الأصل أن تنسب الشّخصية القانونية للإنسان فقط، إلا أنّ عدم قدرته على تحقيق كل أهدافه بمفرده، فضلا عن حاجة المجتمع لسير المرافق العامّة باستمرارٍ وانتظامٍ، فرض الأمر الاعتراف بالأهلية لجماعات أخرى إلى جانب الأشخاص الطبيعية، من خلال منحها الشّخصية القانونية، التّي لا تزال محلّ جدلٍ فقهيٍّ (ثانيا)، وان تمّ الاتّفاق على تعريفها (أولاً).
أولا: تعريف الشخصية المعنوية
يمكن تعريف الشّخص المعنوي، على أ نّه: "كل مجموعة
من الأشخاص تستهدف غرضا مشتركا، أو مجموعة من الأموال تخصص وترصد لتحقيق غرض معين،
بحيث تكون وتشكل هذه المجموعة من الأشخاص أو الأموال كيانا قانونيا (شخصا معنويا)
مستقلا عن ذات الأشخاص وعناصر الأموال المكونة له، له أهلية قانونية مستقلة وقائمة
بذاتها، يكتسب الحقوق ويتحمل الالتزامات".
أو هو "مجموعة من الأشخاص أو الأموال التي تهدف إلى
تحقيق غرض معين، ويعترف القانون لها بالشخصية القانونية بالقدر اللازم لتحقيق هذا
الغرض".
وعليه، تقوم فكرة الشّخصية المعنوية على ثلاثة عناصر أو
أركان، وهي ضرورة إتحاد مجموعة من أموالٍ أو أشخاصٍ في ظلّ تنظيمٍ مترابطٍ متناسقٍ
معيّنٍ تستهدف تحقيق غرض معيّنٍ مشتركٍ مع ضرورة اعتراف المشرع بهذه الشّخصية.
ثانيا: موقف الفقه من نظرية الشخصية المعنوية
نشأت نظريّة الشّخصية المعنويّة في إطار القانون الخاص،
وان لم تكن بقدر أهميتها في القانون العام، باعتبار أشخاص هذا الأخير لا يمكن أن
تكون إلا عامّةً، ولم تكن أسس هذه النّظرية محل إجماع لدى فقه القانون، ما جعلهم
ينقسمون بين مؤيدي الفكرة (أ) وبين رافضيها ومنكريها (ب).
أ) التيار المؤيد لنظرية الشخصية المعنوية:
وان اتفق
أنصار هذه التيار على قيام فكرة الشخصية المعنويّة، وضرورة الاعتراف بها، إلا أنهم
اختلفوا حول طبيعتها، فهناك من اعتبرها مجرد افتراض قانونيٍّ ومنحةً من المشرع
بينما اعتبرها آخرون حقيقة شأنها شأن الشّخص الطّبيعي.
1) نظرية الافتراض القانوني: تسمى
بالنّظرية الرومانية، بزعامة كل من الفقهاء "سافيني، بيرتملي، جيز وبونار"،
وتقوم على فكرة أن الشّخصية المعنوية ما هي إلا مجرد مجازٍ وافتراض قانونيّ مخالفٍ
للواقع لجأ إليها المشرع كحيلة قانونية لتمكين التجمعات البشرية والمالية من تحقيق
أهدافها، على أساس أن الشّخصية القانونية مرادفة للفرد صاحب الإرادة، وأهلاً
لاكتساب الحقوق ولا وجود لهذه الأخيرة ما لم توجد الإرادة، وهو ما يتحقق فقط عند
الشّخص الطبيعي.
ولما كانت الجماعة في حاجة إلى تكاثف جهود الأفراد
والأموال تحقيقا لمصالح مشتركة، وجب الاعتراف لها بالشّخصية المعنوية تمكيناً لها
من أداء وظيفتها، وتجيز لها اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات وعليه فالمشرع من
يمنحها الأهلية، بالتالي، ارتباط وجود الشخص المعنوي، ونهايته، فضلاً عن حدود
أهليته بإرادة المشرع وباعتبار الشّخص المعنوي شخصاً افتراضياً فهو مجرّد من الإرادة
بالنّتيجة غير مسؤول مدنيا ولا جزائيا.
انتقدت هذه النظرية على أساس أنّها بُنيّت على فكرة
خاطئة، مرّدها أنّ من لا إرادة له فلا حقّ له، في حين نكون بصدد حق دون إرادة، كما
في حالة عديمي الأهلية، سواء لصغر السنّ أو الجنون كما أنه لا يمكن التّسليم بها
من منطلق عجزها عن تبرير وجود الدّولة باعتبارها شخصا معنويا، فمن منحها الشخصية المعنوية
إذن ؟، فضلا عن أن الأخذ بها يؤدي إلى إطلاق سلطات الدولة في التحكم في مصير
الجماعات، ويتعارض ووظيفة المشرع، التّي تستهدف أساساً الاستجابة للواقع الاجتماعي
وليس خلق أشياء.
2) نظرية الشخصية الحقيقية: بزعامة كلّ
من "كاري دي مالبيرغ، جيارك، جالينك"، مفادها أن الدّولة لا تخلق الشخص
المعنوي، ولا يتجاوز تدخلها حدّ الاعتراف به، وحججهم أن مصطلح الشخص المعنوي من
النّاحية القانونيّة لا يقتصر فقط على الإنسان، إ نّما يطلق على هذا الأخير وكل
هيئة أو جماعة يمكن أن تكون مناطاً للحقوق والواجبات، بدليل أن بعض الأفراد رغم
ثبوت ذاتيّتهم الآدمية لا يعتبرون في بعض الدّول أشخاصاً في نظر القانون، كما كان
عليه الحال في فرنسا سنة 1854، بالنّسبة للأشخاص المحكوم عليهم بالموت المدني كما
أن الحق هو كلّ مصلحة مشروعة يحميها القانون، لا يتوقف على وجود الإرادة، بدليل أن
للمجنون حقوقاً رغم انعدام إرادته، وطبقا لهذه النّظرية توجد الشخصية المعنوية
كلما وجدت مصلحة شرعية لجماعة أو هيئة، مع وجود وسيلة عن طريقها تعبر عن إرادتها.
لم تدم هذه النّظرية طويلا، لقيامها على المعتقدات
والتصورات، ما أدى إلى ظهور تيار ينكر وجودها بشدة، ويرفضها رفضاً قاطعاً.
ب) التيار المنكر لوجود الشخصية المعنوية:
ظهر رأي
مخالف تماما للآراء السّابقة ،يرفض بشدّة الاعتراف بفكرة الشّخصية المعنويّة،
بزعامة كل من اهرنج، بونار، جيز وليون دوجي، على أساس أنّها مفهوماً
ميتافيزيقيّاً، ولا أهمية لها يمكن الاستغناء عنها، وتبنّي أفكار ونظريّات أخرى،
تكون بديلا لها وأكثر منطقية، فتم طرح
نظريتا ذمّة التخصيص (الغرض)، والملكية المشتركة.
1) نظرية الغرض أو التخصيص: بزعامة
الفقيه الألماني "بارنز"، ومفادها، ألّا أساس للشخص المعنوي في الواقع،
لذلك يفترض الاستغناء عنه كليةً، أما فكرة تجمع الأشخاص والأموال التّي يفترض
الاعتراف لها بذمّة مالية وجملة من الحقوق والالتزامات، تفرضها وحدة الغرض، وعليه
تم استبدال الشّخصية المعنوية بفكرة الغرض.
وان يعاب على هذا الرأي، إغفاله أن الذّمة المالية
والتمتع بالحقوق وتحمل الالتزامات، لا تسند إلا لشخص يعترف به القانون.
2) نظرية الملكية المشتركة: بزعامة
الفقيه "إهرنغ"، اّلذي يرى أن صاحب الحقّ لا يمكن أن يكون إلاّ شخصاً
طبيعيّاً، وانّ امتداد الحقّ في حالات إلى هذا الكيان المعروف بالشّخص
المعنوي ما هو إلا امتداده للأشخاص الطّبيعيين المكوّنين له، وعليه استبدال فكرة
الشّخصيّة المعنويّة بالملكيّة المشتركة.
يؤخذ على هذه النّظرية، أن الأخذ بها يرجع بالفكر
القانوني إلى ما قبل ظهور فكرة الشخصية المعنوية للوجود، لانتشار فكرة الملكيّة
المشتركة في الحضارات القديمة، وتخلى عنها الفقه الحديث لتجاهلها للاستقلاليّة
القائمة بين الشّخص المعنويّ ومجموع الأفراد المكونين له، كما أنّ هذا الشّخص
المعنوي قد لا يتعلق بالأموال المشتركة مثل الجمعيات.
- موقف المشرع الجزائري من نظرية الشخصية المعنوية:
اعترف المشرع الجزائري بالشخصية المعنوّية، باعتبارها
ضرورةً حتميّةً تفرضها متطلبات السّير العادي للمرافق العامةً، حيث تنصّ الفقرة
الأولى من المادة 50 من الأمر رقم 75-58، يتضمن القانون المدني على أنه: "يتمتع
الشخص الاعتباري بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازما لصفة الإنسان، وذلك في
الحدود التي يقررها القانون"، ما يفهم منه أخذ المشرع الجزائري بنظريّة
الافتراض القانونيّ.
غير أنّ ما تجدر الإشّارة إليه، هو أنّ المشرع باعترافه
بالشخصية المعنويّة، فإنّه يقرّها للهيئة الإداريّة ذاتها سواء إقليمية أو مرفقية،
وليس للهيآت المعبّرة عن إرادتها وعليه، في حالة حلّ المجالس المنتخبة بالنّسبة
للولاية والبلدية مثلاً لا يؤدي ذلك إلى نهاية الأشخاص المعنويّة العامّة، بل
يتطلب الأمر –فقط- إعادة تشكيل مجالس جديدة لمواصلة المهام والصّلاحيّات المخوّلة
والمنوطة للهيئة الإدارية المعنيّة، على اعتبار أن هذه المجالس ما هي إلا أداةً
للتّعبير عن إرادة الشّخص المعنويّ العام التّابعة لها، دون أن تثبت لها الشّخصية
المعنوية.
المرجع:
- د. أكلي نعيمة، محاضرات في القانون الإداري، موجهة لطلبة السنة الأولى ليسانس، جامعة أكلي محند أولحاج – البويرة – كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم القانون الخاص، الجزائر، السنة الجامعية: 2020/ 2021، ص43 إلى ص47.