فهي تنفي فكرة
الثأر لمجرد الانتقام، لأنها تزيد الضرر وتوسع دائرته.
مثال: من أتلف مال غيره لا يجوز أن يقابل ذلك بإتلاف
ماله، لأن فيه توسع للضرر بلا منفعة، والأفضل هو تضمين المتلف ما أتلفه من أموال.
- القاعدة الثالثة: العادة محكمة
هي من القواعد التي ترجع إلى نصوص من القرآن الكريم،
فالعرف والعادة لهما نصيب كبير في تغير الأحكام بحسب تغيرهما، قال تعالى (ولهنّ
مثلُ الذي عليهنَّ بالمعروف)، ويقال "سنتكم بينكم" أي عادتكم وطريقتكم
بينكم.
والعادة عند الفقهاء عبارة عما يستقر في النفوس من
الأمور المتكررة المعقولة عند الطباع السليمة.
- القاعدة الرابعة: المشقة تجلب التيسير
يقول الإمام الشاطبي- " إن الأدلة على رفع الحرج عن
هذه الأمة قد بلغت مبلغ القطع" - قال
تعالى: ( يريد الله أن يخفف عنكم)، (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ).
والمقصود بها: أن الأحكام التي ينشأ عن تطبيقها حرج على
المكلف ومشقة في نفسه أو ماله فالشريعة تخففها بما يقع تحت قدرة المكلف دون عسر أو
إحراج.
وهناك قواعد تابعة لهذه القاعدة منها:
الضرورات تبيح المحظورات، ما جاز للضرورة يتقدر بقدرها،
إذا ضاق الأمر اتسع.
- القاعدة الخامسة: اليقين لا يزول بالشك
هذه القاعدة يتجلى فيها التيسير في الشريعة الإسلامية،
فهدفها أنها تقرر اليقين وتعتبره أصلا ثابتا ومعتبرا، وأن ترفع وتزيل الشك الذي
ينشأ كثيرا عن الوسواس وخصوصا في باب الطهارة والصلاة.
فاليقين هو جزم القلب مع الاستناد إلى الدليل القطعي،
بينما الشك هو تجويز أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر.
فالمقصود هنا أن الأمر المتيقن ثبوته لا يرتفع إلا بدليل
قاطع ولا يحكم بزواله لمجرد الشك، كذلك الأمر المتيقن عدم ثبوته لا يحكم بثبوته
بمجرد الشك، لأن الشك أضعف من اليقين فلا يعارضه ثبوتا أوعدما.
والدليل على هذه القاعدة ما جاء في السنة أن رجلا شكا
إلى النبي الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال النبي: (لا ينصرف
حتى يسمع صوتا أو يجد ريح).
وهذه القاعدة تدخل في معظم أبواب الفقه من عبادات
ومعاملات وعقوبات وقضايا، لذلك قال السيوطي إن هذه القاعدة تتضمن ثلاثة أرباع علم
الفقه.
سؤال تقييمي 3): هل يقصد بالعادة هي العرف في القاعدة الفقهية الثالثة؟