دور الأسرة النموذجي في دعم وتفعيل الاستقرار الأمني في المجتمع
وقد شاع قي ظل المتغيرات الدولية الراهنة
مصطلح الأمن القومي، الشائع في العلوم الإنسانية والذي يعبر عن الأمن الوطني
للدولة المعاصرة؛ حيث برزت العديد من الآراء والنظريات حول مفهوم الأمن
القومي والأسس التي يعتمد عليها، وظهرت
مجموعة من المفردات كالأمن الاستراتيجي القائم على نظريات الردع والتوازن والأخطار
المحتملة والتحرك الاستباقي واحتواء الأزمات، وأصبح تعريف الأمن وفقا لهذا المفهوم
حسبما أوردت دائرة المعارف البريطانية يعني "حماية الأمة من خطر القهر على يد
قوة أجنبية"، في حين رأى بعض الباحثين أن الأمن يعني "حفظ حق الأمة في
الحياة".
واذا كانت الأسرة أحد ثوابت ومقومات
ودعائم المجتمع القوي بترابط مختلف الروابط والعلاقات الأسرية وبالتالي البناء
الحقيقي للمجتمع الذي يكون منظما سياسيا ببناء وقيام دولة قوية؛ بما أن الأسرة هي
الخلية والنواة الأساسية لتطور وتقدم أي مجتمع.
ولما كانت الأسرة تشكل نواة المجتمع
الإنساني فإذا صلحت صلح المجتمع كله واذا فسدت فسد المجتمع كله، لذلك أحاطها الله
بكل القوانين التفصيلية فيما نسميه بقانون الأحوال الشخصية أو قانون الأسرة لتكون
أسرة آمنة مطمئنة قائمة على المحبة والمودة والسكينة والرحمة تتكامل فيها الحياة
الزوجية حياة وئام لا حياة لئامٍي، عرفون ما لهم وما عليهم بلا أنانية فالكل يقدّم
كل ما يستطيع من أجل سعادة الأسرة وتلاحمها وطهارتها وبنائها وتطورها أبا وأما
وأولادا في ظلال المنهج الرّباني العظيم وصدق ربنّا سبحانه وتعالى القائل ومن
آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إنّ في
ذلك لآيات لقوم يتفكرون.
ويهدف هذا البحث إلى التعرف على دور
وواجبات الأسرة المسلمة كأهم مؤسسة اجتماعية مسؤولة عن تربية الأبناء ـ خاصة في ظل
المتغيرات العالمية ـ فإذا صلحت صلح المجتمع كله بصلاحها؛ لأن لها دور كبير على
صعيد الوقاية من السلوك المنحرف والإجرام وتحقيق الأمن والسكينة في المجتمع، وذلك
بهدف حفظ الأمن في الدولة ككل وتكمن أهمية البحث فيما يلي:
المبحث الأول: الدور التربوي والاجتماعي للأسرة في تحقيق أمن المجتمع
الأسرة ظاهرة اجتماعية عالمية المكان
والزمان، فلم يخل منها مجتمع ولم تخل منها فترة من فترات التاريخ، ويعتبر أبا
البشر آدم عليه السلام وأمهم حواء النواة الأولى للأسرة والعائلة والعلاقات القرابية،
ولقد امتن الله سبحانه وتعالى على البشر أن خلق لهم من أنفسهم أزواجا ليجدوا في
قربها السكينة والاستقرار والطمأنينة والأمن الأسري فقال سبحانه وتعالى: (هو الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وجعل
منها زوجها ليسكن إليها)
وجعل خلق الزوج، وهِي كلمة تطلق على الذكِر والأنثى من الآيات الدالة على
عظمته وقدرته سبحانه: (ومن آياته أن خلقَ لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها
وجعَلَ بينكم مودةً ورحمةً إنَّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)
وللأسرة تعريفات كثيرة، منها أنها
زوج وزوجته وأولادهما وبعض العلماء لا يشترط لوجود الأسرة وجود الأولاد.
ومن أكبر النعم بعد الإسلام نعمة الأمن
والاطمئنان، وهما مرتبطتان بصلاح الإنسان ورقي المجتمع وعدالة الدولة، وكلٌ يسهم
بجزء في تحقيق هذا الأمن وتنميته أو تخريبه وتدميره، والأمن الأسري والاجتماعي في
الإسلام فريضة شرعية وضرورة حياتية لا يستغنى عنها إنسان ولا حيوان ولا طير ولا
جماد، فهو نعمة من الله تعالى يبسطها في قلوب الأفراد والمجتمعات والدول وسائر
الكائنات، وقد وعد الله تعالى عباده المؤمنين
بالأمن إذا التزموا بما أرشدهم إليه من الهدى فقال: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم
أولئك لهمُ الأمنُ وهُم مهتدونَ) والأسرة في الحياة المعاصرة تعرضت لتغيرات كبيرة،
فتحول معظم الأسر في معظم بلدان العالم من أسر ممتدة وكبيرة تضم الأجداد والأولاد
والأحفاد، إلى أسر نووية لا تضم في الغالب سوى الزوجين وأولادهما، وتقلصت وظائف
الأسرة فتحول كثير منها من أسر منتجة إلى أسر مستهلكة، وكانت الأسرة تقوم بمعظم
عمليات التنشئة الاجتماعية لارتباط أعضائها بها وقضاء معظم أوقاتهم داخلها،
ومشاركة كل فرد فيها أعضاء الأسرة الآخرين في الأعمال المختلفة لتوفير متطلبات
الحياة، أما اليوم فقد شاركت الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية كثير من المؤسسات
مثل وسائل الإعلام، وخاصة التلفزيون الذي يقضي أمامه أفراد الأسرة وخاصة الأطفال
الصغار أوقات طويلة، والمدرسة ،وجماعة الرفاق، وأماكن الترفيه وقضاء أوقات الفراغ.
ولقد لعبت الأسرة الجزائرية أدوارا
مهمة وكبيرة طيلة العقود والقرون الماضية في الحفاظ على وحدة وقوة المجتمع الجزائري
رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها، وكان أهمها الحقبة الاستعمارية التي عملت بكل
ما أوتيت من قوة في سبيل تحطيم كل مبادئ ومقومات وأسس الأسرة الجزائرية ولكنها
انتصرت في النهاية وبقيت محافظة على دورها ومكانتها في حماية المجتمع الجزائري من
التفكك والانهيار، غير أن التحديات الراهنة "العولمة" تمثل تحديات أخرى
سلاحها هو الغزو الثقافي عبر وسائل الإعلام والاتصال الحديثة، وقد باتت بوادر التغير
في مكانة ودور الأسرة الجزائرية داخل المجتمع الجزائري واضحة في ظل هذا الانفتاح
الثقافي على عالم يختلف كليا في ثقافته وقيمه ومبادئه. فما مدى أهمية وفعالية
النظام الأسري في تحقيق وتجسيد الاستقرار الأمني بأبعاده المختلفة؟.
واذا كانت المجتمعات الإنسانية في ظل
المتغيرات الدولية الراهنة (النظام العالمي الجديد) تعاني اليوم من ظاهرة الإرهاب
والعنف والجريمة المنظمة والجرائم العابرة للحدود الوطنية، واذا كان أهل الحل
والعقد في دول العالم الغربي قد عجزوا عن التصدي لهذه الظاهرة والقضاء عليها، فمن
الحكمة ومن دواعي الإنصاف أن يلتفت هؤلاء قليلا إلى ما يتمتع به التشريع الإسلامي
من حلول جذرية لظواهر الانحراف، فالإنسان الذي تألف من عنصرين العنصر الترابي
والعنصر الروحي، الأول مصدره المادة الأرضية، الطين والصلصال والحمأ المسنون،
والثاني مصدره نفخة من روح الله تعالى، تعمل الشريعة الإسلامية على تحقيق النمو
المتوازن للجانبين معا والإشباع المتوازن لحاجات هذين العنصرين الأساسيين اللذين
يتكون منهما الإنسان وينشأ الانحراف عندما يفتقد هذا التوازن الدقيق المحكم، وهذا
التوازن لا يتحقق إلا من خلال المنهج الإسلامي عقيدة وشريعة وهو الأساس الذي
تستهدف التربية الإسلامية تحقيقه، فالإسراف في إشباع الجانب المادي بممارسة الهوى
والشهوات دون ضابط يؤدي إلى كل أشكال الانحراف كما أن الإسراف في الروحية
والرهبانية انحراف كذلك.
وهكذا عالج الإسلام الانحراف من جذوره
وتحسس منابته وتوصل إلى أصوله الأولى ،لعل هذا النهج العلمي السديد هو آخر ما وصلت
إليه العلوم التجريبية الحديثة والفلسفات المعاصرة وهو منهج تحليلي يبحث عن العلل
البعيدة والأسباب غير المباشرة للظواهر، وهذا يؤكد أن الإسلام ليس عقيدة دينية فقط
ولا نظاما أخلاقيا فحسب، بل هو دين ودولة بكل ما تتسع له كلمة دولة من معنى، وان
الإسلام نظام شامل وكامل بلا ريب، فهو يحكم الإنسان وتصرفاته في كل حالاته في خاصة
نفسه وفي علاقته بالله تعالى وفي صلته بأسرته وفي علاقاته الكثيرة المختلفة
بالمجتمع الذي يعيش فيه، وفي علاقات الدولة الإسلامية بالدول الأخرى في وقت السلم وأثناء
الحروب والنزاعات المسلحة فهو ينظم كل هذه الأحوال والعلاقات، وذلك ببيان الأصول
والمبادئ العامة التي تقوم عليها والقواعد والقوانين والنظم التي تحكمها على
اختلاف أنواعها.
ويلاحظ من يدقق النظر في المنهج
الإسلامي وأحكامه قدرته البالغة في توجيه النفس الإنسانية وترويضها، واحداث تغيير
في الأداء والحركات، وذلك لأنه يغذي الفرد بمقومات الإصلاح النفسي والتهذيب
الخلقي، والقدرة على تحمل الصعاب والثقة بالنفس، فيشعر الذي يتحلى قلبه بالإيمان
أن له تأثيرا عظيماً في نفس الإنسان، فهو يزيد من ثقته بنفسه ويزيد من قدرته على
الصبر وتحمل مشاق الحياة وظروفها وتقلباتها، ويبث الأمن والطمأنينة في النفس ويبعث
على راحة البال ويغمر الإنسان بالشعور بالسعادة. ومما يتمتع به التشريع الإسلامي
الخالد أنه اشتمل على قاعدة من أهم القواعد التي يستقر فوقها الأمن، وهي إقامة
الحدود التي تحول دون بغي الباغين وعدوان المعتدين واستخفاف المستخفين بالأنفس
والأعراض والمجتمعات، وهذه الحدود بمثابة حاجز يحجز الشر والفتنة ويطفئ لهيب القلق
والاضطراب ويهيئ للحياة جواً من الأمن والسلام والهدوء.
ويمكن القول في الأخير، بأن الأهمية
البالغة للأمن في المجتمع المسلم وكون توافره العامل المهم في سعي المجتمع إلى
النمو والتنمية والارتقاء في جميع المجالات، هي التي جعلت الإخلال بالأمن محاربة
لله ورسوله وكانت عقوبته من أشد الحدود صرامة وحسما في الشريعة الإسلامية، إذ أن
عقوبة هذا الإخلال الخطير تتراوح بين القتل والصلب وبين قطع الأطراف والنفي، وكلها
عقوبات جسيمة جعلها الشارع للزجر عن ارتكاب الجريمة وللردع عند ارتكابها، فهي
لشدتها تؤدي إلى الوقاية قبل ارتكابها
والى العقاب العادل عند وقوعها، وتشمل الصور التي يطبق عليها حد الحرابة،
الجرائم والجنايات الخطيرة التي تنتهك أمن الإنسان، كالقتل وأخذ المال كرها
وعدوانا وتخويف الجماعة عن طريق العصابات الإجرامية ونشر الفساد والانحلال بين أفراد
المجتمع، مما يجعل الأمن العام مهددا أو منقوصا.
المبحث الثاني: دور المجتمع المدني والأسرة في تجسيد مفهوم الشرطة المجتمعية
إن المتغيرات المعاصرة قد استدعت النظر
إلى المسألة الأمنية باعتبارها تعني كل أفراد المجتمع وخاصة الأسرة، ومن ثم أصبح
من اللازم اشتراك كل هيئاته الرسمية والمجتمعية في دعم مسيرة الأجهزة الأمنية، ومن
أجل بلوغ تلك الغايات والأهداف الأمنية لابد من غرس هذه القيم في عقول ونفوس النشء
والشباب من خلال المؤسسات الاجتماعية والتربوية والدينية والإعلامية، بدءا من
الأسرة والمؤسسات التعليمية والمسجد والإعلام والمجتمع المدني وغيرها من المؤسسات
والهيئات ذات الصلة بالتربية الوطنية؛ من أجل تكوين المواطن الصالح وتحصين أفراد
المجتمع لضمان التزامهم بنظم وقيم وضوابط المجتمع الدينية والأخلاقية والتربوية
والمجتمعية والقانونية، بل وتحفيزهم للمشاركة في تحقيق الأمن الشامل بمشاركة كل
الناس أفراداً وجماعات؛ تبعا للتوجيهات المجتمعية والإقليمية والدولية التي بدأت
تترسخ يوما بعد يوم والتي تؤكد على ضرورة الإسهام الجماهيري في المجال الأمني.
أولا: مفهوم الاستقرار الأمني وأبعاده
يشير مفهوم الأمن بصفة عامة إلى عدم
توقع مكروه في الزمن الآتي، إذ أن الأمن حالة شعورية ولا قيمة له إن لم يوجد
الإحساس به و يتولد الشعور بأن ثمة فارقا بينه وبين الخوف، وان لم يتحول ذلك كله
إلى إدراك حقيقي يتمخض عنه سلوك يؤكد أن ثمة ما يطمئن على السعي في الحياة والحركة
لأعمارها واصلاح المفاسد في مناحيها ومقاصدها و مناهج الاقتراب منها.
ولقد احتل مفهوم الأمن والآمان
المجتمعي مكانا برازا في الدراسات النفسية والتربوية والاجتماعية لارتباطه الوثيق
بالشعور بالصحة النفسية والسلامة من الاضطرابات فهو دليل على حالة السواء والرضا
عن الحياة والاستمتاع بها، وتكاد تجمع الدراسات النفسية في مجال الدوافع النفسية (Psychological Motivations) على أن دافع الأمن يقع في المرتبة
التالية للدوافع والحاجات الأساسية:
وهى دوافع حفظ الحياة؛ كالأكل والشرب
والتنفس وقد عبر عن ذلك "ماكدوجال" Mc Dogal ومن بعده "ماسلو" Maslow في تنظيمه الهرمي للدوافع حيث تأتى الدوافع
الأولية والحاجات الأساسية في قاعدة الهرم فإذا تم إشباعها تطلع الإنسان إلى تحقيق
الأمن والطمأنينة، أي يشعر الفرد بالراحة والانسجام مع من حوله متحرار من الخوف
والقلق والصراعات والآلام، فإذا فشل الفرد في تحقيق دافع الأمن لم ينتقل إلى
المستوى التالي من الدوافع حيث تقدير الذات ومن ثم تحقيقها وان غياب إشباع دافع
الأمن يشل حركة الفرد نحو التقدم وتحقيق الكمال الإنساني النسبي.
تعريف الاستقرار الأمني: الأمن لغة (بتسكين الميم وفتحها
وكسرها) مصدره أمِنَ يأمن فهو آمن، الأمان ضد الخوف، كما يعني الاستقرار والسلامة
والبعد عن المخاطر، فهو الطمأنينة والاطمئنان بعدم توقع مكروه في الزمن الحاضر
والآتي، وضده الخوف الذي يعني الفزع وفقدان الاطمئنان.
وقد تناول الكثير من العلماء مصطلح
الأمن بالتعريف والتحديد فعرفه الهيتي بأنه: "مجمل الإجراءات الأمنية التي
تتخذ لحفظ أسرار الدولة وتأمين أفرادها ومنشآتها ومصالحها الحيوية، ويعني
الطمأنينة والهدوء والقدرة على مواجهة الأحداث والطوارئ دون اضطراب، كما عرفه
الهويمل بأنه: "الاستعداد والأمان بحفظ الضرورات الخمس من أي عدوان عليها،
فكل ما دل على معنى الراحة والسكينة وتوفير السعادة والرقي في أي شأن من شؤون
الحياة فهو أمن".
بينما عرفه الخادمي بأنه: "هو
اطمئنان الإنسان على دينه ونفسه وعقله وأهله وسائر حقوقه وعدم خوفه في الوقت
الحالي أو في الزمن الآتي في داخل بلاده ومن خارجها ومن العدو وغيره ويكون ذلك على
وفق توجيه الإسلام وهدي الوحي ومراعاة الأخلاق والأعراف والمواثيق". وعرفه
محمد عمارة بقوله: "هو الطمأنينة المقابلة للخوف والفزع والروع في عالم الفرد
والجماعة، وفي الحواضر ومواطن العمران، وفي السبل والطرق، وفي العلاقات والمعاملات،
وفي الدنيا والآخرة جميعا ".
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
"أن الأمن عند فقهاء المسلمين ما به يطمئن الناس على دينهم وأنفسهم وأموالهم
وأعراضهم ويتجه تفكيرهم إلى ما يرفع شأن مجتمعهم وينهض بأمتهم".
وان التحديات المستجدة للأجهزة الأمنية
لمواكبة المتغيرات المحلية والدولية جعلها تعمل جاهدة على تطوير نفسها وتحديث
وسائلها لتظل على الدوام قادرة على القيام بدور فاعل للوصول إلى غاياتها المنشودة،
وهذا هو التحدي الكبير الذي عليها أن تتقبله وأن تعد نفسها لتحمل تبعاته بكل أمانة
واقتدار، فالمؤسسة الشرطية أمام زيادة المشكلات الأمنية وتعقدها عاماً بعد عام من
جراء التطور السكاني والانفتاح على العالم وزيادة قنوات الاتصال.
حيث تجد نفسها مضطرة لاتخاذ سلسلة من
الإجراءات الوقائية العلاجية للمشكلات الاجتماعية والأمنية، وأن تدعم جهود مختلف
المؤسسات الاجتماعية والتربوية والإعلامية والاقتصادية الحكومية والخاصة في نشر
الوعي الأمني والتعاون والتنسيق مع هذه الهيئات والمؤسسات لوضع إستراتيجية أمنية
شاملة يكون للشرطة الدور الرئيس في الإشراف والمتابعة والتقييم، ومن هذه المتطلبات
برز مفهوم الأمن الشامل ليضيف إلى أجهزة الأمن مسؤوليات أخرى وليعمق دورها في خدمة
المجتمع لتستوعب دورها التقليدي وتضيف إليه وتغنيه بعناصر ضرورية وأبعاد جديدة
تحقق مجتمعة مفهوم الأمن الشامل.
فالأمن هدف وغاية يحرص عليهما أبناء
المجتمع، لذا ينبغي وضع الخطط المدروسة التي تحقق الوعي الأمني ومن أهم المجالات
التي تحقق ذلك: العناية بالمؤسسات التعليمية على مختلف مستوياتها والتي تغرس الوعي
الأمني في مفردات مناهجها الدراسية.
لذلك يعد الوعي الأمني وقائيا يجنب
المجتمع ما يلحقه من تبعات اجتماعية واقتصادية ومعنوية للجريمة. وان تبني المبادئ التي تهتم بالتوعية والإرشاد
لأفراد المجتمع تعد من الأسس العامة لحماية المجتمع من الانحراف واشعارهم بخطورة
الجرائم والحوادث وانعكاساتها السيئة على المجتمع، وتوعيتهم بدورهم الهام في
التعاون مع الأجهزة الأمنية لمحاربة الجرائم والحوادث.
ثانيا: الأمن مسؤولية جماعية ورؤية مستقبلية
الأمن مسؤولية جماعية يشارك فيها كل
أفراد المجتمع ومؤسساته المختلفة في القطاعين العام والخاص، ولقد سعت المجتمعات في
مراحل تطورها على استتباب الأمن في ربوعها بكل الوسائل المتاحة لها في عصرها
متأثرة بالتفاعلات الاجتماعية المتبادلة بين مكونات المجتمع من مؤسسات وأفراد، وكل
عنصر من عناصر المجتمع مع ما حوله من المنظمات الأخرى، ومع تعدد متطلبات الحياة
الاجتماعية زاد تعقيد المجتمع وتعددت مؤسساته وزاد اعتمادها على بعضها البعض في
تحقيق برامج وخدمات الرعاية الاجتماعية من خلال كافة المهن والتخصصات العلمية،
والرعاية الاجتماعية " Social Welfare"
هي هذا الكل من الجهود والخدمات العلاجية والوقائية والإنشائية التي تتولاها
المؤسسات الحكومية والأهلية والدولية لمواجهة حاجات الأفراد الضرورية الحالية
والمستقبلية ليتحقق لأفراد المجتمع النمو والرخاء الإنساني والوصول بهم إلى حياة
أفضل.
وتضطلع إدارة الشرطة المجتمعية في الجزائر
وفق توجيهات وتعليمات قيادة الأمن الوطني بالعديد من المهام منها، تنمية وتعميم
مفاهيم الشرطة الجوارية أو المجتمعية لدى العاملين في جهاز الشرطة وأفراد المجتمع
المدني وتدعيم العمل الاجتماعي في جهاز الشرطة شكلاً ومضمونا، وتفعيل الدور
الوقائي من الجريمة واشراك المجتمع في هذه المسؤولية وكسر الحاجز النفسي لدى أفرد
المجتمع والقضاء على مسببات الخوف من رجل الشرطة، وتعميم أسلوب الإصلاح واعادة
التأهيل الاجتماعي والإدماج الاجتماعي في التعامل مع الحالات السلوكية المنحرفة
والجنائية ومتابعة وتوثيق الانتهاكات والتجاوزات في استخدام السلطة ضد الأشخاص من
قبل جهاز الشرطة والعمل على تقديم المشورة لحماية حقوق الإنسان.
ولقد أثرت التطورات الاجتماعية
والاقتصادية والسياسية والحضارية والثقافية ...الخ بشكل مباشر على أجهزة الدولة
المعاصرة، لذلك كان لازما على الأجهزة الأمنية أن تستجيب بصورة مباشرة ومتطورة
ومدروسة لهذه التأثيرات بما يدعم قوتها وتدريبها وتنظيمها وامكانياتها المادية من
جهة وعلى تطوير إجراءاتها الشرطية المختلفة من جهة أخرى.
وبصورة تأتي منسجمة مع المتغيرات
والتطورات المعاصرة مستفيدة من الايجابي والنافع منها وتصديها للسلبي والضار، بما
يدعم موقف المواطن الإيجابي من رجل الشرطة وتفعيل واحياء مشاركة أفراد المجتمع في
مكافحة الجريمة وبناء العلاقة الحسنة بين رجال الأمن في أجهزة الشرطة وأفراد
المجتمع.
وفي هذا الإطار اتسعت مهام وواجبات
الأجهزة الأمنية لتشمل المجالات الاجتماعية والإنسانية التي تسهم في تهيئة البيئة
الملائمة والآمنة والمستقرة لأفراد المجتمع وزيادة وتفعيل خدمات الرعاية للمواطنين
ومن ثم تحقيق مفهوم الأمن الشامل من منطلق أبعاده المختلفة.
وبناءً على ما سبق ذكره نجد أن الشرطة
هيئة ونظام يتكامل مع المؤسسات الاجتماعية الأخرى ،التربوية منها والإعلامية
والصحية والشؤون الاجتماعية، ويتجلى دورها أو بالأحرى الجانب الديناميكي لها إذا
أخذ في الاعتبار دورها الإيجابي في الحياة الاجتماعية والإسهام البناء في التخطيط
والترشيد وتطوير سياسة متوازنة للعدالة الجنائية، إذ أن الشرطة كما نعلم صمام آمن
لمسيرة الحياة بشتى جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وعليه فإن النظرة إلى الأمن قد انتقلت
من الاهتمام بأمن الدول بشكل منفرد إلى الاهتمام بأمن المجتمع الدولي ككل إلا أن
مفهوم الأمن أضحى بحاجة إلى رؤية جديدة، فكيف لمجتمع دولي أن يضمن أمنه إن لم يكن
مؤسسا بشكل يأخذ بالحسبان أدق المخاطر وأحدثها، انطلاقا من أمن الأفراد ومرورا
بأمن دولهم وانتهاء بالأمن الجماعي الدولي، ومن هنا جاء مفهوم الأمن الإنساني ليسد
ثغرة في مواجهة التهديدات التي فرضها واقع العلاقات الدولية وتشابك مصالح أطرافها.
ثالثا: دور الأسرة في تعزيز فكرة الأمن المجتمعي
مما لا شك فيه أن بناء علاقة وطيدة
تقوم على التفاهم والتعاون بين أفراد المجتمع والأجهزة الأمنية، يعد مطلبا على
جانب كبير من الأهمية لتحقيق أهداف الأمن التي يتمناها أفراد المجتمع الساعين إلى
التقدم والتي لن تتحقق بصورة مثلى دون أن يسهم أفراد المجتمع في معاونة رجال
الشرطة في إنجازها بصورة أو بأخرى، فليس من المبالغة في شيء الإقرار بأن أي جهاز
أمني - مهما بلغت إمكاناته البشرية والمادية – أن ينهض بأعباء الرسالة الملقاة على
عاتقه بالشكل الأمثل والأعلى دون أن تكون هناك علاقة مميزة تربطه بالجمهور الذي
يقوم على خدمته.
ويستطيع رجل الأمن أن يدرك بسهولة أن
العلاقة القائمة حاليا بين الأجهزة الأمنية وأفراد المجتمع أفضل بكثير مما كانت
عليه قبل نصف قرن، ومع ذلك فإنها ليست كما ينبغي، فكثيرا ما يلاحظ بأن بعض
المواطنين ما زالوا يحجمون عن التعاون مع هذه الأجهزة ،كما أن بعض رجال الأمن ما زالوا
يقترفون من الأخطاء أثناء العمل اليومي، الشيء الكثير الذي يؤثر سلباً على صورة
رجل الأمن في أذهان المواطنين.
وان دور المؤسسات التعليمية والأسرة في
التعاون والتنسيق مع أجهزة الشرطة لمكافحة الجريمة لنشر مفهوم الشرطة المجتمعية تنبثق
أساساً من توجيهات الدين الإسلامي فِقد حث الدين الإسِلامي عِلى الأمر بالِمعروف
والنهي عن اِلمنكر فِي قولهِ تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى
الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ
وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 104. وِقال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ
آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ
وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) ولذا فإن المحافظة على الأمن ومكافحة الجريمة
ليست من مسئولية رجال الشرطة فقط بل أن مسئولية الفرد تجاه أمن المجتمع يعتبر واجب
ديني حثت عليه الشريعة الإسلامية.
ومن الممكن للمؤسسات التعليمية والأسر
التعاون مع الشرطة لنشر مفهوم الشرطة المجتمعية عن طريق الآتي:
1 ـ تربية الأبناء واعدادهم لبناء
علاقة وطيدة تقوم على التفاهم والتعاون بينهم وبين أجهزة الشرطة الآن هذه العلاقة
تعتبر مطلباً على جانب كبير من الأهمية لتحقيق أهداف الأمن.
2 ـ تربية الأبناء على إطاعة القوانين
والأنظمة فالفرد الملتزم بالقوانين والأنظمة والتعليمات الصادرة بموجبها والامتثال
لتوجيهاتها يحقق هدف الأجهزة الأمنية باعتبار أنه شخصياً لا يقوم بالأعمال المخلة
بالنظام الأمر الذي يؤدي إلى الحد من انتشار الجريمة.
3 ـ اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع وقوع
الجريمة وهذا الأمر يتطلب تربية الأبناء على الحرص على الوقاية من الجريمة وعلى
اتخاذ الإجراءات المناسبة لدرء خطر الجريمة عن أنفسهم وعن أموالهم وأسرهم
والابتعاد عن المجرمين، وتربيتهم على الأخلاق الحميدة والسلوك القويم ومراعاة حق
الجار وعدم الاعتداء على الآخرين.
4 ـ التبليغ عن المجرمين: يتطلب نشر
مفهوم الشرطة المجتمعية تعاون المواطنين مع رجال الشرطة للتبليغ الفوري عن
المجرمين، وهذا الأمر يتطلب تربية الأبناء على أهمية التبليغ عن الجرائم وتقديم
البلاغات والشكاوي وذلك من منطلق أن هذا الأمر يساعد على كشف الجرائم ويسهل معاقبة
مرتكبيها، علما بأن تبليغ المواطنين عن الجرائم في الوقت الملائم يساعد رجال
الشرطة في تحقيق أهدافهم في حماية الأرواح والأموال والأعراض.
5ـ التقدم بالإدلاء بالشهادة: وهذا
الأمر يتطلب تربية الأبناء على الشجاعة في التقدم بالإدلاء بالشهادة إذا طلب منهم
ذلك لأن ذلك يساعد رجال الأمن على ضبط الجريمة والتوصل إلى معرفة مرتكبيها ذلك ان
كتمان الشهادة أو الأحجام عن أدائها بعامل المجاملة أو الخوف يؤدي إلى ضياع كثير
من الجرائم.
6 ـ المساعدة في القبض على الجناة:
ينبغي على الأسرة والمؤسسات التعليمية تربية الأبناء على الشجاعة في مساعدة رجال
الشرطة في القبض على الجناة لترسيخ مقولة كل مواطن خفير ، ويتم ذلك من خلال توعية
الأبناء وتشجيعهم على التعاون مع رجال الشرطة في ملاحقة الجرمين وأخذ أوصافهم
وأرقام سياراتهم التي يستخدمونها.
وهنالك أدوار أخرى من الممكن للمدارس
والجامعات القيام بها لنشر مفهوم الشرطة المجتمعية وذلك من منطلق العلاقة بين
التعليم والأمن ومن هذه الأدوار ما يلي:
ـ تضمين المناهج الدراسية القيم
الأخلاقية والاجتماعية بما يؤثر على تصرفاتهم وتحميهم من الانحراف وتحثهم على
القيام بالتعاون مع رجال الشرطة في القبض على الجناة.
ـ الاهتمام بالتثقيف الأمني في مراحل
التعليم العام المختلفة وغرس مفهوم التعاون مع رجال الشرطة في الكشف والإبلاغ عن
المجرمين.
ـ التوسع في مشاركة الطلاب في الأنشطة
الأمنية، وفي أسابيع التوعية الأمنية وأسابيع المرور وتشجيع الطلاب للتعاون مع
رجال الشرطة في توعية المواطنين بأهمية المحافظة على أمن الفرد والمجتمع.
ـ تفعيل دور المشرف الاجتماعي والمرشد
الطلابي بما في توجيه النصح والإرشاد للطلاب بمخاطر الجريمة وبأهمية التعاون مع
رجال الشطة لنشر مفهوم الشرطة المجتمعية.
ـ تفعيل دور المعلم والأستاذ في توعية
الطلاب واعدادهم تربوياً للمشاركة والتعاون مع رجال الأمن في الوقاية والحد من
انتشار الجريمة.
ـ تضمين المناهج الدراسية مفاهيم الأمن
والاستقرار على أن تهدف المناهج الدراسية إلى غرس روح المسؤولية الفردية والجماعية
واحترام الآخرين.
ـ ينبغي تطوير مقررات التعليم العالي
والأكاديمي لتشمل مفهوم الدولة وأمنها، ومفهوم الشرطة المجتمعية وأهميتها وكيفية
تفعيلها ودور المواطن في نشر هذا المفهوم إضافة إلى موضوعات متخصصة في المجال
الأمني والمواطنة.
ـ تضمين المناهج الدراسية معلومات عن
الجرائم وكيفية مكافحتها، ومخاطر الإرهاب والجريمة المنظمة وجرائم اختطاف الأشخاص
على الفرد والمجتمع.
وينبغي على المؤسسات التعليمية
المبادرة في نشر مفهوم الشرطة المجتمعية وذلك بالقيام بزيارات ودية لأجهزة الشرطة
للتعرف على مهامهم وابداء الاستعداد للتعاون معهم بتقديم خدمات إدارية ومدنية
واجتماعية للحد من انتشار الجريمة.
تعتبر الأسرة من أهم المؤسسات التربوية
والاجتماعية على الإطلاق وذلك من حيث ما تقوم به من أدوار في التنشئة الاجتماعية
والإعداد للحياة، لذا فإنه بالإمكان للأسرة القيام بنشر مفهوم الشرطة المجتمعية من
خلال توعية الأبناء أمنياً وتربيتهم على التعاون مع رجال الشرطة في الحد من انتشار
الجريمة.
ويستطيع الوالدان المتسلحان بالمعلومات
والمعارف العصرية أن يوضحاً لأبنائهم مخاطر الانجراف في مشكلات المخدرات والإرهاب
والجرائم المختلفة وذلك بالنصح والإرشاد والتربية السليمة لان تربية الأبناء على
الوقاية من الوقوع في الجريمة يساعد في الحد من انتشار الجريمة وهذا يعتبر من
أهمية العوامل التي تؤدي إلى التعاون مع رجال الشرطة في مكافحة الجريمة.
ويعبر الاستقرار الأسري من أهم العوامل
المساعدة في تربية الأبناء وحمايتهم من الانحراف، وهذا الأمر يتطلب أن يتحلى
الوالدين بالأخلاق الفاضلة والابتعاد عن المشاكل الأسرية التي تؤدي إلى تصدع
الأسرة وتشرد الأبناء فلقد أثبتت الدراسات ان المشكلات الأسرية تؤدي إلى حالات من
القلق والاضطراب لدى الأبناء أو الأمر الذي ينتج عنه الانحراف ومن ثم الوقوع براثن
الجريمة ، لذا فان الاستقرار الأسري يعتبر من العوامل المساعدة في الحد من انتشار
الجريمة.
وتتمثل الأهداف والمبادئ العامة
للتربية الأمنية في الآتي:
- تربية المواطن وتنشئته تنشئة إسلامية
قويمة، وفق المقومات والقيم التي تتضمنها العقيدة الإسلامية.
- تعزيز الانتماء الوطني والهوية
الوطنية.
- تعزيز الوعي الأمني في أوساط الطلاب
فيما يتصل بأدوارهم في المحافظة على الأمن.
- ترسيخ مبدأ المسؤولية المجتمعية.
- تعميق مفهوم الأمن الشامل من خلال
تأصيل الانتماء والولاء والمسؤولية.
- تعزيز الوعي الشرعي الصحيح بين أفراد
المجتمع التربوي- وخصوصاً الطلاب- فيما يتعلق بقضايا الغلو والتكفير والتطرف
والإرهاب.
- حماية الأحداث والشباب من الوقوع في
الجريمة.
- غرس المهارات والقيم الإيجابية
للتفاعل مع معطيات العصر.
- إكساب الفرد مهارات التفكير الموضوعي
والتفكير الناقد للتمييز بين الأفكار الصحيحة والأفكار السقيمة.
- التوعية بأخطار تعاطي المخدرات
وأثارها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية على الفرد والمجتمع.
المبحث الثالث: مؤكدات الأمن الأسري
إن الأسرة ظاهرة اجتماعية عالمية
المكان والزمان، فلم يخل منها مجتمع، ولم تخل منها فترة من فترات التاريخ، ويعتبر
أبا البشر آدم عليه السلام وأمهم حواء النواة الأولى للأسرة والعائلة والعلاقات
القرابية، ولقد امتن الله سبحانه وتعالى على البشر أن خلق لهم من أنفسهم أزواجاً
ليجدوا في قربها السكينة والاستقرار والطمأنينة والأمن الأسري فقال سبحانه وتعالى:
"هو
الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكن إليها" وجعل خلق الزوج، وهي
كلمة تطلق على الذكر والأنثى، من الآيات الدالة على عظمته وقدرته سبحانه: "ومن آياتِه أن خلقَ لكم من أنفسِكم
أزواجاً لتسكنوا إليها وجعَلَ بينكم مودةً ورحمةً إنَّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"، وللأسرة تعريفات كثيرة،
منها أنها زوج وزوجته وأولادهما ،وبعض العلماء لا يشترط لوجود الأسرة وجود
الأولاد.
ومن أكبر النعم بعد الإسلام -نعمة
الأمن والاطمئنان، وهما مرتبطتان بصلاح الإنسان ورقي المجتمع وعدالة الدولة، وكلٌ
يسهم بجزء في تحقيق هذا الأمن وتنميته، أو تخريبه وتدميره، والأمن الأسري
والاجتماعي في الإسلام فريضة شرعية وضرورة حياتية، لا يستغنى عنها إنسان ولا حيوان
ولا طير ولا جماد، فهو نعمة من الله تعالى يبسطها في قلوب الأفراد والمجتمعات
والدول وسائر الكائنات، وقد وعد الله تعالى عباده المؤمنين – بالأمن إذا التزموا
بما أرشدهم إليه من الهدى فقال: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم
أولئك لهمُ الأمنُ وهُم مهتدونَ".
والأسرة في الحياة المعاصرة تعرضت
لتغيرات كبيرة، فتحول معظم الأسر في معظم بلدان العالم من أسر ممتدة وكبيرة تضم
الأجداد والأولاد والأحفاد، إلى أسر نووية لا تضم في الغالب سوى الزوجين
وأولادهما، وتقلصت وظائف الأسرة فتحول كثير منها من أسر منتجة إلى أسر مستهلكة،
وكانت الأسرة تقوم بمعظم عمليات التنشئة الاجتماعية لارتباط أعضائها بها وقضاء
معظم أوقاتهم داخلها، ومشاركة كل فرد فيها أعضاء الأسرة الآخر ينفي الأعمال
المختلفة لتوفير متطلبات الحياة، أما اليوم فقد شاركت الأسرة في عملية التنشئة
الاجتماعية كثير من المؤسسات مثل وسائل الإعلام، وخاصة التلفزيون الذي يقضي أمامه
أفراد الأسرة وخاصة الأطفال الصغار أوقاتاً طويلة، والمدرسة، وجماعة الرفاق،
وأماكن الترفيه وقضاء أوقات الفراغ.
وسوف تشهد الشعوب الإسلامية تحولات
حضارية وفكرية واجتماعية هائلة في ظل هذه العولمة المكتسحة، ولا يمكن أن يبتعد
المسلمون عن تأثيرها، ولذلك فلا بد من فهم ظاهرة العولمة فهماً جيداً حتى يمكن
للمسلمين مقاومتها والتقليل من آثارها. ولقد ظهر مصطلح العولمة ( Globalization) في بداية التسعينات وقد
ساعد سقوط المعسكر الشرقي، وانتصار أمريكا في حرب الخليج الثانية في عام 1991 على
تحقيق نوع من السيادة الأمريكية "سيادة عالمية"، فاستغلت أمريكا تقدمها
التقني والاقتصادي وقوتها العسكرية في تقوية هذه السيادة وفي السيطرة على العالم
سيطرة من جانب واحد.
إن العولمة مرحلة من مراحل التطور الرأسمالي
الغربي، فقد صارت الرأسمالية أكثر عنفاً وضراوة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
وتعني العولمة، من ضمن ما تعني، الغزو الثقافي وتدمير الهوية الوطنية واحتقار
الثقافات الأخرى غير الغربية التي يرى الغرب أنها تتناقض مع التقدم، ومع العلم
لهذا يصف الغرب زورا وبهتاناً الإسلام بالإرهاب والرجعية ومصادرة حقوق الإنسان، إن
العولمة ليست ظاهرة جديدة بل هي قديمة قدم التاريخ، فقد جرت العادة أنه عندما
تتصدر حضارة باقي الحضارات الأخرى فإنها تسعى إلى قيادة العالم.
وهدف العولمة الثقافي هو تفريغ
المجتمعات من رصيدها وتراثها الفكري حتى تصبح هذه المجتمعات بلا جذور فيسهل
اقتلاعها، وحتى المصطلحات والمبادئ الأساسية المتفق عليها اجتماعياً حورتها
العولمة، من هذه المصطلحات: الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية والسلام وحقوق
الإنسان إذ أصبح لها تفسير غربي، وأصبح يراد من الحرية المعنى الذي يفهمه الغرب،
وأصبح الغرب يقصد من العدالة والديمقراطية حقوق الإنسان الغربي ومصالحه، وتختلف
حقوق الإنسان حسب رؤية الغرب، أما السلام فهو السلام الذي يخدم السياسة الغربية
واقتصاد الغرب واستراتيجيته وليس المقصود منه سلام الشعوب والأمم.
كما تبدلت كلمات أصيلة في المصطلح
الإسلامي وحلت محلها مفاهيم أخرى، فاستعملت كلمة الديمقراطية مكان الشورى والعدالة،
وحلت حقوق الإنسان التي صممها الغرب محل حقوق البشر الشرعية، وتم عولمة مفاهيم
الأسرة، وشئون المرأة، والطفولة وظهرت العولمة من خلال إقامة مؤتمرات يبرمج الغرب
توصياتها ونتائجها، وكان آخر تلك المؤتمرات مؤتمري (بكين والقاهرة) اللذين تم
التركيز فيهما على المرأة وعلى التنمية السكانية في صورة تعد تدخلاً سافرا في
علاقات الأسرة حسب المنهج الإسلامي. وكان من أبرز توصيات تلك المؤتمرات:
1- إقرار الحرية الجنسية، واباحة
العلاقات الجنسية خارج حدود الزواج.
2- فرض مفهوم المساواة الشكلي بين المرأة
والرجل في الحقوق والواجبات.
3- الاتجاه إلى إعادة النظر في قوانين
الأسرة في العالم الإسلامي مثلما حدث في مصر وبعض الدول العربية.
وهذه التوصيات والنتائج أغضبت دولاً
إسلامية كثيرة ودولاً شرقية تختلف في نظرتها إلى المرأة، والمجتمع ،والجنس من
الموضوعات التي عرضت في تلك المؤتمرات التي كانت تهدف إلى إحداث انقلاب كبير عن
طريق تحريض المرأة وتثويرها، وتحديد نسلها حتى تسهل قيادتها من قبل المرأة
الغربية، ولفداحة الخطب فإن تلك الحملات المسمومة تجد مؤيدين مسلمين تأثروا
بالثقافة الغربية وتلقوا برامج تعليمية في الداخل والخارج هي عبارة عن أساليب
ومناهج غربية.
وان الحديث تحت عنوان الموضوع المحدد
لي جعلني أنطلق من أن الذي اختار الموضوع يشعر بوجود ظاهرة اجتماعية متمثلة في
وجود مهددات ومشكلات للأمن الأسري في المجتمعات المسلمة ويراد البحث عن كيفية قيام
المؤسسات الجامعية والأكاديمية والتربوية والإعلامية والإسلامية لإستنباط الحلول
القائم على التوجهات والمنطلقات الشرعية المستمدة من كتاب الله تعالى والسنة
النبوية المطهرة والوصول بهم إلى المواطنة الصالحة والى الآمن الدنيوي والآخروي.
ويشير مفهوم الأمن بصفة عامة إلى عدم
توقع مكروه في الزمن الآتي، إذ أن الأمن حالة شعورية، ولا قيمة له إن لم يوجد
الإحساس به و يتولد الشعور بأن ثمة فارقاً بينه وبين الخوف، وان لم يتحول ذلك كله
إلى إدراك حقيقي يتمخض عنه سلوك يؤكد أن ثمة ما يطمئن على السعي في الحياة والحركة
لأعمارها واصلاح المفاسد في مناحيها ومقاصدها ومناهج الاقتراب منها.
ولقد احتل مفهوم الأمن والأمان الأسري
مكانا بارز فى الدراسات النفسية والتربوية والاجتماعية لارتباطه الوثيق بالشعور
بالصحة النفسية والسلامة من الاضطرابات فهو دليل على حالة السواء والرضا عن الحياة
والاستمتاع بها، وتكاد تجمع الدراسات النفسية فى مجال الدوافع النفسية (Psychological Motivations ) على أن دافع الأمن يقع
فى المرتبة التالية للدوافع والحاجات الأساسية:
وهى دوافع حفظ الحياة؛ كالأكل والشرب
والتنفس، وقد عبر عن ذلك "ماكدوجال" Mc Dogal ومن بعده "ماسلو" Maslow في تنظيمه الهرمي للدوافع حيث تأتى الدوافع
الأولية والحاجات الأساسية في قاعدة الهرم فإذا تم إشباعها تطلع الإنسان إلى تحقيق
الأمن والطمأنينة: أي يشعر الفرد بالراحة والانسجام مع من حوله متحررا من الخوف،
والقلق والصراعات والآلام، فإذا فشل الفرد في تحقيق دافع الأمن لم ينتقل إلى المستوى
التالي من الدوافع حيث تقدير الذات ومن ثم تحقيقها، وان غياب إشباع دافع الأمن يشل
حركة الفرد نحو التقدم وتحقيق الكمال الإنساني النسبي.
مفهوم الأمن الأسري: الأمن لغة: (بتسكين الميم وفتحها
وكسرها) مصدره أمِنَ يأمن فهو آمن، والأمان ضد الخوف، كما يعني الاستقرار والسلامة
والبعد عن المخاطر، فهو الطمأنينة والاطمئنان بعدم توقع مكروه في الزمن الحاضر
والآتي، وضده الخوف الذي يعني الفزع وفقدان الاطمئنان.
وقد تناول الكثير من العلماء مصطلح
الأمن بالتعريف والتحديد، فعرفه الهيتي بأنه: "مجمل الإجراءات الأمنية التي
تتخذ لحفظ أسرار الدولة وتأمين أفرادها ومنشآتها ومصالحها الحيوية، ويعني
الطمأنينة والهدوء، والقدرة على مواجهة الأحداث والطوارئ دون اضطراب". كما عرفه الهويمل بأنه: "الاستعداد
والأمان بحفظ الضرورات الخمس من أي عدوان عليها فكل ما دل على معنى الراحة
والسكينة وتوفير السعادة والرقي في أي شأن من شؤون الحياة فهو أمن".
بينما عرفه الخادمي بأنه: "هو
اطمئنان الإنسان على دينه ونفسه وعقله وأهله وسائر حقوقه، وعدم خوفه في الوقت
الحالي أو في الزمن الآتي في داخل بلاده ومن خارجها ومن العدو وغيره، ويكون ذلك
على وفق توجيه الإسلام وهدي الوحي، ومراعاة الأخلاق والأعراف والمواثيق".
وعرفه محمد عمارة بقوله: "هو
الطمأنينة المقابلة للخوف والفزع والروع في عالم الفرد والجماعة، وفي الحواضر
ومواطن العمران، وفي السبل والطرق، وفي العلاقات والمعاملات وفي الدنيا والآخرة
جميعاً ".
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية أن
الأمن عند فقهاء المسلمين ما به يطمئن الناس على دينهم وأنفسهم وأموالهم وأعراضهم،
ويتجه تفكيرهم إلى ما يرفع شأن مجتمعهم وينهض بأمتهم. ويمكن إجمال مؤكدات الأمن
الأسري في النقاط التالية:
المطلب الأول: تربية النشء وتكوينه ليخلف في الأرض
تقع مسؤولية تربية الأبناء على
الوالدين في المرتبة الأولى، وهذه التربية تبدأ منذ الصغر والتربية شاملة تشمل دين
الإنسان ودنياه، يقول الله عزّ وجل "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي أرحمهما كما ربياني صغيرا" يقول السعدي – رحمه الله
– في تفسير هذه الآية: " أي ادع لهما بالرحمة أحياءً وأمواتاً جزاء على
تربيتهما إياك صغيرا، وفهم من هذا أنه كلما ازدادت التربية ازداد الحق، وكذلك من
تولى تربية الإنسان في دينه ودنياه تربية صالحة غير الأبوين فإن له على من رباه حق
التربية.
ونفهم من ذلك أن تربية الأولاد وان
كانوا صغارا لا تعني توفير الطعام والشراب والكساء، والعلاج وغير ذلك من أمور
الدنيا، بل تشمل كذلك ما يصلح دين الإنسان فيسعد في الدنيا والآخرة، وأهم ما يبدأ
به المربي في تربية الصغير هو: التربية العقدية فإذا صلحت العقيدة صلح ما سواها من
أمور، ومن أساسيات العقيدة التي يجب على الأبوين تربية أولادهم عليها حـب الله -
سبحانه وتعالى - و حـب نبيه محـمد – صلى الله عليه وسلم –وامتثال أمرهما واجتناب
نهيهما عنه، وكذلك حب الآخرين وحفظ أموالهم، وأرواحهم وأعراضهم والأحاديث الواردة
في هذه المعاني كثيرة ففي الحديث: عن ابن عمر – رضى الله عنهما– قال: "قال
النبي – صلى الله عليه وسلم – بمنى: أتدرون أي يوم هذا؟ قالوا الله ورسوله أعلم،
قال فإن هذا يوم حرام، أتدرون أي بلد هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال : بلد حرام،
أتدرون أي شهر هذا؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: شهر حرام، قال: فإن الله حرم
عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم
هذا".
ففي هذا الحديث توجيه نبوي كريم يوجب
على الآباء والأمهات تربية أولادهم منذ الصغر على مضمونه وعدم التساهل والتهاون
بما جاء فيه، والتطبيق التربوي لذلك هو زجر الصغير ونهيه إذا خالف أي من المحرمات
الواردة في الحديث فلا يقبل الأبوين منه غيبة إنسان، ولا أخذ حق إنسان أي كان بغير
وجه واذا حصل منه ذلك يبادر الوالدان بالتنبيه بخطورة ما قام به، ويأمرانه أن يتوب
ويستغفر الله، وينهيانه عن فعله مرة أخرى، فإذا رُبيّ النشء على هذا الهدي النبوي
فإنه يعيش في آمان مع نفسه ومع الآخرين في المجتمع. ومن أبرز النقاط التي يجب على
الأسرة أن تقوم بها في هذا الجانب ما يلي:
ـ إبعادهم عن وسائل الغزو الفكري،
وتقديم البديل النافع لهم من الوسائل المسموعة أو المرئية، أو المكتوبة.
ـ إبعادهم عن رفاق السوء، وهذه النقطة
في غاية الأهمية فلا يمكن أن تكتمل تربية الأسرة إذا كان لأولادهم رفاق سوء يهدمون
ما بناه الوالدان فمعظم الجرائم، وتعاطي المخدرات، والانحراف الفكري يقف خلفه رفاق
السوء، ولا يخفى على الجميع شدة تأثير الصاحب؛ لذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم
- من جليس السوء فعن أبي موسى الأشعري رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك
إما أن يهذيك واما أن تبتاع منه، واما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن
يحرق ثيابك واما أن تجد منه ريحا خبيثة).
ففي هذا المثل شبّه النبي صلى الله
عليه وسلم جليس السوء بنافخ الكير الذي لابد وأن يأتيك من مجالسته ضرر وأذى مما
حولت السلامة منه، فلتحذّر الأسرة أولادها من نافخ الكير وتشدد عليهم في ذلك.
وفي الحقيقة أن الأسر تواجه تحدى كبير
أمام النقطتين السابقتين: حفظ الأولاد من وسائل الغزو الفكري وحفظهم من رفاق
السوء، ويرى الباحث أنه مهما كان التحدي كبير لابد أن تقوم الأسرة بدورها وتحافظ
على أولادها وتجاهد من أجل ذلك بعزم واصرار؛ حتى لا تخسر أولادها فبدلاً من أن
يكونوا مواطنين صالحين لأنفسهم ووطنهم، يكونوا معاول هدم وتدمير لأنفسهم ووطنهم،
ومن الأدوار الوقائية لحفظ أمن الأسرة والمجتمع تربية الأولاد على أهمية المحافظة
على أوقاتهم وصرفها فيما يعود عليهم بالنفع في الدنيا والآخرة، وكذلك شغل أوقاتهم
وتوجيه طاقاتهم عن طريق البرامج العلمية النافعة والدورات التدريبية المفيدة،
وممارسة الرياضة البدنية فكل هذه وسائل بديلة للأسرة بدلاً لما يمكن أن يتعرض له
الأولاد من وسائل الغزو والانحراف.
المطلب الثاني: التنشئة الاجتماعية الصحيحة
تعرف التنشئة في علم الاجتماع بأنها
تلك العملية التي يتم بواسطتها نقل ثقافة المجتمع من الجيل السابق إلى الجيل
اللاحق، والثقافة هي كل ما يكتسبه الفرد باعتباره عضوًا في المجتمع، وتشمل فيما
تشمل اللغة والعادات والتقاليد والأعراف والقيم بأنواعها المختلفة ،والتنشئة الاجتماعية
تعتبر من أبرز وأهم وظائف الأسرة حيث تقوم بإعداد أفرادها ليكونوا أعضاء صالحين
ومتوافقين وفاعلين في المجتمع، ولا يتم ذلك إلا بتعلم أهم وأبرز معالم ثقافة
المجتمع الذي يعيشون فيه، والتنشئة السليمة هي التي تزرع في الناشئة القيم الرفيعة
مثل التضحية والإيثار، والصبر والاحتمال، والصدق والأمانة، وعملية التنشئة يحويها مضمون
حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو
ينصرانه أو يمجسانه)، فالأسرة لها أبلغ الأثر في تحديد مسار الفرد وبناء شخصيته
ونقل قيم وتراث المجتمع إليه.
ولقد جاء التوجيه النبوي الكريم للرجل
عند استقباله لامرأته أول مرة أن يأخذ بناصيتها، ويقول: (اللهم إني أسالك من خيرها
وخير ما جبلت عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه) ويذكر اسم الله ويقول: (اللهم
جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا وأن يقدر بينهم ولد لم يضره الشيطان) ويأخذ
الجنين في الانتقال بين الأطوار (نطفه، فعلقه ،فمضغه) ويتعين الرفق بالحامل
والعناية بغذائها والمحافظة على صحتها، ولها الفطر في رمضان إذا كان الصوم يضر بها
أو بجنينها، كما لها الفطر في رمضان إذا كان الصوم ينقص لبانها.
وجاء توجيه المصطفى عليه الصلاة
والسلام بتحصين الولد عند خروجه إلى الدنيا بقول: لا اله إلا الله مع العناية
بنظافته وصحته واختيار أحسن الأسماء والآذان في إذنه اليمنى والإقامة في اليسرى،
مع فداءه بعقيقه تذبح يوم سابعة، وتتولى العناية بالولد ابناً كان أو بنتاً في
جميع أحواله حتى إذا صار صبياً تضاعف الاهتمام به وتعليمه وتعويده على التمسك
بالقيم والأخلاق الفاضلة.
وقد تنزل القران الكريم بتوجيه الآباء
والأمهات للاعتناء بأبنائهم وبناتهم، وبناء أخلاقهم على ما يصلح به دينهم، وتستقيم
به أحوالهم، قال تعالى: (يا أيها الذين امنوا قو أنفسكم وأهليكم
نارا وقودها الناس والحجارة)، قال الخليفة الراشد علي رضي الله عنه
(قوا أنفسكم وأهليكم) أي علموهم وأدبوهم، وقال ابن عباس: قوا أنفسكم وأمروا أهليكم
بالذكر والدعاء حتى يقيهم الله بكم. هذا أمر ينبغي إن يدركه الدعاة إلى الإسلام
وأن أول الجهد ينبغي إن يوجه إلى البيت إلى الزوجة إلى الأم ثم إلى الأولاد والى
الأهل بعامة، ويجب الاهتمام البالغ بتكوين المسلمة لتنشئ البيت المسلم وينبغي لمن
يريد بناء بيت مسلم إن يبحث له أولا عن الزوجة المسلمة. قال ابن الجوزي-رحمه
الله-: فوقاية النفس تكون بامتثال الأوامر واجتاب النواهي ووقاية الأهل بأن يؤمروا
بالطاعة وينهوا عن المعصية.
وقال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور –
رحمه الله -: في الآية تنبيه للمؤمنين لعدم الغفلة عن موعظة أنفسهم وموعظة أهليهم
وأن لا يصدهم استبقاء الود بينهم عن إسداء النصح لهم وان كان في ذلك بعض الأذى،
وعبر عن الموعظة والتحذير بالوقاية من النار على سبيل المجاز لأن الموعظة سبب في
تجنب ما يفضي إلى عذاب النار أو على سبيل الاستعارة بتشبيه الموعظة بالوقاية من
النار على وجه المبالغة في الموعظة ،قال تعالى: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك
رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى) جاء في ظلال القرآن: أول واجبات الرجل
المسلم إن يحول بيته إلى بيت مسلم، وان يوجه أهله إلى أداء الفريضة التي تصلهم معه
بالله، فتوحد اتجاههم العلوي في الحياة، وما أروع الحياة في ظلال بيت أهله كلهم
يتجهون إلى الله، واصطبر عليها على إقامتها كاملة وعلى تحقيق أثارها إن الصلاة
تنهى عن الفحشاء والمنكر وهذه هي آثارها الصحيحة.
وجاء في الظلال: على المؤمن أن يقي
نفسه وأن يقي أهله من هذه النار وعليه إن يحول بينها وبينهم قبل إن تضيع الفرصة
ولا ينفع الاعتذار، إن المؤمن مكلف هداية أهله واصلاح بيته، كما هو مكلف هداية
نفسه واصلاح قلبه، إن الإسلام دين أسرة
ومن ثم يقرر تبعة المؤمن في أسرته وواجبه في بيته والبيت المسلم هو نواة الجماعة
المسلمة وهو الخلية التي يتألف منها ومن الخلايا الأخرى ذلك الجسم إلي المجتمع
الإسلامي.
وتقوم الأسرة الجزائرية بمهمة التنشئة
الاجتماعية وهي عملية مستمرة تبدأ من الولادة وتستمر مدى الحياة، ينشأ الطفل الجزائري
على فعل الخير وحب الأخرين ومساعدة المحتاجين ويربى الذكور على الرجولة والسلطة
والمسؤولية والإناث على الحياء والحب والعطف وتبدل الأسرة جهدا لتنشئة الطفل تنشئة
اجتماعية سليمة تحترم قيم وعادات وثقافة مجتمعه وتحكم العلاقات الأسرية ضوابط
عديدة، فالصغير مطالب باحترم الكبير وطاعته وهو مطالب بالرفق بالصغير. تقوم
العلاقة بين الزوجين من جهة وبين الأولياء وأطفالهم من جهة ثانية على الاحترام
المتبادل والتكامل والتآزر وتقسيم الأدوار في التربية والتسيير الأسري.
المطلب الثالث: صلة الأرحام وحفظ حقوق المسنين في الكرامة والتوقير والرعاية الأسرية
الأرحام وهم أقارب الإنسان من جهة أبيه
أو أمه، كأعمامه وعماته وأخواله وخالاته وأبنائهم جميعا وقد أوجب الله تعالى
برَّهم وحبَّهم والتعاطف معهم، ودعا إلى صلتهم بالكلمة الطيبة والهدايا، وامدادهم
بأنواع الخير والمعروف، ومواساتهم في كُرُباتهم، كما حرَّم إيذاءهم ونهى عن
مجافاتهم ولو كانوا غير مسلمين، قال الله تعالى: (فهل عسيتم إن توليتم أَن تفسدُوا في
الأرض وتقطعُوا أَرحَامكُم أَولئك الذين لعنهم اللهُ فأصمهم وأعمى أبصارهُم) وعن
أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ قالت: قدمت أمي وهي مشركة، راغبة في عهد
النبي صلى الله عليه وسلم ـ أي: منتهزة صلح الحديبية واتصال الناس ببعضهم ـ فسألت
النبي: أصِلها؟. قال: "نعم".
وان صلة الأرحام تعود على فاعلها بالخير
العميم في المال والعمر والعافية، ففي الحديث الشريف: "من أحب أن يبسَط له في
رزقه وينسَأَ له في أثره فليصِل رحِمَه"، وفي المقابل نجد أن قطيعة الرحم شؤم
على صاحبها، فهي تبعده عن رحمة الله تعالى، وتحرمه من نعيم الدنيا والآخرة، ففي
الحديث الشريف: "لا يدخل الجنة قاطع رحم". واذا كانت صـلة الأرحام علـى
هذه الشـاكلة الحميدة والمنافـع العديدة، فهي تعتبر ـ بحق ـ سبباً من أسباب التآلف
والترابط الأسري والاجتماعي التي عني بها الإسلام وأولاها رعايته واهتمامه.
والأسرة هي النواة الأساسية للمجتمع،
ومن حق الكبير والمسن أن يستمتع بالحياة العائلية في أسرته بين أولاده، وقد أوصى
الله بالوالدين خيرا وأمر ببرهما، وجعل الإحسان إليهما قرين عبادته، قال تعالى: (وقضى
ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً) كما جعل شكره قرينا لشكر الوالدين،
قال عز وجل: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن
اشكر لي ولوالديك إلى المصير)، وفي ذلك دلالة على أن حقهما من أعظم الحقوق على
الولد وأكبرها وأشدها، فإذا لم يتوافر للمسن مصدر دخل يكفيه، فإن الإسلام يوجب على
أبنائه القادرين نفقة واجبة لتأمين حاجاته الأساسية من الطعام والشراب والعلاج
والدواء والإيواء والسكن واللباس الساتر الملائم، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي مالا وولد، وان
والدي يحتاج إلى مالي: قال صلى الله عليه وسلم: "أنت ومالك لوالدك إن أولادكم
من أطيب كسبكم فكلوا من كسب أولادكم".
فالمسن له منزلته ومكانته من عموم
الأحكام الشرعية، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم المكانة المتميزة للمسلم المسن
ذو الشيبة فقال: "من شاب شيبة في الإسلام كان له نورا يوم القيامة" وقال
صلى الله عليه وسلم: "إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم"
وقال "ما شاب رجل في الإسلام شيبة إلا رفعه الله بها درجة ومحيت عنه بها سيئة
وكتب له بها حسنة" وقال صلى الله عليه وسلم: "الخير مع أكابركم"
وقال:" خياركم أطوالكم أعمارا وأحسنكم أعمالاً" وقال صلى الله عليه
وسلم: " ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا" وقال صلى الله عليه
وسلم "يسلم الصغير على الكبير".
فمن مظاهر الاحترام والتوقير للمسن،
القيام من الصغير للكبير لدى دخوله ولاسيما إذا كان عالماً أو فقيهاً أو حافظاً
للقرآن، وعدم الكلام في المجلس إلا بإذنه، واجلاس الكبير في صدر المجلس ممن هم
أصغر منه، ومخاطبته بأدب وتلطف واحترام، وقد أفرد البخاري ثلاثة أبواب في
بيان" باب فضل الكبير" و "باب إجلال الكبير" و "باب يبدأ
الأكبر بالكلام والسلام"، وان للمسن
في الإسلام مكانة لا تدانيها مكانة فلا يجوز التأفف منه أو انتهاره، ولا يخاطب إلا
بالقول الكريم، ولا يعامل إلا بالتوقير والإحسان، واذا وقع على المسن إيذاء مادي
أو معنوي بالاستهزاء أو السخرية كان معصية يعزر ويؤدب فاعلها.
ولا يجوز للوالد أن يتخلى عن رعاية
والديه أو أحدهما بإيداعهما إلى دور الرعاية الاجتماعية، متعللاً في ذلك بعجز عن
رعايتهما لكبرهما أو لعدم استطاعة زوجه رعايتهما أو رفضها لذلك، أو لكون دخله لا
يكفي إلا لنفقة أولاده، أو لكون الدولة توفر لهما رعاية أفضل مما يستطيعه هو؛ لأن
ولاية الدولة ولاية عامة وولاية الولد ولاية خاصة، وهذه الولاية أوجب وألزم من
الولاية العامة.
ولقد اقتضت أصول الشريعة وقواعدها وجود
نوع من الترابط بين أفراد الأسرة يلم شعثها، ويشدها إلى بعضها ويشعرها بواجبها نحو
أفرادها؛ وذلك بإلزام الغني الإنفاق على المسن الفقير العاجز عن التكسب حماية لهذا
القريب المسكين من الضياع وذل المسألة، وانفاق الغني على الفقير من أقاربه واجب
محتم يتعين عليه القيام به، فيعطيه بقدر ما يكفيه؛ فإذا ضاق ماله عن جميع الأقارب
بدأ بالأقارب من ورثته وذوي أرحامه.
واذا ما لم يكن للمسن أسرة أو عجزت
أسرته عن احتضانه، فمن حقه على المجتمع أن يوفر له جو عائلي، كأن تتعهده أسرة من
الأسر، أو يهيأ له مرافق في منـزله، أو يعيش في دار للمسنين تتوافر فيها شروط
الحياة الكريمة، ومن حق المسن على من تربطهم صلة القربى أو الجوار أو الصحبة أن
يعودوه إذا مرض، ويزوره إذا لم يمرض، ويخففوا عنه مشاعر العزلة والوحدة، فالكلمة
الطيبة صدقة، وتبسم المرء في وجه أخيه صدقة، وبصره الرجل الردئ البصر صدقة، ورفعه
بشده ذراعيه مع الضعيف صدقه، واسماعه الأصم والأبكم حتى يفقه صدقه.
المطلب الرابع: حل الخلافات والمشكلات التي تعترض الأسرة بالتي هي أحسن
إن مما يزعزع كيان الأسرة وتماسكها
ويضر بسلامة بنائها هو ظهور الصراعات المختلفة بين الزوج والزوجة من جهة، والنزاعات
بين الأولاد من جهة أخرى، فمن الأساليب الحكيمة التي يجب أن يتمتع بها الأبوان في
الأسرة هو عدم إفشاء أسرارهما الزوجية بين الأولاد، ومحاولة الابتعاد بمشكلاتهم عن
سمعهم وبصرهم، وحلها بين بعضهما، والتناصح في شأنها سرا دون أن يعلم بها الأهل
والأقربون، فإن تعذر حلها فلا بأس أن يتدخل أحد من الأقارب ممن يتصف بالحكمة
والتجربة والصدق والأمانة للاطلاع على أسباب الخلاف، ثم مساعدتهما على حلها
ومناصحتهما باللين والمعروف، ليراجع كل من الزوجين نفسه إن كان مخطئاً فيؤوب إلى
الرشد والرجوع إلى الحق فإن في ذلك الخير العظيم ودوام الاستقرار والسعادة
بينهما. واضافة إلى ما ورد في القرآن
الكريم من هدى إلهي في معالجة عصيان الزوجة ونشوزها وترفعها وعدم طاعته: في قوله
تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن، فإن
أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيرا).
وبالنسبة لمشكلات الأولاد فإن من أهم
الوسائل لعلاجها هو إشاعة خلق الرفق والرحمة بينهم، واحلال النصيحة والموعظة
الحسنة من قبل الأبوين تجاه أولادهما والتذكير بمخافة الله عز وجل ثم عدم المفاضلة
بينهما والمقارنة السيئة، فإن هذا السلوك من قبل الأبوين يولد الشحناء والبغضاء
والحقد والكراهية بين الأولاد، فلا بد من إقرار العدل والمساواة بينهم في كافة
حقوقهم المادية منها والمعنوية، وتحقيق قول الرسول صلى الله عليه وسلم (اتقوا الله
واعدلوا بين أولادكم) ثم تطبيق أسلوب الثواب والعقاب بينهم.
والدور التوعوي هو، ثمرة من ثمرات
الحوار مع الأبناء، وهنا نصحية لمن أراد الخير لأولاده عليه أن يفتح معهم باب
الحوار ويناقش معهم جزئيات وتفاصيل موضوعات النقاش ،فينتج من هذا النقاش توعية
بأخطار لا يعيها الأولاد، أو تصحيح مفاهيم تكون خاطئة لديهم ،فمن وقع من الشباب في
مشاكل هو نتيجة لأهمال أسرته للدور التوعوي فابالتوعية الأسرية يتعلم الإنسان أين
يضع قدميه حتى لا تنزلق به إلى مهاوى الردى.
وعن أهمية الحوار في تربية الأولاد
يقول خلف الله : (للحوار قيمة حضارية وانسانية، وعلينا أن نعمل ونأخذ به في حياتنا
وممارساتنا التربوية والأسرية، ويجب أن تؤمن به كل أمة، ولابد أن يوصل الحوار إلى
كشف الحقيقة وخاصة إذا كانت غائبة، فهو الوسيلة المهمة في بناء شخصية الطفل كفرد
وكشخصية اجتماعية، فهو يبث فيهم روح الألفة والمحبة، ويعودهم على النظام والتعاون
...). فبهذه الشروط يستقيم أمر الأسرة ويصلح حلها، وتكون مؤهلة أن تخرج - بإذن
الله – للمجتمع أعضاء صالحين يسهمون في رقيه وتطويره، ويحافظون على أمنه واستقراره.
المطلب الخامس: الضبط الاجتماعي
الضبط الاجتماعي كما يعرفه بعض علماء
الاجتماع هو (تلك العمليات أو الإجراءات المقصودة وغير المقصودة التي يتخذها مجتمع
ما، أو جزء من هذا المجتمع لرقابة سلوك الأفراد فيه والتأكد من أنهم يتصرفون وفق
المعايير والقيم أو النظم التي رسمت لهم)، والأسرة أهم مؤسسات الضبط غير الرسمي،
حيث تمارس مع الأبناء أساليب الثواب إذا أحسنوا، والعقاب إذا أساؤا، وذلك وفق
معايير مسبقة ووفق ثقافة المجتمع التي نقلت إليه من خلال عملية التنشئة الاجتماعية
التي تحدثنا عنها في الفقرة السابقة، والضبط الأسري مهم جداً في الوقاية من
الجريمة، فكلما نجحت الأسرة في غرس القيم الإسلامية في أبنائها، وحذرتهم من ارتكاب
ما ينهى عنه الإسلام، كان الأبناء أبعد ما يكونون عن الجريمة، وأكثر كرهاً ومحاربة
لها، ويدخل في هذا الجانب المحافظة على مكانة الأسرة وشرفها والذي تحدثنا عنه
سابقا، فالأسرة تمارس الضغوط على أفرادها حتى ينجحوا في حياتهم ويتمسكوا بالقيم
المرغوبة اجتماعياُ للمحافظة على مكانة الأسرة وزيادتها رفعةً وسمواً، وتوجيه
الأبناء في هذا الاتجاه يعتبر من أهم وسائل الوقاية من الجريمة ومن أهم طرق
مواجهتها ومكافحتها.
ولا يفوتني هنا أن أشير إلى حاجة مثل
هذه الأبحاث إلى تحديد المفاهيم والمصطلحات الواردة، وخاصة التي لها علاقة
بالموضوع، حتى يمكن البناء على هذه المفاهيم والمعاني، فلا يحدث الالتباس وعدم
الوضوح أثناء معالجة الظاهرة والبحث عن حلول لها.
وقد حدد الله تعالى لهذا المسلم ضوابط
عامة لا بد له من الحركة والتعامل على أساسها في مجالات الحياة المختلفة - ليس
المجال هنا لعرضها بالتفصيل - لا بدّ من الإشارة إليها في قول الله عزَّ وجلَّ -
على سبيل المثال لا الحصر: (إن الله يأمر بالعدل والِإحسان وايتاء
ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكَر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) وقوله سبحانهِ: (إِنا عرضنا الأمانة على السماوات
والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقنَ منها وحملها الإنسانُ إنهُ كَان َظلوماً
جهولاً) ، وقال تعالى: (يا أَيها الذينَ آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم
نارا وقودها الناسُ والحجارة). وقوله تباركت أسماؤه: (إن الّله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها واذا حكَمتم بينَ الناس
َأن تحكموا بالعدل ...).
وقد أسهمت الشريعة الإسلامية في خلق جو
من الأمن الأسري والاجتماعي من خلال تحريم نشر الشائعات والأخبار غير المتيقنة
التي تمس الأفراد والمجتمعات، وقد تؤدي إلى النيل من أعراضهم أو مكانتهم بما يؤدي
إلى تدمير المجتمع وتفتيت لحمته، وقد شنع القرآن الكريم على أولئك الذين يسلكون
مثل هذا الطريق وتوعدهم بالعذاب الأليم، فقال: " (إن الذين يحبون أَن تشيعَ
الفاحشةُ في الذينَ آمنُوا لهم عذابٌ أَليمٌ في الدنيا والآخرَة واللهُ يعلمُ
وأنتم لا تعلمُونَ).
وقال أيضا عقب إيراده لحادثة الإفك
الشهيرة :" (إِذ تلقونَهُ بأَألسنتكُم وتقولُون بأَفواهكُم ما ليس لكُم به
علمٌ وتحسبُونهُ هينًا وهُو عندَ اللهِ عَظيمٌ) ولذلك فقد حرص القرآن الكريم على
تأسيس مبدأ عام يعصم الناس من الوقوع في مثل هذه الآفات، ويتمثل هذا المبدأ في
ضرورة التبيّن والتثبت عند سماع الأخبار، يقول تعالى (يا أيها الذينَ آمَنُوا إن
جاءَكُم فاسقٌ بنبإٍ فتبينوا أن تُصيبُوا قومًا بجهالةٍ فتصبحُوا على مَا فعلتم
نادمينَ).
المطلب السادس: القيم الأخلاقية الشرعية ودورها في تجسيد ودعم الأمن الأسري
الأخلاق في اللغة: جمع خلق بضم اللام وسكونها، ويراد بها
معانٍ عدة منها: الدين والطبع والسجية والمروءة، وحقيقة الخلق انه وصف لصورة
الإنسان الباطنة، وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها. والأخلاق ليست مجرد أوصاف يتحلى بها الإنسان
وانما هي علم قائم بذاته يبحث عن معنى الخير والشر ويبين ما ينبغي ان تكون عليه
معاملة الناس مع بعضهم بعضا، وهي الدعامة الأولى في بناء المجتمع السليم، لذلك
أولتها الشريعة الإسلامية اهتماماً كبيرا.
إن الأهمية التي تحتلها مبادئ الأخلاق
في الشريعة الإسلامية بعدّها الركيزة الأساسية التي تستند عليها حماية المصالح
الضرورية، وحيث ان حماية المصالح الضرورية هي بحد ذاتها أغراض التجريم، فأن مبادئ
الأخلاق ما هي إلا الركيزة التي تنطلق منها وتتأسس عليها أغراض التجريم في الشريعة
الإسلامية، وحيث ان الجزاء الجنائي أحد أهم وسائل حماية المصالح الجديرة في
الشريعة الإسلامية وكذلك في القانون الوضعي، فأن ما لا نجده في الأخير هو ان
الشريعة تعتمد في حمايتها للضرورات الخمسة المذكورة أنفا على وسيلة أخرى غير الجزاء
الجنائي وهي تربية الأخلاق والقيم السياسية وتهيئة الضمير الإنساني لكي يكون حكماً
ورقيباً ملازما للإنسان في سلوكه وتعاملاته.
ولا غرابه حينما نقول ان الرسالة
الإسلامية بنيت على بعث الأخلاق والقيم السامية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم،
في حين لا نظير لهذه الفلسفة في القانون الوضعي فهو قانون مادي في جله وان كانت
هناك محاولات لجعله قانون يحاكي الشعور العام من خلال اعتماد بعض المبادئ
القانونية كما في مراعاة الظروف القانونية والقضائية والبواعث الإنسانية او حينما
يعتمد نظام السوابق القضائية على هيئة المحلفين.
وعلى الرغم مما تقدم ذكره في القانون
الوضعي، فأن الأمر في الشريعة الإسلامية يكاد يكون مختلفاً تماماً حيث التأثيم
القانوني ينطوي على ان السلوك المؤثم يعكس على صاحبه جزاءاً قانونياً، في حين ان
التأثيم القانوني مصدره القانون الوضعي وجزاءه يتمثل في القهر المادي المنبعث من
الخارج ويخضع له الشخص ألاثم، بينما التأثيم الديني يلاحق الناس الآثمين في سلوكهم
الباطني لا الخارجي فحسب، ذلك ان التأثيم الخارجي يتمثل بالجزاء والتأثيم الداخلي
يتمثل بتأنيب الضمير والوعيد بالحساب الأخروي. وتأسيساً على ما تقدم فإن ما امتازت
به الشريعة الإسلامية وعجز عنه القانون الوضعي هو ان أدوات او وسائل التأثيم في
الشريعة يسيران بخطان متوازيان وهما الجزاء الدنيوي وتأنيب الضمير والوعيد بالحساب
الأخروي ،أي ان القهر المعتمد في الشريعة هو القهر المادي المتمثل بالجزاء والقهر
المعنوي المتمثل بالخوف من الله تعالى يوم اللقاء والحساب.
وان حكمة الأمر المتقدم في الشريعة
الإسلامية تنطلق من أن أثر القيم الأخلاقية الوضعية في حياة الناس فأنه بمجرد
اكتسابها لا يحتم العمل بمقتضاها، ذلك ان صلابة وقوة الضمير الأخلاقي لدى الشخص
تساهم في تأكيد القيم وانكارها، فضلاً عن أن انفصاله النفسي يساهم كذلك في تحقيق
هذه القيم. بينما عندما تعتنق الأخلاق كعقيدة دينية راسخة ستكون أقوى وأكثر صلابة
من كونها مبادئ أخلاقية مجردة.
وباعتقادنا أن تربية المبادئ الأخلاقية
السامية وتضمينها في نصوص وتطبيقات الشريعة الإسلامية ما هو ركيزة أساسية من
الركائز الاجتماعية الحفاظ عليها يؤمن الحفاظ على المصالح الخمسة – الضرورات
الخمسة – واذا كانت هذه الأخيرة ضرورات أساسية فلابد من ان وسيلة الحفاظ عليها
ضرورة ايضاً ولا أدل على ما أقول هو ان الضرورات الخمسة او المصالح الأساسية
الخمسة في الشريعة الإسلامية ما هي الا وعاء وحاوية للمبادئ الأخلاقية وذلك
بالاستناد للأتي:-
1- ان الحفاظ على النفس ويقصد به الجسد
والنفس وجاء اللفظ بالنفس على اعتبار إن الجسد وعاء للنفس وغالباً ما يخاطب الخالق
عز وجل المضمون البشري بالنفس كقوله تعالى: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها).
فضلاً عن أن النفس تتمثل بالمحرك
لتصرفات الإنسان أي مكوناته وبواعثه ورغباته وكلها أمور نفسية، إلا انه يترتب
عليها المسؤولية الجزائية وشدة الجزاء ونوعه، فما يترتب عليه ان المسؤولية الجزائية
ذات طبيعة معنوية لا مادية أي مرتبط بالركن النفسي للجريمة. وبالتالي فأن الأخلاق
مبادئ معنوية واعتقادات فكرية وقناعات عقلية باطنية تنعكس وتتجسد بسلوكيات مادية
خارجية ،أي ان الأخلاق في مصدرها ما هي الا جزء لا يتجزء من النفس الإنسانية لا
انفصال بينهما.
2- أما الدين فنحن ندرك ان الأديان
وتحديداً الشريعة الاسلامية ما هي إلا مبادئ للمعاملات بين بنو البشر المخاطبين
بها وعبادات باتجاه خالقهم، وهذا ما لا يمكن أن يكون إلا اذا اعتمدت المبادئ
الأخلاقية. ويمكن تفصيل الأمر بأن التكاليف الواجبة شرعاً على بني البشر ما هي الا
الحد الأدنى من المبادئ الأخلاقية التي لا بد منها لكي يحافظ المجتمع على كينونته
البشرية وصلاحه، بينما المستحبات هي درجة من المبادئ الأخلاقية أكثر سمواً من تلك
المتضمنة في الواجبات حينما يتحلى بها البشر يكونوا اكثر سمواً وارفع درجة تجاه
الآخرين في الدنيا والآخرة. وهذا الأمر يقي المجتمع من تبعات الجرائم المقترفة من
السكارى ومدمنين الكحول والمخدرات وهذا الأمر ما هو الا امر أخلاقي بحت.
3- أما العقل ونعني به وعاء الإدراك
والتمييز، فلابد من الحفاظ عليه من الدنس والخلل وذلك بالابتعاد عما يشوشه ويضعفه
والعبث به كشرب الخمر والمخدرات او شابه ذلك، وهذا الأمر يقي المجتمع من تبعات
الجرائم المقترفة من السكارى ومدمني الكحول والمخدرات وهذا ما هو الا امر اخلاقي.
4- إن النسل وهي الضرورة التي لا تفترق
عن الخلق الرفيع من خلال الابتعاد عن مقارنة ما يدنس النسل واختلاط الماء غير
المشروع وذلك بإتباع الطرق المشروعة لذلك –الزواج – وهذا الأمر في أوله أمر أخلاقي
وأخره أمر أساس لحفظ المجتمعات والأصول والحقوق، أما في القانون فلا عقاب على الزنا
إلا إذا اكره احد الطرفين على ذلك او إذا اضر الفرد بشكل مباشر في حين في الشريعة
إن العقاب على ارتكاب الزنا في جميع الأوقات.
5- أما المال وهو الأمر الغريزي الأخر
الذي يجاهد الإنسان طيلة حياته للحصول عليه لحماية نفسه وعياله من كبد العيش وهدر
الكرامة، ولابد لذلك ان تكون طرائق الحصول عليه وحيازته مشروعة لا بالسرقة وخيانة
الأمانة والاختلاس للمال العام و الرشوة ...الخ.
وهذا أيضاً ما هو إلا أمر أخلاقي.
المبحث الرابع: مهددات الأمن الأسري
لم تعد أغلب القضايا والمسائل المتعلقة
بموضوع الأسرة وما تثيره من اهتمام شأنا داخلي حكرا على التشريعات الوطنية فقط ،
بل أصبح محل اهتمام كبير من منظور قواعد القانون الدولي، حيث أصبحت محل عناية
ومتابعة مستمرة من طرف المؤتمرات الدولية والمواثيق الاقليمية والدولية، خاصة تلك
التي تعقد تحت رعاية الأمم المتحدة والتي تدفع إلى عولمة الأحكام المتعلقة بالأسرة
وجعلها على نسق واحد، وتخضع لأحكام واحدة، وفي هذا الشأن أبرمت العديد من
الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كالإعلان العلمي لحقوق الإنسان سنة 1948 ، واتفاقية
الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل العقود، التي عرضتها الجمعية العامة
للأمم المتحدة للتوقيع والتصديق، بمقتضى قرارها رقم 1763 المؤرخ في:
07 نوفمبر 1962، وبدأ نفاذها في ديسمبر
1964، وتوصية بشأن الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل العقود، بمقتضى
القرار رقم 2018د20 المؤرخ في نوفمبر 1965، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز
ضد المرأة المنعقدة سنة 1979. واتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989.
وقد تأثرت الهيئات الدولية بداية من
نهاية ثمانينات القرن الماضي وبداية التسعينات بمطالب الجمعيات النسائية في الدول
الغربية بعد أن سيطرت عليها حركات موغلة في التطرف وصل بها الأمر أن ألقت باللوم
على البنية البيولوجية للمرأة، واعتبار الإنجاب وما يحتويه من عواطف نبيلة عبودية
يجب محاربتها "عبودية الإنجاب"، بالإضافة إلى إفرازات العولمة التي
تقودها أمريكا، والتي استخدمت المؤتمرات الدولية لتمرير رسائلها الهدامة ومحاولة
فرضها على المجتمع الدولي.
المطلب الأول: العنف الأسري
إن ظاهرة العنف الأسري Domestic Violence هي ظاهرة اجتماعية يمكن
القول إنها استفحلت كنتيجة حتمية لطبيعة الحياة العصرية وما صحبها من تحولات وتغيرات
عديدة في كافة المجالات، مما أظهر العديد من المشاكل الاجتماعية والأسرية التي لم
تكن موجودة من قبل في المجتمعات التقليدية التي تتسم بالبساطة، وفي خضم التغيير
الذي اجتاح المجتمعات من بدائية تقليدية إلى أخرى حضارية تحمل العديد من مظاهر
التطور التقني الذي يمكن أن يتسبب في إحداث إفرازات اجتماعية جديدة نتيجة للتغير
الاجتماعيSocial
Change
الذي يحدث بتلك المجتمعات، لحقت الأسر أيضا بعض التغييرات الاجتماعية والثقافية
التي لم تكن موجودة من قبل مما أفقد الأسرة بعضاً من وظائفها وتضامنها وتكاتفها
داخلياً بين أفرادها، ويمكن أن تكون ظاهرة العنف الأسري من بين تلك الظواهر
الاجتماعية السلبية التي اجتاحت المجتمعات العربية والإسلامية، بسبب انتقاله من
نمط تقليدي بسيط إلى آخر حضاري متطور.
ومن هنا فقد أخذت ظاهرة العنف الأسري
تحتل حيزا كبيرا من اهتمام المختصين بالمجال التربوي والاجتماعي والأسري بسبب
تناميها وزيادة نسبة تواجدها. وعلى الرغم من أن الظاهرة لم تأخذ إلى الآن حظها من
الدراسات العلمية المستفيضة والبحوث فهي لا تزال تشكل مشكلة اجتماعية ذات أبعاد
ونتائج سلبية التأثير، كما لا تزال تضم العديد من الدوافع التي تنتشر من خلالها
وتزخر بكثير من الآثار السلبية التي تترتب على وقوعها. لقد أخذ العنف الأسري
يتنامى بمجتمعاتنا، الأمر الذي سيترك تأثيرا على المجتمع يهدد ترابطه وتماسكه
الأسري. إن العنف الأسري ينتشر بنسبة كبيرة وسط جميع الأسر في كافة المجتمعات سواء
العالم الأول أو الثالث وفي جميع الطبقات غنيها وفقيرها، ووسط المتعلمين والأميين.
ولقد زخرت كثير من الآيات القرآنية
بمبادئ الرحمة وحب المسلم لأخيه المسلم ومشاركته أمور وشؤون حياته، وذلك على أرضية
من التفاهم المتبادل والكلمة الطيبة التي وصفها المولى عز وجل بالشجرة الطيبة في
قوله تعالى ﴿أَلم تر كيفَ ضرب اللهُ مثلاً كلمةً طيبةً كشجرةٍ طيبةٍ أَصلها ثابتٌ
وفرعُها في السماء تؤتي أكلها كل حينٍ بإذن ربها ويضربُ اللهُ الأمثال للنَّاسِ
لعلهم يتذكرون﴾. وهناك كثير من الآيات الأخرى التي تدعو إلى صلاح الفرد وذريته
والى العمل الصالح كقوله تعالى (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ
الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا
تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ
الْمُسْلِمِينَ) ومن هنا يكون حتمياً أن تتآلف الأسر وأن ترسم حياتها وتبني
تعاملاتها بين أفرادها على أساس المبادئ الإسلامية التي تقر بمستويات أخلاقية
يتطلب من الفرد التحلي بها في عملية التربية الأسرية. ولا غنى لأي رب أسرة أو ربة
منزل من انتهاج المبدأ الإسلامي المتكامل في تربية الأبناء من أجل إنتاج أسرة
نموذجية تبعد عن العلل الاجتماعية والعادات الدخيلة على المجتمعات الإسلامية وتنأى
عن أي صنوف من العنف أو النوازع والشرور بين أبنائها بل وتكون على الدوام متفهمة
لتعاليم دينها عارفة بمسؤولياتها وواجباتها.
والإسلام يدعو إلى الفضيلة والتسامح
ويهدي إلى تماسك ووحدة المجتمع بدءاً من تماسك ووحدة الأسرة التي هي أساس المجتمع.
كما أنه يهدي إلى إتباع السبل الكفيلة بالحفاظ على كيان الأسرة صلباً في مواجهة
التيارات المهددة لوحدته. وقد اهتم الإسلام كثيرا بالأسرة وأفرادها من أجل إبراز
جيل متفهم لأدواره بالحياة تجاه نفسه أولاً وتجاه غيره ثانياً.
وقد أمر الرسول محمد صلى الله عليه
وسلم بالاهتمام بالرعية على الوجه الأكمل في إشارة واضحة لعظم المسؤولية الفردية
وأهمية دور الفرد المسلم تجاه من يقعون تحت دائرة رعايته فهو مسؤول عنهم في الدنيا
والآخرة.
المطلب الثاني: تغيير الأدوار الأسرية إجتماعيا واقتصاديا
في كثير من الحالات يعد عمل المرأة من
المشكلات الأساسية التي تهدد استقرار الأسرة المسلمة، لأن في ذلك إقصاء لها عن
أدوارها الأساسية وهي الأمومة والزوجية، فهي مسؤولة عن بناء الأسرة المسلمة وتنشئة
الأجيال الصالحة، وبعملها خارج بيتها تفسد علاقتها بأبنائها، فهي تغيب عن البيت
فترة طويلة يوميا، وعندما تعود إلى البيت تكون مجهدة متعبة وبحاجة إلى الراحة،
وبذا يفقد الأبناء الدفء والمودة والحنان والعطف، كما يفقدون التربية والتوجـيه..
وكما هو معلـوم، فإن السنوات الخمس الأولى من العمر تكون حاسمة في تطور الشخصية
المستقبلية للطفل من كافة النواحي الجسمية والعقلية والاجتماعية والروحية، الأمر
الذي يتعين على الأم أن تقضي مع ابنها وقتا كافيا لإنمـاء كافـة مظاهـر شخصيته؛ تحـدثه
وتسـتمع إليـه وتقـربه مـنها، لا تبعد عنه، تلعب معه وتنمي لديه القيم الاجتماعية
والروحية.
ولم يعد الأب يلعب ذلك الدور المحوري
والأساسي داخل الأسرة مثلما كان من قبل ،وتراجع دوره بشكل ملحوظ ليتلاشى بالتدريج
،وقد كان لخروج المرأة إلى ميدان العمل بمثابة العوامل التي أسهمت في التحول
الأسري فضلاً عما ترتب عليهما من إشكالات منها الطلاق أو تأخير سن الزواج، لقد
تغير سن الزواج للفتى في المجتمع العربي من معدل 17 سنة عام 1950 إلى معدل 25 سنة
عام 2000 وللفتاة من معدل 16 سنة عام 1950 إلى 24 سنة عام 2000 وعموماً سيسهم وعي
المرأة بذاتها ودور أنوثتها في مطالبتها بحقوقها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية
الذي سيضف تحدياً كبيرا أمام العائلة التقليدية.
إن الفرص التي يقدمها العمل للمرأة لكي
تستقل ماديا تشعرها بعدم حاجتها المادية إلى زواجها، وان عددا من المشاكل الحالية
في الأسرة يمكن تحليلها عن طريق مفهومات الصراع الناتجة عن توقعات أدوار الأزواج
والزوجات والآباء والأبناء، مثل توقع الزوج من زوجته أن تكون مطيعة مثلما كانت
والدته بالنسبة لأبيه بينما تطمح هي إلى وظيفة أو نشاط اجتماعي خارج المنزل إلى
جانب مكانة متساوية مع زوجها بحيث لا يفرض سيطرته عليها.
وقد ذكر البروفيسور "جاري
بيكر" الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد أن المرأة الجالسة في بيتها لرعاية
الأولاد وحسن تنشئتهم تساهم في تنمية الاقتصاد القومي بنسبة 25% إلى 50%، وهذا ما
يجهله الكثيرون الذين يحسبون أن المرأة التي تقوم بمهمة الأم في بيتها عاطلة، وقد
تمثل في نظرهم عبئا على الإنتاج القومي. ومن أهم أسباب النزاعات الأسرية في ظل
المتغيرات العالمية أيضا:
- عدم فهم كل من الزوجين لنفسية وطباع الآخر، حيث كثيرا من نجد كلاً من الزوجين يتمسك برأيه دون مراعاة لرأي الآخر، لذا فعلى الرجل أن يناقض أفراد أسرته في أمور الأسرة، ويكون معتدلاً في قراراته بحيث لا يظلم، لأن المرأة عادة تتغلب عليها العاطفة أكثر من العقل في اتخاذ القرارات.
- تظهر الأزمات في بعض الأسر بسبب عمل
المرأة، وكيفية صرف ميزانية الأسرة ،وهل الإنفاق مسؤولية الرجل أم أنه يجب على
المرأة مشاركته؟ وقد يكون لهذا العامل في بعض الأحيان تأثير على العلاقات الأسرية.
فقدرة الشخص على مزاولة عمل الأعمال ترتبط بالراحة النفسية التي يتمتع بها في
أسرته، كما أن قدرته على مزاولة نوع من الأعمال ومدى مطابقته له يؤثر في حالته
النفسية داخل الأسرة.
- ومن أهم أسباب الأزمات والمشكلات في
الأسرة الحديثة مدى اهتمام الأسرة بالأبناء، ومثال ذلك أنه في المجتمعات الخليجية
الحديثة نجد عدداً كبيرا من الوالدين قد تركوا الطفل للخدم، حيث أصبح كالدمية
تحضره لنا الخادمة لكي نلعب معه مدة وجيزة ثم تأخذه بعد ذلك لنراه في اليوم
التالي.
- من أسباب الأزمات الأسرية أيضا،
الزواج الذي ينشأ عن الطمع والكسب المادي أو المعنوي، فعندما لا يستطيع أحد
الطرفين تحقيق هذه المكاسب تقع المشكلات بينهما.
- وقد ترجع الأزمات الأسرية إلى إفرازات
الحضارة الحديثة على أسرنا الإسلامية ،مثل إطلاق العنان للمرأة وتركها تتحرك بحرية
لا حدود لها، لتذهب إلى حيث تريد ومتى تريد، وبالتالي قد لا تعرف الشيء الكثير عن
الأسرة، مما يدفع الزوج (الشرقي) إلى الحد من تلك الحرية فينشأ عن ذلك خلافات
زوجية.
- إن كثيرا من المشكلات والأزمات
الأسرية قد يرجع أصلها إلى عدم نضوج عقلية الزوج أو الزوجة بالدرجة الكافية
لمواجهة أمور الحياة. ويمكن إرجاع ذلك إلى الزواج المبكر في بعض الأحيان.
- العاهات الجسمية، قد يكون لها
تأثيرها على العلاقات الزوجية، فقد تؤدي إلى زيادة حاجة الفرد إلى الاعتماد على
الأسرة اعتماداً كبيرا في قضاء شؤونه، الأمر الذي يسبب له الضيق وبالتالي سرعة
الاستشارة، وقد يؤثر عجز الأسرة عن إشباع حاجات ذي العاهة إلى نشأة بعض الأزمات
الأسرية.
- الانحراف وهو الابتعاد عن المسار المحدد
وانتهاك القواعد والمعايير ومجانبة الفطرة السليمة واتباع الطريق الخطأ المنهي عنه
حكما وشرعا ويأخذ الانحراف اشكالاً عديدة منها ما يتعلق بجرائم الاعتداء على النفس
ومنها جرائم الاعتداء على الممتلكات ومنها ما يتصل بالجرائم المنافية للاخلاق كما
أن بعض أشكال الانحراف تستهدف النظام الاجتماعي كالحرابة والاحتكار.
- الغلو ويعني التجاوز المجانب لحد
الاعتدال، ولعل اخطر أشكال الغلو هو الغلو الاعتقاد الذي يعتمد المنهج التكفيري
لمن سواه، مما يبيح له ارتكاب الجرائم بحقه ومنابذته ومعاداته، كما أن الغلو في
التفكير والزعم باحتكار الحقيقة يولد الضغائن والاحقاد ويوقع القطيعة بين أبناء
المجتمع الواحد مما يدفع إلى تقويض الأمن الاجتماعي وزعزعة أركانه.
- الفقر: يعتبر الفقر من أبرز المشكلات
الاجتماعية والاقتصادية حيث يؤدي الحرمان والعوز إلى بروز حالات الجنوح التى تدفع
أصحابها إلى السرقة والانتقام وتشكل بيئات الفقر مناخاً مناسباً للانحراف
الاجتماعي الذي يهدد قيم المجتمع ويبث الخوف والقلق ،وبخاصة لدى الاطفال الذين
يحرمون من مقومات الحياة من المأوى والرعاية والتعليم حيث تظهر حالات التشرد
والعدوان مما يشكل إخلالاً في توازن البنية الاجتماعية ودافعاً إلى العنف
والتدمير.
المطلب الثالث: تدني مستوى التربية والتعليم
يحتاج التعليم كمنظومة علمية وفكرية
ومعرفية على التغذية والتقويم بصفة مستمرة، فإن بقيت المناهج الدراسية والتربوية
كما هي دون تعديل أو إثراء فإنها تتخلف وتصبح غير ملبية لاحتياجات العمل والتقدم
والمستقبل، وهذا هو حالنا التعليمي وبخاصة الجامعي في عموم الوطن العربي. إن تدهور
التعليم في مستوياته كافة أدى إلى ظهور وظيفة شاذة هي وظيفة إعطاء الدروس
الخصوصية، وترتب على ذلك ما يلي:
أ. تقاعس المعلم عن أداء رسالته
التعليمية والتربوية، وذلك لأنه يرغب أن يحشد جهوده البدنية والنفسية والعقلية
لتنفيذ الدروس الخصوصية للراغبين بها وما أكثرهم!!.
ب. تكاسل الطلبة عن المذاكرة
والاستيعاب، اعتماداً على معلم خصوصي يزودهم بالجوهري من المواد التخصصية التي
يعانون ضعفاً فيها.
ج. إنهاك ميزانية الأسرة وذلك لتلبية
مصرفات الدروس الخصوصية، فأصبح الزوج أو الزوجة أميل إلى أخذ أعمال إضافية مرهقة
لكي يحصل كل منهما على مورد مالي إضافي يغطي تكاليف هذه الدروس.
د. اهتـزت واهترت العلاقة بين المعلم
وطلبته وذلك لأنه لم ينفعهم النفع المطلوب، وانما من ينفعهم من يقدم لهم الدروس
الخصوصية التي سينجحون بموجبها، فلم يعد المعلم ذلك الكائن الذي كاد أن يصبح رسولا
كما قال الشاعر أحمد شوقي، وانما أصبح كائناً ضعيف الاحترام والسلطة والتأثير
المعنوي والأخلاقي، فإذا ضعفت هيبة المعلم وتآكلت سلطته وانطفأ نور علمه، لم نعد
إلا أمام كائن فقد تأثيره الروحي وبريقه العلمي والاجتماعي وحصلت بعض حالات
الاعتداء عليه وانخفض مستوى احترام الطلبة له.
ومن جهة أخرى وازاء ضعف دور المعلم في
التعليم والتوجيه اندفع بعض الطلبة نحو شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) لينهلوا
منها ما لم يقدمه المعلم لهم من معلومات إضافية وحقائق جديدة.
المطلب الرابع: المخدرات وأضرارها
الأسرية والاجتماعية
إن المخدرات من أخطر الظواهر الصحية
والاجتماعية التي يواجهها المجتمع في هذا الزمن، فلقد أبتلي العالم بوباء
الإدمان على المخدرات هذا الداء الخبيث وذلك لما يشكله من تهديد للأمن الأسري
والمجتمعي وزعزعة للاستقرار وازهاق للأرواح.
والعالم اليوم اقترب بعضه من بعض وأصبح
الانتقال من بلد إلى آخر سهلا جدا ،وبذلك انتقلت مع هذا التقارب بعض العادات
والتصرفات، وانتقلت معها ظاهرة المخدرات ،الجزائر بموقعها الجغرافي وامتداد
مساحتها جزء لا يتجزأ من هذا العالم تتأثر به وتتفاعل معه، فهي لم تسلم من انتشار
هذه الظاهرة الخبيثة في المجتمع، فكان لا بد أن يؤدي المجتمع دوره في الوقاية
والمكافحة من خطورة الإدمان وأن توضح خطورته للنشء وللأسرة وأن تكثف حملات التوعية
الصحية والفكرية والأمنية بين مختلف شرائح المجتمع واستغلال جميع الإمكانيات
المتاحة وتسخيرها لمحاربة هذا الداء، سواء كان ذلك من خلال قنوات الإعلام المسموعة
أو المرئية أو المقروءة أو من خلال فرض العقوبات أو سن القوانين واتخاذ الإجراءات
الصارمة للتصدي لهذا الخطر والحد منه.
ولابد كذلك أن يعمل المجتمع يداً بيد
بكل مؤسساته وأجهزته وشرائحه لتتضافر الجهود، والتنسيق مع الدول الأخرى من حيث
التعاون الأمني والاستفادة من تجارب الغير في مكافحة المخدرات.
ومن أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار
المخدرات نذكر باختصار ما يلي:
– ضعف الوازع الديني: من أهم الأسباب خصوصا في حالة عدم
قيام الأسرة أو المدرسة أو المجتمع بإبراز الأحكام الشرعية المتعلقة بالمخدرات.
- سهولة توافر المخدرات وتساهل المجتمع
نحو تعاطيها: حيث
ترتفع نسبة تعاطي المخدرات في المجتمعات التي يسهل الحصول على المخدرات فيها،
وكذلك فإن التسامح في تعاطي بعض أنواع المخدرات كتناول المشروبات الكحولية مثلا قد
يكون البداية لتعاطي مواد مخدرة أخرى.
- دور وسائل الإعلام: وتبرز المشكلة عند قلة وجود التوجيه
والرقابة من قبل الأسرة والمجتمع والدولة على نوع المادة المعروضة (كالأفلام
وشبكات التواصل) ومدى خطورتها على الأطفال والمراهقين.
- تأثير الأصدقاء والأصحاب: يعتبر أقران السوء من أهم أسباب
انتشار المخدرات حيث يضغط الأقران على زملائهم حتى يقعوا في حمأة الرذيلة ومستنقع
المخدرات.
– النقص في وسائل الترويح وقضاء
الأوقات:
يعتبر وجود وسائل الترويح لاستخدامها في وقت الفراغ من العوامل المهمة الواقية من
الانحراف والضجر والسأم وتشتت الفكر وانتشار بعض الظواهر مثل المخدرات.
- تناول المخدرات لغرض النشوة الجنسية: لعل من الأسباب الرائجة في تعاطي
المخدرات البحث عن اللذة الجنسية من ناحية الإثارة والإطالة في فترة الجماع، وهذا
وهم ،فقد تزداد الإثارة الجنسية لذة بسيطة في بداية تأثير المخدر، فمثلا متعاطي
الحشيش يشعر بالسعادة ويغرق في الأحلام الوردية والتخيلات وينتابه السرحان فيتخيل
أن الوقت يمر بطيئاً وطويلا. ومن هنا يكون الوهم بأنها تطيل فترة الجماع واللذة
الجنسية، ولكن باستمرار تعاطي المخدرات فأن الشخص يدخل في دائرة الإدمان ويفقد
اهتمامه بالجنس ويتجه كلياً إلى البحث عن المخدر.
– التقليد الأعمى للآخرين: تبين أغلب الدراسات الاجتماعية أن
أغلب المتعاطين من الشباب بغرض الاستطلاع التجريبي.
- انتشار البطالة: من العوامل المباشرة للانحراف عدم
وجود فرص العمل المناسبة الأمر الذي يدفع العاطل للاتجاه للمخدرات بغرض الهروب من
الواقع والشعور بالإحباط.
المطلب الخامس: الطلاق والتفكك الأسري
إن الأسرة تعني الرابطة الإنسانية
الاجتماعية بين أفرادها، لذا فلا عجب أن يعنى الإسلام بدوام الزواج ونجاحه، فيحدد
الإجراءات لاستمرار ديمومته.. فقد اشـترط نيـة دوام الزواج، لـذا كـان أي زواج
بنـية مـؤقتـة باطل لا يجوز. ويعد الطلاق أبغض الحلال إلى الله وقد أباحه الإسلام
إذا لم يعد بالإمكان استمرار الحياة الزوجية، وجعل له ضوابط ومراحل وفرصًا للعودة
في ضوء حرصه على استمرار العلاقة الزوجية قائمة. ويعد الطلاق نوعًا من أنواع
الغربة والاضطرابات النفسية التي تؤدي إلى صراع بين أسرتي الزوج والزوجة ويذهب
ضحيتها الأبناء.
ويرتبط الطلاق بالصراع بين الزوجين
وعدم الانسجام النفسي بينهما وبعمل المرأة (في كثير من الأحيان)، وبعدم قدرة الزوج
على الإنفاق، وبالتالي عدم إمكانية استمرار الحياة الزوجية. ومن المؤسف حقا أن
معدل الطلاق في معظم البلدان العربية الإسلامية آخذ في الازدياد، ففي دولة الكويت
مثلاً، يشير الكندري إلى أن ما يقرب من نصف الذين يتزوجون سنويًا ينتهون بالطلاق،
وأن ثمة نسبة عالية من الانفصال التام المشابه للطلاق.
ولا شك أن الطلاق يعد من العوامل
الرئيسة لانحراف الأبناء وتشـردهم وضياعهم وتشتت أفراد الأسرة، فعندما يفتح الطفل
عينيه على الحياة ولا يجد أما تحنو عليه ولا أبا يرعاه، فإنه سيؤول إلى الضيـاع
والتشـرد. ولـن يكون حـال الأبـنـاء بأفـضـل من ذلك إذا ما تزوجت المطلقة من رجل
آخر لن يقبل رعاية أبناء الزوج الأول، هذا فضلاً عن تولد مشاعر القلق والخوف لدى
الأمهات على مستقبلهن ومستقبل أبنائهن.
ولما كان التماسك الأسري والاستقرار
الزواجي يقتضي وجود أسرة متكاملة متحابة متعاطفة، فإن انفصال الزوجين بالطلاق أو
حتى بغياب أحدهما لفترة طويلة سيؤدي إلى الحرمان العاطفي للأبناء، والفشل في تكوين
القيم الاجتماعية لديهم، وشعورهم بالقلق وعدم الثقة بالذات وبالآخرين.
ويشير الكندري إلى أن الطلاق يؤدي إلى
أشكال من التفكك الأسري تظهر على هيئة مشاعر عميقة بالتهديد والخوف والمعاناة من
الاضطرابات التي ترافق الطلاق، والصراع العاطفي لدى الأبناء بين حب الوالدين وعدم
قدرتهم على التحيز لطرف منهما دون الآخر ووقوع الأبناء فريسة للانتقام والإيذاء
المتبادل بين الوالدين، مما ينعكس سلبًا على شخصياتهم المستقبلية، أزواجًا وآباء،
وعلى نظرتهم إلى ذواتهم والآخرين والمجتمع الإنساني بعامة. ويرتبط الهجر بالطلاق،
ويعني الهجر ترك العلاقة الزوجية والتفكير في إنهائها أو التهرب من مسؤولياتها،
وغالبًا ما يتم الهجر بترك أحد الزوجين الحياة الزوجية جراء النزاع والخلاف
بينهما، وقد يتم الهجر دون أي اتفاق مسبق بين الزوجين.
وتكشف الإحصائيات ارتفاعا في معدلات
الهجر في السنوات الأولى من الزواج، لا سيما في حال عدم وجود الأبناء الذين قد
يسهمون في دعـم الحياة الأسرية واعادة الأمور إلى مجاريها، ولا شك أن للهجر آثارا
سلبية تنعكس على تشتت الأبناء وضياعهم وتشردهم وانحرافهم وبالتالي تفكك الأسرة
عموما.
المطلب السادس: الخيانة الزوجية
يعد وفاء الزوجين من الدعائم الأساس
للاستقرار الزواجي والسعادة الأسرية، وبالمقابل فإن الخيانة الزوجية والإشباع
العاطفي خارج حدود الزوجية يعد من العوامل الرئيسة في هدم البناء الأسري وانهياره
وتقويض دعائمه وبالتالي في إنهاء العلاقة الزوجية وحدوث الطلاق.
وتعد الخيانة الزوجية خروجا عن الحقوق
الشرعية للزوجين، فالأصل هو الوفاء الزواجي، مصداقا لقول الله سبحانه وتعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على
أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين)، ولقـوله صلى الله عليه وسلم:
"ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء: المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، واذا
أمرها أطاعته، واذا غاب عنها حفظته"، وتشير الآية الكريمة إلى الحقوق
المشتركة للزوجين من إخلاص ووفاء وعمق المودة والسكن بينهما، كما يشير الحديث
الشريف إلى أن على الزوجة أن تحفظ عرض زوجها بحفظ عرضها وشرفها.
وقد ترتبط الخيانة الزوجية أحيانًا
بفقدان الإشباع الزواجي، فالزواج هو البيئة الشرعية لكسر الشهوة، وقد عني الإسلام
بالزواج وحث عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من
استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج"، كما جعل أداءه
عبادة وصدقة، قال صلى الله عليه وسلم: "وفي بضع أحدكم صـدقة، قـالـوا: يا
رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرايتم لو وضعها في حرام،
أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر". وأوجب على
الزوجة أن تعف زوجها وتحصنه من كل سوء، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا
الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضـبان علـيها، لعنتها الملائكة حتى تصبح".
ويعد الزواج نعمة تفضي إلى التمازج النفسي بين الزوجين. عبر عنها الله
سبحانه وتعالي بقوله: (وهن لباس لكم وأنتم لباس لهن).
المرجع
- د. الطاهر ياكر، مطبوعة محاضرات حماية الاسرة في الاتفاقيات الدولية، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جامعة الجيلالي بونعامة – خميس مليانة، كلية الحقوق والعلوم السياسة، الجزائر، السنة الجامعية 2020-2021، ص76 إلى ص126.