مفهوم فلسفة القانون
يميل الإنسان بطبعه في الاعتماد على
غيره في كثير من الأمور لتوفير لنفسه الضروريات اليومية، مما يحتم التفكير المستمر
في تحسين أوضاعه، إلى جانب المعاملات اليومية مع أفراد محيطه التي يرتبط معها
مصالح خاصة به.
فعن طريق التفكير بدأ الإنسان يرى أن
هذه المعاملات اليومية لا يمكن ضبطها وتنظيمها إلا عن طريق قواعد قانونية ثابتة
نسبيا توافق بين المصالح المتناقضة بين الأطراف.
ولفهم الظواهر القانونية وشرح مضمونها
وأصل القواعد القانونية أو القانون عموما ظهر موقف الفلاسفة، باعتبار الفلسفة هي
علم من العلوم التي تهتم بالفكر والعموميات على اختلاف المجالات.
ولفهم وتوضيح فلسفة القانون يستوجب
علينا فهم أولاً معنى مصطلح القانون.
أولاً: مفهوم القانون
1- التعريف بالقانون:
يعود مصطلح القانون إلى الحضارات
القديمة وله خصائص تميزه عن غيره من القواعد التي تنظم المجتمع.
- أصل كلمة قانون: يعود أصل كلمة قانون إلى الحضارة
اليونانية القديمة KANUN
والتي تعني العصا المستقيمة واستعملها اليونان مجازا وكناية عن المبدأ والقدوة
والقاعدة ودلالة على الاستقامة ومقياس أو معيار لمدى الالتزام والانحراف ويقابلها
مصطلح القانون باللغة العربية ومصطلح DROIT
بالفرنسية.
- التعريف الاصطلاحي: هو مجموعة من القواعد العامة والمجردة التي تنظم سلوك الأفراد وعلاقاتهم في المجتمع على وجه ملزم مقترن بجزاء حال توقعه السلطة المختصة.
2- خصائص القانون:
تتمثل خصائص القانون في خصائص القاعدة
القانونية والتي يمكن استنتاجها من خلا التعريف السالف الذكر، وتتمثل باختصار فيما
يلي:
✓ القانون من القواعد الاجتماعية،
✓ القانون من القواعد التي تنظم السلوك،
✓ القانون مجموعة من القواعد العامة والمجردة،
✓ القانون مجموعة من القواعد الملزمة،
✓ القانون مجموعة من القواعد المقترنة بجزاء حال.
3- أقسام القانون:
ينقسم القانون إلى قانون عام وقانون
خاص
- القانون العام: وهي القواعد القانونية التي تنظم العلاقات التي تكون الدولة أو أحد مؤسساتها طرف في العلاقة أو حتى بين دولة ودولة أخرى، وبالتالي نجد قانون عام خارجي أو دولي وقانون عام داخلي.
- القانون الخاص: ويقصد بها مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الأفراد فيما بينهم أو بين الأفراد والدولة باعتبارها شخصا عاديا وباعتبارها سلطة عامة.
4- غاية القانون ومقاصده:
إن الغاية من وضع القانون هو فرض
النظام وتنظيم سلوك المجتمع الواحد ونشر العدل والحرية والمساواة والحفاظ على
السكينة العامة.
- حفظ النظام: من بين مقاصد القانون هو الحفاظ على النظام في المجتمع وتحقيقه ويكون ذلك من خلال حماية حقوقهم وحرياتهم والإقرار بها سعيا في حفظ الانضباط في المجتمع الواحد.
- نشر العدل: يرى أغلبية الفقه أن الهدف الأساسي من وضع
القانون هو تحقيق العدالة وتأمينها ولا تكون إلا بالإقرار بالحق وق الطبيعية لكل
إنسان والسهر على حماية حرياتهم ومصالحهم الخاصة، رغم اختلاف الفقهاء في مفهوم
فكرة العدل حتى في الحضارات القديمة.
- المساواة والحرية: هو الإقرار لجميع المجتمع الواحد بنفس
الحقوق والواجبات فمتى وجدت الحرية التي ينطلق منها القانون يحس الفرد بضرورة
احترامه لأنه الواضع له وأينما وجدت المساواة وجدت الحرية فهما مقصدان قانونيان
متكاملان.
- حفظ السكينة الاجتماعية: الغاية الأخرى التي يسعى من أجلها القانون هو توفير الأمن الاجتماعي،
وتفترض غاية السكينة الاجتماعية بطبيعتها ضرورة التوفيق بين المصالح المتعارضة
والمتناقضة مع مراعاة الإبقاء على أكبر مجال للحرية الفردية والجماعية حتى لا تعم
الفوضى والفساد ونشر السلام الاجتماعي.
- الغاية العقابية والردعية في القانون: من أهداف القانون حفظ النظام والأمن
العام فالعقوبة جزاء تقومي غائي يوقع باسم المجتمع من أجل ردع وتوقيف للعصاة
والجناة وذلك تنفيذًا للحكم قضائي صادر من سلطة مختصة ويستند إلى نص قانوني بعد
إثبات قيام المسؤولية، المسؤولية الجنائية كعقوبة السجن أو الحبس... المسؤولية المدنية كعقوبة فسخ العقد أو
التعويض... أو المسؤولية الإدارية كعقوبة العزل أو التوبيخ ..
ثانيًا: المقصود بفلسفة القانون
1- المقصود بالفلسفة:
يعود أصل مصطلح الفلسفة إلى الحضارة
اليونانية والتي تعني حب المعرفة، ويعرفها الفيلسوف أرسطو على أنها علم العموميات
أي معرفة الأصول الأولى والعلل المؤدية إلى الأشياء أو الفروع، وعند العرب تعني
محبة الحكمة حيث اشتهر فيثاغورس بقوله لست حكيمًا ولكن محب للحكمة فعموما الفلسفة
عبارة عن حركة دائمة للفكر وعرضها للآخرين المعارضين بهدف إثارة الجدال الايجابي.
2- علاقة الفلسفة بالقانون:
يعتبر الفيلسوف الألماني هيجل أول من
استخدم عبارة فلسفة القانون في المجال الأكاديمي كعنوان كتابه الصادر سنة 1821،
رغم اهتمام بها حتى في الحضارات القديمة خاصة من قبل اليونان والرومان فحيثما توجد
الفلسفة نجد القانون فالتفكير الفلسفي يدعو إلى التفكير القانوني.
ففلسفة القانون هو دراسة وبحث عن
جوانبه العامة والمشتركة بين الأنظمة القانونية المختلفة وجوانبه العالمية فالأصول
مواضيع تهتم بها الفلسفة في حين علم القانون يدرس ويهتم فقط بالقواعد على ضوء
الكليات (الأصول) التي هي محل البحث والاهتمام من قبل الفلاسفة فكل واحد يكمل
الأخر.
بحيث يهتم مقياس فلسفة القانون على
عدّة مواضيع منها القانون والقوة، القانون والحرية، القانون والسيادة... إلا أن الإشكال الكلاسيكي المطروح فلسفيا سابقا
والذي ثار جدال واسع النطاق في فلسفة القانون هو الحاجة أو عدم الحاجة للقانون.
3- الحاجة أو عدم الحاجة للقانون:
ظهر اتجاهين متناقضين في هذه المسألة
فهناك من يرى ضرورة وجود القانون وهناك من يرى أنه لا ضرورة لوجود القانون.
- ضرورة القانون: يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الإنسان شر بطبعه ومن هذا المبدأ يستلزم
وجود قانون في المجتمع لكبح مشاعر الشر والرذيلة لدى الإنسان، وأما ما
يظهر في الإنسان من الطيبة والخير فهو ناتج عن التأثير الاجتماعي خاصة تعاليم
الدين والتربية.
فيرى أصحاب هذا الاتجاه أن أصل الإنسان
العنف والقوة والرذيلة وحالة الحرب والفوضى مستمرة وبالتالي القانون ضرورة طبيعية
للبشر فلا وجود له بدون قانون.
- عدم ضرورة القانون: يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الإنسان خير بطبعة وسيظل كذلك ويرون أن البيئة الاجتماعية أساس الشرور في الوضع البشري خاصة إذا كان القانون مفروض عليهم وليس عن طريق إرادتهم المحضة.
ويرى الفيلسوف أفلاطون في الدولة
المثالية التي لا قانون لها وذلك على أساس نظام التعليم الذي يربي الحاكم على
الحكمة والكفاءة والمسؤولية ويربي المواطن ليكن مطيعًا ومواليًا، ويرغب أصحاب هذا
الاتجاه في العودة ما يعرف بالعصر الذهبي الأول أين كان الإنسان يعيش في مجتمع
عادل مثالي ودون قانون بل هو متحرر عن جميع القيود القانونية فهو مجتمع يسود فيه
الانسجام العقلاني والإحساس الطيب بين جميع الأفراد.
لكن مع مطلع القرن 17 في العصر الحديث
أي نتميز بارتقاء العلوم والصناعة وما رافقه من التطور في ايديولوجيا التقدم
البشري التي ترفض فكرة العصر الذهبي الأول وإنما تهتم بمستقبل أفضل للبشرية وهناك
من يرى من خلال تحقيق الدور الحر الذي تمارسه القوى الاقتصادية وفقا لنظري
الرأسمالية وحرية العمل وعلى رأسهم الفيلسوف أدم سميث الذي يقول أن القانون
والحكومة شر فشرور المجتمع تعود للأثر السيئة للمؤسسات وليس من طبيعة الإنسان
الفاسد وإنما ترجع للحكومة التي تشوه التطور الطبيعي للاقتصاد، أما النظرية
الماركسية الاشتراكية وعلى رأسهم الفيلسوف كارل ماكس فيعتبر القانون مجرد نظام
قمعي للحفاظ على امتيازات طبقة الملاك وإن الصراع الطبقي ناتج عن الملكية الخاصة
وبتحقيق الشيوعية تختفي الدولة والقانون التي كانت مبرر لفرض العدل والمساواة،
خاصة أن القانون أداة للقهر تستعمله الدولة وأن الطيبة الإنسانية أفسدتها الملكية
الخاصة.
المرجع:
- أ. عياد، محاضرات في مقياس منهجية البحث في العلوم القانونية "فلسفة القانون"، جامعة عبد الرحمان ميرة – بجاية كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم التعليم الأساسي، السنة الأولى، الجزائر، السنة الجامعية: 2019/ 2020، ص2 إلى ص5.