تفسير القانون
أولاً: تعريف التفسير
يقصد بالتفسير العملية الذهنية التي
يلجأ إليها القانوني من أجل تحديد معنى ومضمون القاعدة القانونية وتوضيح مدلولها
في حالة الغموض أو إزالة تعارض أو تكملة النص في حالة النقص أو لوجود خطأ مادي أو
قانوني.
إلا أن القول والأخذ بالقواعد
القانونية مفهوم واسع يشمل جميع القواعد أين كان مصدرها (تشريعي، عرفي، ديني...)،
إلا أن ما يهم دراستنا هو حول تفسير النصوص التشريعية، خاصة أن القواعد الدينية
تستمد تفسيرها من الشريعة الإسلامية، أما القواعد العرفية فلا ثور إشكالات في
التفسير وإنما الإشكالات الذي يثار عليها هو حول تثبيت وجودها أما ما يصدر من
القضاء فلا يعبر نصوص قانونية وإنما أصلا هي مصادر تفسيرية.
ثانيا: أنواع التفسير
تفسير النصوص القانونية يمكن أن يكون
قضائي فقهي إداري أو تشريعي
1) التفسير القضائي:
وهو التفسير الذي يقوم به القضاة
أثناء تطبيق القواعد القانونية أو أثناء النظر في النزاعات المطروحة أمامهم أو
عليهم، فالتفسير القضائي وسيلة يستعملها القاضي أثناء دراسة القضية للفصل بها
ويقوم بالتفسير تلقائيا حتى وإن لم يطلب الخصوم ذلك، من أجل تبيان حكم التشريع في
النزاع المعروض عليه، ويتميز التفسير القضائي بمجموعة من خصائص نذكر منها ما
يلي:
- يكون التفسير القضائي بمناسبة وجود
نزاع أمام احد الجهات القضائية،
- القاضي يكون ملزم بالتفسير تلقائيا
دون طلب الخصوم ويلزم فقط بالتفسير الذي أصدره وليس ملزم بالتقييد بالتفسير السابق
حتى وإن كان في نزاع مماثل إلا إذا كان التفسير صادر من درجة أخيرة في هرم التقاضي
كالمحكمة العليا في الجهاز القضائي العادي أو مجلس الدولة في القضاء الإداري،
- التفسير القضائي يكتسب طابع عملي فهو
يتأثر بالظروف الواقعية المحيطة بالنزاع وللقاضي السلطة التقديرية للوصول إلى الحل
قانوني.
2) التفسير الفقهي:
وهو الجهد الذي يقوم به شارح القانون
والفقهاء في مؤلفاتهم وأبحاثهم القانونية سواء تعلق الأمر بتفسير القواعد
التشريعية أو حتى في أحكام قضائية والتعليق عليها أو انتقادها بالاستعانة مختلف
المبادئ في القانون والمنطق السليم، فهو تفسير نظري بعيد المجال التطبيقي العملي
وغير مرتبط بالنزاع، ويقوم الفقيه بالتفسير بمحض إرادته وليس ملزم بفعل ذلك.
يوجد تعاون وثيق بين القضاء والفقه في
تفسير القواعد القانونية واستخلاص الأحكام الملائمة نظرًا أن القضاء يهتم أكثر
بالمجال العملي التطبيقي في حين الفقه يهتم بالنظري أكثر وتعاونهما يعدّ خير معين
للمشرع في تعديل النصوص التشريعية وتطويرها.
3) التفسير الإداري:
هو ما يصدر عن الجهات الإدارية
المختصة من خلال التعليمات أو البلاغات، أو منشورات الموجهة للإداريين والموظفين بغرض
تفسير النصوص التشريعية وتوضيح كيفية تطبيقها عمليا، فهذا النوع من التفسير موجه
لفئة الموظفين الإداريين المعنيين.
4) التفسير التشريعي:
هو التفسير الذي يضعه المشرع نفسه
ليبين حقيقة ما يقصده من مضمون النص، ويمكن أن يتدخل أيضا في حالة ما لم يصل
القضاة إلى المقصود من النص التشريعي أي أن المشرع يتدخل لتفسير النص التشريعي في
حالة وجود خلاف في التطبيق النص الواحد سواء بين القضاة أو في حالة اختلاف الآراء
بين القضاة أو الفقهاء، كما يمكن له أن يتدخل بطريقة مباشرة أي بعد وضع القاعدة
القانونية مع التفسير بمعنى مباشرة أمام النص الأصلي، إلا أنه عموما التفسير
التشريعي قليل جدًا فهو يكاد ينعدم في الواقع العملي.
ثالثًا: المذاهب الفلسفية التي تعتمد على التفسير
إذا كان المقصود بالتفسير هو توضيح
معنى القاعدة القانونية ومغزاها أو البحث عن نية وإرادة المشرع عند وضعها وشرح
المصطلحات أو العبارات الواردة عند الصياغة، فأهم المذاهب الفقهية التي اهتمت
بتفسير النصوص القانونية ما يلي:
1) مذهب الشرح على المتون:
هو مذهب شكلي ظهر في فرنسا يأخذ بفكرة
تقديس النصوص التشريعية واعتبار هذه الأخيرة هو المصدر الوحيد للقانون، وقوتها
الملزمة تستمدها من إرادة السلطة العليا أي من الهيئة الحاكمة، أين يسعى فقهاء
وأنصار هذا الاتجاه إلى شرح وتفسير النصوص والبحث عن النية والإرادة الحقيقية للمشرع
وقت وضع النص بغض النظر عن الظروف الاجتماعية خاصة إن تغيرت أم لا.
2) المذهب التاريخي:
هو من بين المذاهب الموضوعية الواقعية
والذي أسسه الفيلسوف والفقيه سافيني، بحيث يرى أن النصوص القانونية تنفصل عن إرادة
المشرع وأن القانون هو وليد حاجة اجتماعية يتكون ويتطور تلقائيا وآليا وبالتالي أن
تفسيرها يكون حسب الظروف التي تتكون وتنشأ فيها القاعدة القانونية سواء من حيث
الزمان والمكان.
3) المذهب المختلط:
وهو المذهب الذي أنشأه الفقيه فرنسوا
جيني الذي أخذ ومزج بين ما أخذت به المذاهب الشكلية والمذاهب الموضوعية بحيث يرى
الفقيه ضرورة تجنب التطرف الذي عرف مذهب شرح على المتون في تقديس النصوص
التشريعية، كما لا يوافق مذهب سافيني التاريخي في ربط التفسير فقط بالظروف المجتمع
وتطوره.
وبالتالي الفقيه جيني يرى ضرورة تفسير
النص بالبحث عن قصد المشرع وقت وضع النص مع مراعاة ملاءمته بالظروف الاجتماعية،
وللمفسر حرية استعمال كل الوسائل البحث العلمي وعدم الأخذ فقط بالنية المفترضة
للمشرع وقت وضع النص.
رابعًا: حالات التفسير
وهي الحالات التي تجعل القاضي، الفقيه
أو المشرع يتدخل للبحث عن مضمون القاعدة القانونية، لأنه أصلاً لا اجتهاد في مورد
النص فإذا كانت الصياغة واضحة المعنى والألفاظ فإن الأمر يقتصر على التطبيق دون
التأويل ويكون التفسير في الحالات التالية:
1- حالة وجود خطأ:
يمكن أن يكون خطأ مادي كإراد لفظ غير
مقصود أو سقوطه كان من الأجدر ذكره ولا يستقيم المعنى إلا بتصحيحه أما الخطأ القانوني
هو استعمال الألفاظ أو المصطلحات القانونية التي لا تعبر عن المعنى الصحيح.
2- حالة النقص:
وهي حالة ما أغفل المشرع ذكر لفظ أو
عدّة ألفاظ أو عبارات وألفاظ شاملة المعنى لا يستقيم المعنى من دونها، أين يتعين
على القاضي خاصة في تطبيق النص إضافة وتكملة النص ليستوي المعنى.
3- حالة التعارض:
بمعني حلة وجود تناقض في نص تشريعي
واحد أو حتى في نصين مختلفين أو أكثر في موضوع واحد يستحيل الجمع بينهما لوجود
تناقض، وبالتالي على المفسر إزالة التعارض مع مراعاة تدرج النصوص القانونية وحداثة
النص من قدمه.
4- حالة غموض النص:
هو استعمال المشرع ألفاظ ومصطلحات
مبهمة وعبارات غير واضحة المعنى يمكن أن تحمل أكثر من مدلول مما يدفع بالقاضي أو
الفقيه أو المفسر أثناء التفسير الأخذ بالمفهوم الأقرب للمعنى.
خامسًا: طرق التفسير
ويقصد بها الوسائل التي يستعملها
المفسر أثناء التفسير للوصول إلى تحديد معنى ومضمون النص القانوني، بمعنى الطرق
والكيفيات التي يستعملها المفسر في سبيل الوصول إلى المضمون الأقرب لنص وتحديد
الحكم من القاعدة القانونية وهي:
1- الطرق الداخلية:
تعتمد على النصوص نفسها أي المراد
تفسيرها واستخلاص المعاني من خلال صيغ النص نفسه سواء بالاعتماد على المصطلحات
والألفاظ أو العبارات كاملة، ويكون على النحو التالي:
❖ القياس: ونجد في القياس قياس عادي وهي حالة وجود واقعتين أحدهما نص على حكما والأخرى لا،
ونظرا لوجود الموافقة التامة بين الواقعتين فنأخذ الحكم الأول ونطبقه في الواقعة الثانية، أما القياس الجلي أو من باب أولي أين يفترض وجود واقعتين أحدهما نص على حكمها أما الثانية لم ينص عليها لكن العلة
الأولى تتضح بوضوح في الواقعة الثانية بمعنى تأخذ نفس الحكم.
❖ مفهوم المخالفة: يفترض قيام واقعتين أحدهما نص على حكمها أما الثانية فلم ينص على الحكم، لكن بتطبيق مفهوم المخالفة أو المفهوم العكسي نصل إلى الحكم الثاني عن طريق الاستنتاج العكسي.
2- الطرق الخارجية:
يستعين المفسر أثناء تفسير النص
القانوني على عناصر أخرى خارج النص، بحيث لا يعتمد المفسر على تحليل الألفاظ بل
يمكن له اللجوء إلى عناصر أخرى خارج النص من أجل الوصول إلى إرادة المشرع
الحقيقية.
❖ حكمة التشريع: هو معرفة مقصد من النص التشريعي الذي يؤدي إلى تفسير النص، لأن المشرع أثناء وضع النصوص القانونية تكون له أهداف أو الباعث من وضعها وهذا ما
يعرف بروح التشريع.
❖ الأعمال التحضيرية: وهي مجموعة الوثائق التي تضم المذكرات الإيضاحية وتقارير ومناقشات التي قامت بإعدادها هيئة التشريع، إلا أن عند الرجوع إليها من طرف المفسر يجب أن يراعي الأخذ بعين الاعتبار الحيطة والحذر لأنها في الغالب تعبر عن أراء
الشخصية وليست أراء المشرع الفعلية نظرا لإمكانية تعديلها بعد صدورها كتشريع.
❖ المصادر التاريخية: ويقصد به الأصل التاريخي الذي أستخلص منه المشرع حكمه، وبالتالي
يمكن للمفسر الرجوع لهذا الأصل لتعرف على الإرادة الحقيقية للمشرع، وعلى سبيل المثال الأصل أو المصدر
التاريخي لقانون الأسرة الجزائري هو الشريعة الإسلامية والقانون المدني الجزائري
تعود بعض قواعده إلى القانون المدني المصري والقانون المدني الفرنسي.
❖ تقريب النصوص: هو أن يقوم المفسر ضمن مجموعة من النصوص بتقريب النص الغامض إلى نص أخر واضح واستخلاص منه المعنى،
فمن خلال عملية التجميع بينهما يمكن تحديد المعنى والتقرب قدر الإمكان من إرادة
ونية المشرع في النص القانوني المراد تفسيره.
❖ الاستعانة بالنص الأجنبي: في بعض الحالات توضع النصوص التشريعية بلغة أجنبية ثم تترجم إلى اللغة الوطنية هذا الأخير يمكن للمفسر أن
يرجع إلى النص الذي حرر باللغة الأجنبية كنص أولي من أجل توضيح إرادة المشرع في
النص لكن ذلك على سبيل الاستئناس وليس على سبيل الإلزام.
المرجع:
- أ. عياد، محاضرات في مقياس منهجية البحث في العلوم القانونية "فلسفة القانون"، جامعة عبد الرحمان ميرة – بجاية كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم التعليم الأساسي، السنة الأولى، الجزائر، السنة الجامعية: 2019/ 2020، ص29 إلى ص34.