مصادر القانون الدولي العام وأشخاصه
يقصد بالمصدر الوسيلة أو الإجراء
لإيجاد القاعدة القانونية ومنبع إلزامها، وتحديد مصادر القاعدة القانونية الدولية
يعني تمكين القاضي من استخلاص الحكم الواجب التطبيق في النزاعات المعروضة أمامه.
على المستوى الداخلي الأمر يبدو سهلا لأن المشرع هو الذي يحدد المصادر ويرتبها،
لكن الأمر يختلف على المستوى الدولي حيث أنه من الثابت أن القانون الدولي يقوم على
أساس الرضا العام بأحكامه من قبل أشخاصه.
لقد أشارت المادة 38 من النظام الأساسي
لمحكمة العدل الدولية إلى أهم مصادر القانون الدولي وهي:
1- الاتفاقيات الدولية العامة والخاصة
التي تضع قواعد متعارف بها صراحة من جانب الدول المتنازعة.
2- الأعراف والعادات الدولية المرعية
المعتبرة بمثابة قانون دل عليه تواتر الإستعمال.
3- مبادئ القانون التي أقرتها الأمم
المتمرنة.
4- أحكام المحاكم ومذاهب كبار
المؤلفين:
إن التفرقة التي جاءت في هذه المادة
بين المصادر الأصلية والمصادر الإحتياطية، ليست راجعة لاختلاف القوة الإلزامية
لهذه المصادر وإنما هي تفرقة تخص ترتيب هذه المصادر فقط، بحيث لا يمكن الاستناد
إلى المصادر الاحتياطية إلا بعد إنتفاء المصادر الأصلية على أن الفقهاء قد أجمعوا
على عدم الاكتفاء بالتقسيم الموجود بالمادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل
الدولية بشأن مصادر القانون الدولي العام، على اعتبار وجود مصادر أخرى مثل قرارات
الدول أو المنظمات الدولية أو ما يعرف بالأعمال الدولية الانفرادية لذلك سوف نقسم هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث:
- المبحث الأول: المصادر الأصلية للقانون الدولي.
- المبحث الثاني: المصادر الاحتياطية للقانون الدولي.
- المبحث لثالث: أشخاص لقانون الدولي.
المبحث الأول: المصادر الأصلية للقانون الدولي
لقد قسمت المادة 38 من النظام الأساسي
لمحكمة العدل الدولية المصادر الأصلية للقانون الدولية العام الى ثلاثة مصادر وهي:
الاتفاقيات الدولية العامة والخاصة و الأعراف الدولية ومبادئ القانون التي أقرتها
الأمم المتحدة لهذا قسمت هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب.
- المطلب الأول: المعاهدات
- المطلب الثاني: العرف الدولي
- المطلب الثالث: المبادئ العامة للقانون
المطلب الأول: المعاهدات
كان للمعاهدات دور هام في إنشاء
القواعد القانونية الدولية، وهي تعتبر المصدر الأصلي الأول من حيث الترتيب الوارد
في المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، كما تعتبر كذلك من أغزر
المصادر في القانون الدولي الحديث وأكثرها وضوحا وأقلها مثارا للخلاف والأكثر
تعبيرا عن إرادة الأطراف المتعاقدة
الفرع الأول: تعريف المعاهدات
لقد عرفت المادة 2 من اتفاقية
"فيينا" المعاهدة بأنها إتفاق دولي يعقد بين دولتين أو أكثر كتابة ويخضع
للقانون الدولي سواء تم في وثيقة واحدة أو أكثر وأيا كانت التسمية الي تطلق عليها.
يتضح لنا من هذا التعريف أن المعاهدة
تتضمن أساسا العناصر التالية:
المعاهدة إتفاق بين أشخاص القانون
الدولي يخضع هذا الإتفاق لقواعد القانون الدولي هدف الإتفاق هو إحداث أثار قانونية.
توجد عدة مصطلحات للدلالة على
المعاهدات نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
- المعاهدة = le traite
- الإتفاق = l’accord
- الاتفاقية = la convention
- العهد = la pacte
- الميثاق = la charte
- النظام = le charte
- البروتوكول = le protocole
- الإعلان = le déclaration
وإذا كانت التعابير المختلفة تلك
تستعمل للدلالة على حقيقة موضوعية واحدة هي المعاهدة، فإن الفقه الدولي يجمع عل أن
لفظ المعاهدة يشمل جميع الأوصاف لكن فريق أخر من الفقه الدولي ومع إقراره بشمولية
مصطلح المعاهدة، فإنه يفرق في الدالة على استخدام هذه المصطلحات.
فلفظ اتفاقية تعني المعاهدة التي تنشأ
قواعد قانونية دولية تمثل تشريعا دوليا لأشخاص القانون الدولي مثال: اتفاقية
"فينا" لعام 1969 الخاصة بقانون المعاهدات، أما مصطلح الميثاق أو العهد
فهو دلالة على الوثائق القانونية الدولية المنشأة لمنظمات دولية كميثاق الأمم
المتحدة بينما مصطلح نظام فيدل على المعاهدات الجماعية المنشأة لأجهزة دولية مثال:
نظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، ويدل مصطلح بروتوكول عل معاهدات تفسر
أو تضيق قواعد قانونية دولية سابقة مثال: بروتوكول جينيف الإضافي لعام 1977
المتعلق باتفاقيات جينيف الأربعة لعام 1949 .كما يدل الاتفاق على المعاهدات التي
تعالج مواضيع مالية بين الدول مثال: اتفاق 1968 المنشئ لحقوق السحب لدى صندوق
النقد الدولي.
لقد درج الفقه الدولي عل التمييز بين
المعاهدات بمعايير مختلفة، فقد ينظر إليها من حيث الأطراف ويراها معاهدات ثنائية
ومعاهدات جماعية أو من حيث قدرتها على إنشاء قواعد القانون الدولي ويقسمها إلى
معاهدات عقدية "خاصة"، ويكون عادة موضوعها تبادل مصالح خاصة فردية أو
ذات طبيعة شخصية مجردة وتقوم على معيار المصلحة الخاصة وتختلف مقاصد أطرافها
ومعاهدات شارعة تضع قواعد موضوعية عامة لتنظيم مصالح مشتركة بين الدول، فالمعاهدات
الشارعة هي تلك المعاهدة التي تنشئ مراكز قانونية عامة على عكس المعاهدة العقدية
التي يكون محورها مراكز قانونية خاصة مثل: معاهدات رسم الحدود بين الدول، أما
المعاهدات الشارعة مثل: ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية الأمم المتحدة لقانون
البحار.
الفرع الثاني: شروط صحة المعاهدة
لكي تنتج المعاهدة أثارها القانونية لا
بد أن تستوفي الشروط الأتية:
أولا: الشروط الشكلية
1- أن تبرم بين أشخاص القانون
الدولي:
تتمثل أشخاص القانون الدولي في: الدول والمنظمات
الدولية، ولابد من توافر الأهلية لأشخاص القانون الدولي كشرط لصحة التعاقد، وتعتبر
من أهم المصادر الإرادية التي تكون القاعدة القانونية الدولية وترتيب الالتزام
الدولي. غير أن مفهوم الأهلية في القانون الدولي يختلف تماما عن مفهومها في
القانون الداخلي، فهي تعني في القانون الدولي.
الشخصية الدولية، وهي لا تتوفر إلا
للدول ذات السيادة التامة وكذلك المنظمات الدولية في حدود معينة. ويجب على الطرف
المتعاقد أن يكون أهلا لأن تصدر منه تصرفات تحدث التزاما دوليا، فالدول لا بد أن تكون
كاملة السيادة فضلا على سلامة الإرادة "الرضا "، وخلوها من كل إكراه أو
غش أو تدليس.
2- شرط الكتابة: تضمنت معاهدة فيينا لعامي 1969 و1986
شروط معينة لوصف المعاهدة على أنها إتفاق دولي ومن ذلك يكون الإتفاق مكتوبا، أي
تفرع المعاهدة في قالب مكتوب وشرط الكتابة لا يخالف ما استقر عليه العرف والقضاء
الدوليين في الاعتراف للاتفاق الشفوي بنفس القوة الإلزامية للمعاهدة المكتوبة.
إن شرط الكتابة لا يخالف فحوى العرف
والقضاء الدولي في الاعتراف بالاتفاق الشفوي بنفس القوة الإلزامية للمعاهدة
المكتوبة، فالكتابة ليست شرطا لصحة المعاهدة إنما هي شرط لتطبيق فحواها بين الأطراف
المعنية فقط، فهذه الأطراف لا يمكنها الاحتجاج على تطبيق الاتفاقية المبرمة بينهم
طبقا لما نصت عليه اتفاقية فيينا للمعاهدات إن لم تكن تلك المعاهدة مكتوبة.
إن شرط الكتابة الواردة في اتفاقية
فيينا للمعاهدات راجع لسهولة الإثبات وعدم التنصل من الالتزامات الواردة في
الاتفاقية مقارنة بالمعاهدة الشفوية التي يصعب إثباتها وضمان تطبيق بنودها وإثبات
الحقوق والإلتزامات الواردة فيها في حالة وقوع نزاع بين أطرافها مهما كان نوعه.
3- المعاهدة تكون مبرمة وفقا لأحكام
القانون الدولي العام:
هناك حالات تعقد فيها الدول اتفاقا لكن
بإرادة أن تبقى أحكامها خاضعة لأحكام القانون الداخلي، وتبقى هذه الاتفاقيات بعيدة
عن المعاهدة، لذا فلزام أن تكون المعاهدات المبرمة بين الدول مبرمة وفقا لأحكام
القانون الدولي العام، فالأولى هي بمثابة عقد دولي أما الثانية فهي معاهدة
بالمفهوم الدولي. كما أن العقد الدولي يخضع للقانون الوطني أما المعاهدة فتخضع إلى
أحكام القانون الدولي العام.
4- المعاهدة تحدث أثارا قانونية:
يشترط في أي تصرف قانوني أن تنصرف إرادة
مبرميه إلى إحداث أثر قانوني ملزم، مع إنشاء مراكز قانونية أو تعديلها أو إلغائها،
فليس أي إتفاق دولي يحدث أثارا قانونية، كالإعلان الدولي, التصريحات الدولية مثال
ذلك تصريح لندن لعام 1871 الذي أعلنت الدول الأطراف فيه عن احترامها لمبدأ العقد
شريعة المتعاقدين فالتصريح الدولي إتفاق بين الدول ولا يرقى الى مستوى المعاهدة
لأنه لا يهدف إلى إحداث أثار قانونية فلكي تكون أمام معاهدة يشترط أن تنصرف إرادة
الأطراف إلى ترتيب التزامات قانونية على مبرميها، فالعبرة هنا بوجود قواعد قانونية
ترتب التزامات أو تنشئ حقوقا لا بوجود إتفاق بين هذه الأطراف فحسب، كما أن الإتفاق
الدولي بين أطراف وتنشئ التزامات للأشخاص كأفراد وليس بصفاتهم الرسمية كممثلين
لدولهم لا تلزم إلا أصحابها ولا تلزم الدول ولا توصف على أنها معاهدة فهي لا قيمة
لها في القانون الدولي العام.
فإجراءات إبرام المعاهدة تختلف عن إجراءات
إبرام العقد في القانون الخاص، لقد جاء في المادة 48 من اتفاقية فيينا لقانون
المعاهدة: "يجوز للدولة الاستناد إلى الغلط لإبطال رضاها في الالتزام
بالمعاهدة، إذا كان الغلط يتعلق بواقعة أو حالة ما توهمت الدولة وجودها عند إبرام
المعاهدة وشكلت سببا جوهريا في رضا هذه الدولة ...".
ثانيا: مشروعية موضوع المعاهدة
يشترط لصحة المعاهدة أن يكون موضوعها مشروعا وفقا لأحكام القانون الدولي العام، وأي خلاف لذلك فتكون المعاهدة باطلة وهو ما ذهبت إليه المادة 53 من اتفاقية فيينا للمعاهدات لعام 1969 "تعتبر المعاهدة باطلة بطلانا مطلقا إذا كانت وقت إبرامها تتعارض مع قاعدة أمرة من قواعد القانون الدولي العام، كل قاعدة تقبلها الجماعة الدولية في مجموعها، ويعترف بها باعتبارها قاعدة لا يجوز الإخلال بها، ولا يمكن تعديلها إلا بقاعدة لاحقة.
من قواعد القانون الدولي العام لهذا
ذات صفة "كل معاهدة تخالف القواعد الآمرة للقانون الدولي العام تقع باطلة
بطلانا مطلقا منذ تاريخ إبرامها ولا تنتج أي أثر قانوني، والقواعد الآمرة هي تلك
القواعد التي تعد مبادئ عامة يعتبرها المجتمع الدولي قواعد أساسية لاستقراره ودوام
التعايش السلمي بين أفراده.
الفرع الثاني: مراحل إبرام المعاهدة الدولية
المعاهدة نظام يقصد به مجموعة الإجراءات
والقواعد الدولية التي يخضع لها إبرام ذلك التصرف القانوني الدولي الذي يسمى
بالمعاهدة سواء كانت ثنائية أم جماعية.
ويمر إبرام المعاهدة بعدة مراحل تكون
عادة نقاشات سياسية تروج للفكرة بين الدول ثم يتفق على محاورها الأساسية من خلال
النقاش، ثم يعين المفاوضون الذين يمكن أن يكونوا رؤساء الدول أو وزراء بحسب أهمية
المعاهدات.
الشروط الموضوعية لصحة المعاهدة:
أ- الرضا: الرضا شرط من شروط صحة أي تصرف قانوني
كان، والحال نفسه على الصعيد الدولي، فلا تنتج أية معاهدة دولية أثارها دون وجود
شرط الرضا.
إن نظرية عيوب الرضا تنطبق على
المعاهدات بالقدر الذي يتناسب مع طبيعة وخصوصية القانون الدولي العام، لقد قننت
اتفاقية فيينا المعاهدات لعام 1969 عيوب الرضا المعروفة في القانون الخاص بما
يتلاءم مع ظروف العلاقات الدولية، ويبقى تطبيق هذه النظرية في مجال العلاقات
الدولية ضئيل جدا:
1- الإكراه:
الإكراه يفسد كل تصرف قانوني فهو ضغط يجبر
المتعاقد على التعاقد، فهو معدم للإرادة. ففي القانون الدولي يقع الإكراه على ممثل
الدولة بحسب المادة 51 من اتفاقية فيينا كما أنه هناك إكراه يقع الدولة أو المنظمة
وهنا يتفق الفقه الدولي المعاصر على استخدام القوة بهدف تحقيق أهداف سياسية أو
اقتصادية لصالح دولة ما، وهو عمل محظور دوليا، وأية معاهدة ناتجة عن مثل هذا الإكراه
فهي باطلة وهذا بنص المادة 52 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات.
2- الغش:
الغش يفسد الرضا، وهو قيام طرف بفعل
تصرفات تدفع الطرف الأخر إلى التعاقد وإبرام المعاهدة والالتزام بها.
لقد نصت المادة 49 من اتفاقية فيينا
للمعاهدات على مسألة الغش بقولها "يجوز للدولة التي يدفعها السلوك التدليسي
لدولة أخرى متفاوضة معها أن تستند إلى الغش كسبب لإبطال الالتزام بالمعاهدة. لقد
نصت المادة 49 من اتفاقية فينا للمعاهدات على مسألة الغش بقولها: "يجوز
للدولة التي يرفعها السلوك التدريبي لدولة أخرى مفاوضة معها أن تستند إلى الغش كسب
لإبطال الالتزام بالمعاهدة".
3- الغلط:
الغلط هو تصور غير صحيح لواقعة معينة،
ويكون له تأثير في قبول الدولة الرضا بالمعاهدة، بالمراجعة في العلاقات الدولية
نجد الغلط تطبيقاته قليلة جدا فيه وقد يكونوا سفراء أو مكلفين بهذه المهمة.
4- المفاوضات:
إن مرحلة المفاوضات هي أهم مرحلة على
الإطلاق، من مراحل إبرام المعاهدة سواء كانت معاهدة ثنائية أم جماعية، لهذا السبب
تحرص الدول المقبلة على إبرام أية معاهدة على حسن اختيار أكفأ المفاوضين،
فالمفاوضة فن لا بد من إتقانه. ففي هذه المرحلة يتم تبادل الآراء والمقترحات بين
الأطراف بشأن موضوع المعاهدة، وتبادل الوثائق بين ممثلي الدول، بما فيها وثائق
التفويض.
لا يشترط في المفاوضات أن تأخذ
"شكلا معينا، فقد تكون علنية أو سرية، أو في شكل تبادل مذكرات، أو مؤتمرات أو
لجان، في زمن و احد أو على فترات "وقد تنجح المفاوضات أو تؤجل أو تفشل، ويمكن
أن تكون المفاوضات شفوية عن طريق تبادل محادثات بين الأطراف أو بواسطة مذكرات فيما
بينهم.
تجري المفاوضات في المعاهدات الثنائية
عن طريق لقاء بين ممثلي الدولتين المعنيتين أما في المعاهدات المتعددة الأطراف،
فتقام المفاوضات فيها عن طريق عقد مؤتمر دولي تستضيفه دول معينة، أو في إطار منظمة
دولية كمؤتمر فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 المبرم تحت رعاية منظمة الأمم
المتحدة.
بعد مرحلة المفاوضات والوصول إلى اتفاق
حول مشروع المعاهدة ويتم بالتالي الإقرار، أما المعاهدة متعددة الأطراف فيتم إقرار
نصها بالأغلبية أي أغلبية أصوات الأطراف المشاركة في المفاوضات وهذا ما نصت عليه
المادة 9 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات.
الفقرة 1: يتم إقرار نص المعاهدة برضا
جميع الدول التي اشتركت في صياغتها مع مراعاة ما نصت عليه الفقرة الثانية من هذه
المادة.
الفقرة 2 : يتم إقرار المعاهدة في مؤتمر دولي
بأغلبية ثلثي أصوات الدول الحاضرة وقت التصويت إلا إذا قررت تلك الدول بأغلبية
ثلثي الأصوات ذاتها تطبيق قاعدة أخرى.
ثانيا: تحرير المعاهدات وصياغتها
إن كل الأمور والمبادئ التي اتفق عليها
المفاوضون لابد أن تصاغ في شكل ألفاظ واضحة تفاديا للاختلاف حول تفسيرها لاحقا. ليس
هناك ما يمنع من إبرام معاهدة شفهية غير أن المادة الثانية من معاهدة فيينا لقانون
المعاهدات اعتبرت الكتابة شرطا لازما لتسمية الاتفاقية بالمعاهدة غير أن هذه الشكلية
لا تؤثر على القوة الملزمة للاتفاقية التي تتخذ شكلا مكتوبا. كما أنه ليست هناك
شكلية معينة تتبع لصياغتها المعاهدة.
وقد جرى العرف على صياغتها في ثلاثة
أجزاء هي الديباجة أو المقدمة ثم صلب المعاهدة أو أحكام العاهدة ثم أحكام
انتقالية، وأخيرا خاتمة تتضمن تاريخ النفاذ وكيفية الانضمام والملاحق إن وجدت.
بعدها يتم إقرار المعاهدة بالصيغة
المتفق عليها من طرف الدول الأطراف أما اللغة التي تحرر بها المعاهدة فعادة ما
تثير جدلا، ففي المعاهدة الثنائية عادة ما تحرر بالغة التي يتم الإتفاق عليها، أما
في المعاهدة المتعددة الأطراف فتحرر بلغة عالمية كالإنجليزية والفرنسية إلا إذا
أتفق الأطراف على خلاف ذلك.
- يحرر نص المعاهدة في شكل مواد
موضوعها، يختص بصياغتها ذو اختصاص في القانون رفقة فنيين وخبراء بحسب موضوع
المعاهدة "اقتصادي، سياسي، تقني، وغيرها من مجالات إبرام المعاهدات".
ثالثا: التوقيع على المعاهدة
لا يشترط تقديم وثائق خاصة لإثبات الحق
في التوقيع إذ كان القائم به رئيس جمهورية أو الوزير الأول، أو وزير الخارجية وهي
الأطراف التي تملك صلاحية الاشتراك في كل أطوار إبرام المعاهدة "المادة
7/2" من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات وذلك لحكم مناصبهم، أما إذا كلف
بالتوقيع شخص خارج هذه الفئة فلا بد أن يكون حاملا لوثائق تفويض تسمح له بالتوقيع
على المعاهدة.
ويقو المفاوضون بالتوقيع على المعاهدة
إما بالأحرف الأولى لأسمائهم أو بالأحرف الكاملة، حيث يلجأ المفاوضون إلى التوقيع
الأول في حالة إذا لم تمنحهم سلطة التوقيع النهائي الوثائق اللازمة لذلك، أو في
حالة ترددهم على الموافقة على نص المعاهدة ورغبتهم في مراجعة حكوماتهم لأخذ أرائها
بشأن التوقيع النهائي.
لقد جاءت اتفاقية قانون المعاهدات
بأحكام توافق العرف الدولي الذي يقضي بالتوقيع سواء بالأحرف الأولى أو بالأحرف
الكاملة لأسماء المفاوضين ليس كافيا لالتزام الأطراف المتعاقدة بموضوع المعاهدة
إلا إذا أتفق الأطراف على إعطاء هذا التوقيع القيمة القانونية الملزمة.
وقد نصت المادة 12 من نفس الاتفاقية
على:
القعدة تقضي بأن مجرد التوقيع لا يكفي
لنفاذ المعاهدة في حق الدول المتعاقدة، مهما كان شكله أوليا أو نهائيا، لأن ذلك
سوف يعطي الدولة الفرصة للتفكير في موضوع المعاهدة محل الالتزام لاحقا، حيث لها
الحرية كاملة في تبنيها أو رفض محتواها.
أما الاستثناء على القاعدة فيمكن في
اعتبار أية معاهدة ثم التوقيع عليها نافذة ومنتجة لأثارها القانونية وملزمة لأطرافها
بشرط توفر الأسباب التالية:
- إذا نصت المعاهدة على أن لهذا
التوقيع الأثر (النفاذ).
- إذا ثبت بأية طريقة على أن الأطراف
المتفاوضة اتفقت على أن يكون للمعاهدة هذا الأثر.
- إذا بدت نية الأطراف في إعطاء هذا
الأثر في وثيقة التفويض أو اعتبرت ذلك من المفاوضات.
- إذا اتفقت الدول على اعتبار التوقيع
بالأحرف الأولى يكون بمثابة توقيع بالأحرف الكاملة.
إن التوقيع له اثر قانوني يرتب بعض
الالتزامات على أطراف المعاهدة تتمثل في عدم المساس بأحكامها، غير أنه وحده غير
كاف لنفاذ العاهدة والالتزام بتطبيق أحكامها وذلك كأصل عام، إلا إذا اتفقت الأطراف
على نفاذ المعاهدة بمجرد التوقيع عليها كما ورد في المادة 12 سالفة الذكر.
رابعا: التصديق على المعاهدة
هو الإجراء الذي تعبر الدولة عن طريقه
برضاها الرسمي على المعاهدة من قبل السلطة التي يبينها دستور تلك الدولة، ومعظم
دساتير الدول تشترط هذه الشكلية وبسب ذلك إذ المعاهدات تفرض إلتزامات على عاتق
الدولة وقد يمتد هذا الإلتزام ليطال أفراد الشعب أو تمس نظامها السياسي، لذلك تفضل
الدول تحمل مسؤولية التصديق إلى المؤسسات الدستورية سواء البرلمان أو رئيس الدولة،
وبالرجوع لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات نجدها استعملت في نص المادة 11 عدة
تسميات للدلالة على التصديق "يجوز للدولة أن تعبر عن رضائها بالالتزام
بالمعاهدة إما بالتوقيع عليها أو تبادل الوثائق المكونة لها، أو التصديق أو
التأكيد الرسمي أو القبول أو الموافقة على الانضمام إليها بأية وسيلة يتفق
عليها"
يتم التصديق بشكل كتابي على الوثيقة
المتضمنة نص المعاهدة الموقعة من طرف رئيس الجمهورية أو وزير الخارجية ويسلمها كل
طرف إلى الأخر إذا كانت ثنائية. وتقوم الدولتان المتعاقدتان بتبادل وثائق التصديق
بالطرق الدبلوماسية ويحرر محضر بذلك يوقع عليه الطرفان (المادة 16 من اتفاقية
فيينا لقانون المعاهدات). أما إذا كانت المعاهدة متعددة الأطراف، تقوم الدول
المتعاقدة بإيداع نسخة من المعاهدة لدى دولة طرف يتم تعيينها بموجب إتفاق في نص
المعاهدة، أو لدى الأمانة العامة لدى منظمة دولية إذا ما أبرمت هذه المعاهدة في
إطار منظمة دولية وتصبح بعد ذلك سارية بحسب نص المادة 16 سالفة الذكر.
- ألا يكون معلقا على شرط أو قيد.
أو يشمل كل بنود المعاهدة وليس جزءا
منها فقط، وإذا تحفظت الدول على بعض النصوص وتم قبولها عند التوقيع من طرف بقية
الأطراف يكون التصديق على الأجزاء غير المتحفظ عليها.
وتجدر الإشارة إلى التصديق الناقص الذي
لم يستوف كل الإجراءات المنصوص عليها دستوريا، كأن يصدق رئيس لجمهورية على
المعاهدة دون العودة إلى البرلمان كما هو الحال في الجزائر، وقد ثار جدل فقهي وقانوني
حول القيمة القانونية للتصديق الناقص، فالبعض اقل أن المعاهدة تصبح باطلة لعدم
احترام إجراءات التصديق ويمكن بذلك إبطالها من لفتها قواعد الإختصاص الموجودة في
الدستور.
ويرى جانب من الفقه الدولي أن المعاهدة
صحيحة ومنتجة لأثارها القانونية رغم مخالفتها الإجراءات الدستورية المعمول بها
لعدة أسباب:
- عدم ارتباط قواعد القانون الدولي
بالقانون الداخلي، حيث أن عدم إحترام السلطات المكلفة بالتصديق للقانون مسألة
داخلية على علاقة للقانون الدولي بها.
- مبدأ سمو قواعد القانون الدولي يفرض
تبعية القانون الداخلي للقانون الدولي وليس العكس.
- اعتبار المعاهدة صحيحة استنادا لمبدأ
عدم جواز حسن النية في التعاقد.
- اعتبار المعاهدة صحيحة استنادا لمبدأ
عدم جواز استفادة المخطئ من خطأه لأن إبطال المعاهدة يؤدي إلى استفادة الدولة التي
صدر التصديق الناقص منها من الاستفادة من عدم تطبيقها وبالمقابل إلحاق الضرر
بالدولة الأخرى المتعاقدة معها بحسن نية.
خامسا: الانضمام إلى المعاهدة
قد لا تشارك الدولة في كل مراحل إصدار
المعاهدة لأسباب كثيرة منها أنها لم تكن موج ودة كحال المستعمرة، أو أنها لم تكن
ترغب في الانضمام إلى تلك المعاهدة لأسباب سياسية تتعلق بطبيعة النظام السياسي
مثلا، غير أنه تستجد ظروف ترى الدولة أن من مصلحتها الانضمام إلى تلك المعاهدة،
ومع ذلك فإن إمكانية الانضمام ليس متاحا في المعاهدات. فهناك معاهدات مغلقة التي
لا يسمح بالانضمام إليها إلا وفق معايير محددة كما هو الحال في الإتحاد الأوروبي
والمؤتمر الإسلامي وهناك معاهدات مفتوحة لجميع الدول بشرط احترام الشروط المنصوص
عليها في الاتفاقية مثل ميثاق الأمم المتحدة.
الانضمام تصرف إرادي ينتج أثاره
القانونية وأحيانا لا يتوقف على إرادة الدولة كما أنه في أحبان أخرى يلقى معارضة
من الدول الأعضاء التي ترفض طلب الانضمام كما هو الحال في رفض طلب تركيا للانضمام
إلى الإتحاد الأوروبي.
سادسا: تسجيل المعاهدة ونشرها
تتم العملية بإرسال نسخة من وثائق
التصديق إلى الدول الأطراف (في المعاهدة الثنائية) أما في المعاهدة الجماعية فتكون
عاصمة الدولة التي عقدت فيها المفاوضات مقرا لإيداع التصديقات، وبالنسبة للمعاهدات
التي تتم تحت إشراف الأمم المتحدة فيكون مقر الأمم المتحدة هو مكان الإيداع. فبعد
التصديق في الدول على المعاهدة يتم نشرها في الجريدة الرسمية لكي يطلع عليها الأفراد،
بعدها يتم تسجيل تلك المعاهدة في الأمانة العامة للأمم المتحدة ليتسنى للرأي العام
الدولي الإطلاع عليها.
الأمم المتحدة لا تعترف بالمعاهدة التي
لم يتم تسجيلها، حيث نصت المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة على "كل معاهدة
أو إتفاق دولي يعقده عضو من أعضاء الأمم المتحدة يعد العمل بهذا الميثاق، يجب أن
تسجل في الأمانة العامة للمنظمة، وأن تقوم بنشره في أسرع وقت ممكن، وليس لأي طرف
في أية معاهدة أو إتفاق دولي لم يسجل وفقا لنص هذه المادة أن يتمسك بتلك المعاهدة
أمام أي فرع من فروع الأمم المتحدة
كما نصت المادة المادة 80 من اتفاقية
فيينا لقانون المعاهدات على "تحال المعاهدات بعد دخولها حيز النفاذ إلى
الأمانة العامة للأمم المتحدة لتسجيلها ونشرها" لذلك فكل الدول تكون ملزمة
بتسجيل المعاهدة بعد التصديق عليها لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة حتى يجوز
لأطرافها التمسك بها كدليل إثبات الحقوق والالتزامات الواردة فيها أمام أي جهاز من
أجهزة الأمم المتحدة كمجلس الأمن أو الجمعية العامة أو محكمة العدل الدولية، حيث
لا يعترف هذه الأخيرة إلا بالمعاهدات المسجلة. غير أن التسجيل ليس شرطا لصحة
المعاهدة أو واجبا لنفاذ أحكامها فالمعاهدات تكون صحيحة بمجرد تحقق شروطها الشكلية
والموضوعية، وتكون نافذة بين أطرافها بمجرد تام التصديق عليها، فقط لا يمكن لأطرافها
الاحتجاج ببنودها أمام هياكل الأمم المتحدة إن هي لم تسجل.
أولا: المفاوضات
إن مرحلة المفاوضات هي أهم رحلة على
الإطلاق، من مراحل إبرام المعاهدة، سواءا كانت معاهدة ثنائية أم جماعية لهذا تحرص
الدول المقبلة على إبرام أية معاهدة على حسن اختيار أكفأ المفاوضين، فالمفاوضة فن
لابد من إتقانه، ففي هذه المرحلة يتم تبادل الآراء والمقترحات بين الأطراف بشأن
موضوع المعاهدة وتبادل الوثائق بين ممثلي الدول، بما فيها وثائق التفويض.
لا يشترط في المفاوضات أن "تأخذ
شكلا معينا" فقد تكون علنية أو سرية، أو في شكل تبادل مذكرات، أو مؤتمرات أو
لجان، في زمن واحد أو على فترات، وقد تنجح المفاوضات أو تؤجل أو تفشل ويمكن أن
تكون المفاوضات شفوية عن طريق تبادل محادثات بين الأطراف أو بواسطة مذكرات فيما
بينهم.
تجري المفاوضات في المعاهدات الثنائية
عن طريق لقاء بين ممثلي الدولتين المعنيتين أما في المعاهدات متعددة الأطراف،
فتقام المفاوضات فيها عن طريق عقد مؤتمر دولي تستضيفه دولة معينة، أو في إطار
منظمة دولية كمؤتمر فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 المبرم تحت رعاية منظمة
الأمم المتحدة.
التحفظ على المعاهدة
التحفظ هو إعلان أحادى الطرف صادر عن
دولة عند توقيعها أو تصديقها أو قبولها الانضمام إلى المعاهدة يقصد منه استبعاد
حكم من أحكام الاتفاقية أو تعديله إن التحفظ يشكل مظهرا من مظاهر السيادة في مفهوم
القانون الدولي التقليدي بمقتضى هذا المبدأ تستطيع الدول إعلان عدم التزامها ببعض
الأحكام التي ترى فيها مساسا بنظامها العام أو النظام الاجتماعي السائد في الدولة
ومن تلك التحفظات تلك التي أبدتها الدول الإسلامية على بعض الإحكام المخالفة
للشريعة الإسلامية في اتفاقيتي بكين حول المرأة والقاهرة حول السكان. غير أن هذا
المبدأ مقيد بنص المادة 20 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات واهم تلك القيود
هي:
- إذا كان التحفظ محظورا في المعاهدة.
- إذا كانت المعاهدات تحيز تحفظات ليس
من بينها ذلك التحفظ.
- إذا كان التحفظ مخالفا لموضوع
المعاهدة او الغرض منها.
ويمكن للدول الأطراف الاعتراض على
التحفظ ففي الاتفاقيات الثنائية يعتبر الاعتراض على التحفظ إنهاء لتلك المعاهدات.
أما في الاتفاقيات الجماعية فالرفض الجماعي يعني اعتبار الدولة المتحفظة غير ملزمة
بالمعاهدة ولا يمكنها التمسك بها أما إذا كانت هناك إجماع أو معارضة البعض دون
البعض الآخر فالمعول عليه في هذه الحالة هو النظر الى طبيعة هذا التحفظ هل هو يتفق
مع المبادئ الأساسية للمعاهدة أو يناقضها ففي حالة ما إذا كان لا يتناقض مع مبادئ
الاتفاقية وتعتبر الدولة ملزمة بالاتفاقية.
يمكن أن يرد التحفظ عند التوقيع على
المعاهدة أو عند التصديق عليها أو عند طلب الانضمام ويصدر كتابة على شكل وثيقة
دبلوماسية كي يمكن إعلان الأطراف الأخرى به. حيث لابد من إعلان كل أطراف المعاهدة
به وهذا في أي مرحلة كانت عليها المعاهدة
سابعا: أثر المعاهدة ونفاذها بالنسبة
للغير
كأصل عام فان المعاهدة لا تلزم إلا أطرافها
وفقا لنسبية المعاهدات إلا أنه هناك بعض المعاهدات التي تساهم في إنشاء أوضاع
دولية عامة يمكن أن تلزم الغير وهي:
- المعاهدات التي تضع أحكاما شاملة: فهذه الأحكام تمتد أثارها إلى الدول
غير الأطراف في المعاهدة فهي تنظم وضعا عاما يترتب عليه واجب الاحترام والتزام
الدول الغير بهذه الأحكام إن التزام هذه الدول لا يرجع في الحقيقة إلى المعاهدة
ذاتها وإنما يرجع إلى كون هذه المعاهدات أقرت مبدأ أو حكما من أحكام القانون
الدولي مثل المعاهدات الخاصة التي تنظم الملاحة الدولية التي تنظم الملاحة
الدولية
- المعاهدات التي تنظم أوضاعا دائمة: هي تلك المعاهدات التي تحدد النظام
القانوني للمضائق الدولية والحياد.
- المعاهدات ذات الأساس العرفي: هي معاهدات تدون عرفا سائد أو قائم
والتزام الدول الغير
به نابع من التزامها بالعرف مثل
اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية.
- المعاهدات التي تشترط لصالح الغير: الأصل أن أثر الاتفاقية لا يمتد إلى
غير أطرافها مع ذلك سمحت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 بمد هذا الأثر
إلى دولة ليست طرفا ينشأ حقا للدول نتيجة نص في هذه المعاهدة إذا قصد أطراف
المعاهدة هذا النص منح هذا الحق للدولة الغير أو مجموعة من الدول تنتمي هذه الدولة
اليها أو للدول جميعا ووافقت الدول الغير على ذلك.
- شرط الدولة الأكثر رعاية: ويعني هذا الشرط أن تضع المعاهدة بين
دولتين نصا خاصا تتعهد كل دولة منهما بأن تسمح للأخرى بالاستفادة من كل امتياز
تمنحه في المستقبل لدولة من الدول في مسألة من المسائل التي تم التعاقد بينهما في
إنشائها وجرت العادة أن يوضع هذا الشرط في الاتفاقيات التجارية ومسألة إقامة الأجانب.
ثامنا: تفسير المعاهدات وتعديلها
عندما يشوب المعاهدة بعض الغموض أو عدم
الوضوح تحتاج إلى تحديد مضمون النص أو تفسيره خاصة أن المعاهدات تصاغ بعدة لغات وقد
حددت اتفاقية فيينا كيفية التفسير في المادة 31: "تفسر المعاهدة بحسن نية
طبقا للمعنى العادي لألفاظ المعاهدة في الإطار الخاص بها وفي ضوء موضوعها والغرض
منها". الأصل أن أطراف المعاهدة هم أقدر على تفسيرها وعادة ما يتم ذلك في
وزارات الخارجية لدول الأطراف وعند الاختلاف في تفسير المعاهدة يعتبر ذلك في حكم
النزاع الدولي الذي لابد من حله بالطرق السلمية وأهمها القضاء الدولي.
إن كل تنظيم قانوني يستند إلى المصلحة
أو الحاجة إليه فإذا أنتفت تلك المصلحة أو الحاجة وجب التعديل بما يحقق المصلحة
للأطراف المتعاقدة لقد جاء في المادة 39 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات
"يجوز تعديل المعاهدات باتفاق الأطراف وتسري القواعد الواردة في الباب الثاني
على مثل هذا الاتفاق ما لم تنص المعاهدة على خلاف ذلك" والأصل أن التعديل
يتبع نفس إجراءات إبرام المعاهدة إلا إذا نصت على خلاف ذلك ففي المعاهدة الثنائية
يتم التعديل بموافقة الدولتين أما في تلك التي تتعدد أطرافها فلا بد إتباع الإجراءات
الآتية:
- احترام شروط التعديل المنصوص عليها
في الاتفاقية.
- إبلاغ الدول الأطراف باقتراح
التعديل.
- لا يلزم الاتفاق الخاص بالتعديل
الدول التي هي طرف في المعاهدة لكن ليست طرفا في التعديل.
- يمكن لطرفين أو أكثر من أطراف معاهدة
متعددة من أن يتفقوا على تغيير المعاهدة فيما بينهم فقط المادة 41، غير أن ذلك
شروط بالنص عليه في المعاهدة وعدم تأثيره على مراكز الأطراف الأخرى في المعاهدة
ويجب إبلاغ الأخرى به.
تاسعا: انقضاء المعاهدات
تنقضي المعاهدات بطرق مختلفة وهي:
- بناءا على رضا الأطراف.
- بمقتضى نص وارد فيها.
- انتهاء الأجل المحدد في الاتفاقية
واستنفاد الغرض منه.
- تحقق الشرط الفاسخ، أي الإخلال
الجوهري بأحكام المعاهدة.
المادة 41 من اتفاقية فيينا لقانون
المعاهدات لعام 1969.
- إذا ظهرت قاعدة دولية أمرة جديدة
تتعارض مع أحكام الاتفاقية ففي هذه الحالة تنتهي المعاهدة بقوة القانون دون حاجة
الى رضا الأطراف المادة 64.
- التخلي من جانب واحد عن أحكام
المعاهدة (المعاهدة الثنائية). فهو في ظاهرة إخلال بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين
وإذا اتفق الأطراف على ذلك بحسب طبيعة المعاهدة جاز ذلك (المادة 56).
المبحث الثاني: المصادر غير الاتفاقية للقانون الدولي
إلى جانب المصادر الاتفاقية للقانون
الدولي العام، هناك مصادر غير اتفاقية لا تقوم على أساس الاتفاق كما هو الحال
بالنسبة لجل المعاهدات، وتتمثل في المصادر غير الاتفاقية والتي تنقسم إلى مصادر
أصلية ومصادر احتياطية.
المطب الأول: العرف الدولي
يعتبر العرف الدولي من الناحية
التاريخية من أقدم مصادر القاعدة الدولية، وهو في المرتبة الثانية بعد المعاهدات
حسب الترتيب الوارد في المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. وقد كان
العرف الدولي مصدرا لمجموعة كبيرة من القواعد التي شكلت القسم الأكبر من قواعد
القانون الدولي العام المعترف بها، غير أن حركة التقنين قللت من أهميته، إذ أن
كثيرا من الأحكام العرفية تضمنتها الاتفاقيات المبرمة ابتداء من القرن التاسع عشر.
الفرع الأول: تعريف العرف الدولي
هو مجموعة من الأحكام القانونية نشأت
من تكرار التزام دولي في تصرفاتها مع غيرها في حالت معينة بوصفها قواعد تكتسب في
اعتقاد غالبية الدول وصف الالتزام القانوني، والعرف الدولي لا يختلف عن العرف في
القانون الداخلي من حيث تكوينه والزاميته، ولا بد لتكوين العرف الدولي من توفر
ركنين أساسيين هما:
أولا: الركن المادي: يشتمل الركن المادي في سلوك أو تصرف سواء أكان إيجابيا أم سلبيا وتكراره من طرف أشخاص القانون الدولي، وقد يتم التعبير مرة واحدة فقط، فإذا ثبت أن الإرادة الشارعة قد ألتزمت مسلكا معينا في واقعة معينة فهذا يكفي لنشوء العرف الدولي أو القاعدة العرفية متى ثبت أن الإرادة الشارعة انصرفت إلى الالتزام بهذا المسلك.
ولا يكفي أن تأتي الدولة بتلك التصرفات
من جانب واحد بل لا بد أن تأتي الدول الأخرى المعنية نفس السلوك سواء كان إيجابيا
أم سلبيا، أي التصرف يعتبر سلوكا عاما في موضوع العرف، المهم هو الواقعة الجديرة
بتكوين الركن المادي للعرف يجب أن تتسم بالاستمرارية ذاتها في الزمان والمكان
وبصفة العمومية والتجريد. ولا تعني العمومية هنا العالمية وإنما تعني عدم الذاتية
في توجيه السلوك فقد ينشأ عرف بين عدد قليل من الدول ولا ينال ذلك من عموميته.
ثانيا: الركن المعنوي: إن العرف الدولي بمفهومه الواسع ليس قاعدة تلقائية النشوء التكوين بل هي إرادية فالعرف لا يتكون فوق إرادة الدول أو غفلة منها أو رغما عنها على العكس تماما بل ينشأ بإرادة البعض تمثيلا لمصالح الجماعة الدولية، وأن عدم المعارضة لا يتم بشكل عفوي أو بدون وعي وانما بالرضي الضمني،
وعليه فلا بد من تولد الإحساس أن
الشعور بالإلزام لدى المتعاملين بالعرف، أي اعتقاد من يأتي التصرف هذا تطبيقا
للقانون.
1- إثبات العرف: لا يثير العرف أية مشكلة في مسألة
الإثبات إذا أقر أطراف النزاع بوجود القاعدة العرفية، و ربما يقتصر النزاع حول
تفسير القاعدة العرفية وهي مهمة القاضي، أما إذا كان الخلاف حول وجود القاعدة
العرفية ذاتها فإن الجهود تتجه إلى إثبات العرف وهي مهمة ليست سهلة دوما، فقد يقدم
المدعي الأدلة الكافية لوجود القاعدة الدولية العرفية بكل لوسائل الممكنة، وقد
تكون مهمة القاضي سهلة إذا كانت قاعدة في الأعراف العامة والمستقرة، لكن يصعب
الأمر إذا تعلق الأمر بإثبات بعض الأعراف الإقليمية خاصة إثبات الركن المعنوي.
2- تقدير العرف الدولي: العرف يتميز عن المصادر الأخرى كونه
تعبير تلقائي عن إرادة المجتمع الذي يسود فيه. وهي خاصية غير موجودة في التشريع،
كما يمكن أن يكون العرف محليا وهو ما لا يمكن أن يتوفر دوما في التشريع ورغم ذلك
لابد من الإقرار أن العرف لم تعد له تلك الأهمية التي كانت من قبل، فالمجتمع
الدولي في التطور مستمر في كل المجالات مما جعل من المستحيل تكوين عرف دولي جديد،
فالعرف صار عاجزا على مواكبة التطور المتسارع في المجتمع الدولي والقاضي الدولي
صار يلتمس الأحكام من المعاهدات والاتفاقيات الدولية المختلفة. وقد لوحظ أنه ومنذ
إبرام ميثاق الأمم المتحدة لم يصدر حكما واحدا يستند إلى العرف الدولي هذا
بالإضافة إلى عيب الغموض وعيب التحديد يتميز به العرف مما يجعل عملية إثباته صعبة
ومعقدة.
المطلب الثاني: المبادئ العامة للقانون
تحدد الدول بواسطة المعاهدات أو العرف
مضمون حقوقها والتزاماتها، كما يمكنها الإقرار باتفاق مشترك بينها بوجود مبادئ
قانونية توافق على تطبيقها في علاقاتها المتبادلة ويعترف الفقه الدولي بوجود مصدر
ثالث للقانون الدولي العام هو المبادئ العامة للقانون الذي يشكل المصدر الثالث
للقاعدة القانونية الدولية وقد وردت الإشارة إليه لأول مرة في ديباجة اتفاقية
لاهاي الخاصة بأعراف الحرب لعام 1899، حيث تناولها الفقهاء واعتبروها مصدرا
للقواعد الدولية في نظام محكمة العدل الدولية الدائمة ثم في نظام محكمة العدل
الدولية.
الفرع الأول: تعريف المبادئ العامة للقانون
يقصد بالمبادئ العامة للقانون مجموعة
القواعد التي تؤمن بها الدول وتكون صالحة للتطبيق في كل الأنظمة القانونية، أو هي
المبادئ الأساسية التي تشترك في أحكامها وتأخذ بها جماعة الدول ومن الأمثلة عن تلك
المبادئ مبدأ التعسف في استعمال الحق، ومبدأ المسؤولية االتقصيرية، مبدأ المساواة
بين القضاء.
وقد إستقر تغيير المبادئ العامة
للقانون منذ أن ورد في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدائمة التابعة لعصبة الأمم،
يوصفه معبرا عن المبادئ المستمدة من الأنظم القانونية الداخلية للدول وقد أعتبر نص
المادة 38 من النظام الأساسي لمحكم العدل الدولية المبادئ العامة للقانون بأنها
أحد مصادر القانون الدولي.
وقد اشترطت المادة 38 أن يكون المبدأ
معترفا به من قبل الدول المتمدنة ويكون ذلك عبر الإقرار الصريح كأن تتضمنه
قوانينها الداخلية أو تتبناها محاكمها الوطنية، أن يكون الاعتراف ضمنيا بعد الاعتراض
عليه أو النص على خلافه.
الفرع الثاني: الطبيعة القانونية للمبادئ العامة للقانون
لقد أعتبر لفقيه الإيطالي سالفيولي،
المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية أرادت من خلال إدراج المبادئ
العامة للقانون ضمن مصادر القانون الدولي الإشارة إلى اعتبارها الوسيلة لتفسير
قواعد القانون الدولي فقط ، بينما يرى اتجاه أخر من الفقه الدولي أن اعتبار
المبادئ العامة للقانون جزء من المصادر الاحتياطية للقانون الدولي العام وفي
مقدمتهم أنزلوتي أن الإلجاء إلى المبادئ العامة للقانون لا محل له إلا أن لا يوجد
أتفاق أو عرف.
وقد أعتبر جورج سال أن المبادئ العامة
للقانون تأتي في قمة مصادر القانون الدولي العام على أساس أنها تشغل مركزا يضاهي
مركزا للدستور في الدولة، وهذا الرأي يناقض المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة
العدل الدولية،
رغم ذلك فإن كثيرا من فقهاء القانون
الدولي العام المعاصرين اعتبروا المبادئ العامة للقانون مصدرا أصليا من مصادر
القانون الدولي العام، وانه يصطف على قدر من المساواة مع المعاهدات والأعرف الدولية.
أما فيما يخص الطبيعة القانونية
للمبادئ العامة للقانون، فمن الفقهاء من قال أنها لست قواعد قانونية، ولا يلجأ
إليها القاضي إلا لم يجد ما يحكم به في ست قواعد قانونية، ولا يلجأ إليها القاضي
إلا إذا لم يجد ما يحكم به في المصدريين
الأوليين، وهي لا تلتزم إلا الدول الأعضاء في محكمة العدل الدولية التي قبلت
برضاها اختصاص المحكمة، وان تطبق عليها المحكمة هذه المبادئ العامة للقانون لها
قيمة قانونية كباقي المصادر الأخرى، ولا يمكن أن تنفذ في محيط العلاقات الدولية
تنظمها أحكام الدولية سواء باعتبارها شكل أعرافا، أو باعتبارها قيمة قانونية محلية
تطبق عن طريق الاستقبال.
بناء على كل ذلك، فإن المبادئ العامة
للقانون هي مبادئ ملتزمة ، تستمد إلزاميتها من نفس الأساس الذي يقوم عليه الإلزام
في القانون عموما والفرق بينها وبين المصدر الأخرى أنها من استنباط الدول.
وقد انتقد هذا المصدر على أساس أنه غير
محدد وغامض، وان كان مفهوم العدالة إعطاء كل ذي حق حقه إلا أن من الصعب تحديد
مضمون هذا الحق، محدودة تكون على ضوء الفلسفات الإنسانية المتباينة، وهذا يطلق
العنان للبحث في القيم الإنسانية عن محتوى هذه المبادئ التي هي دون شك تجسيد لروح
العدالة الذي هو مطلب كل الأنظمة القانونية لمختلف تنوعها.
لقد طبقت محكمة العدالة الدولية
الدائمة مبدأ احترام المبادئ المكتسبة في قضية "أوسكار شين" بيولندا،
كما أخذت مبدأ عدم جواز اعتبارا القاضي حكما وخصما في ذات الوقت في قضية الموصل،
ومبدأ التعسف في استعمال الحق في قضية المناطق الحرة، وطبقت مبدأ عدم جواز الإدعاء
بما يخالف سلوكا سابقا في قضية مصنع "شورزوف" وسارت محكمة العدل الدولية
على خطى محكمة العدل الدولية الدائمة فقد قامت من جهتها بتبني وتطبيق بعض القواعد
المستمدة من المبادئ العامة للقانون في قضية مضيق "كوفور" عام 1949، حيث
اعتبرت المحكمة أنه في حال استحالة قبولا كل الدلائل القاطعة ـ فإنه يمكن للمحكمة
الاستناد على القواعد المستقرة في الأنظمة القانونية للدول، وهي طبعا المبادئ العامة
للقانون.
المطلب الثالث: الفقه والقضاء كمصادر احتياطية
يساهم فقهاء القانون في إثراء القانون
على العموم والدولي العام على وجه الخصوص، وتعد إسهاماتهم مصدرا احتياطيا من مصادر
القانون.
الفرع الأول: الفقه الدولي
لقد أصطلح الفقه الدولي بدور كبير في
بداية تكوين القانون الدولي، فأرسى الكثير منها وظهر فقهاء كثيرون في هذا المجال
مثل "غروسيوس" و"فاتيل" والفقيه الإسلامي محمد بن الحسنا
لشيباني الذي كان له كتاب بعنوان "السير الكبير" والذي قام بشرحه الإمام
السرخسي في كتابه "المبسوط" كما برز الفقيه الإمام أبو يوسف بكتابه الخراج،
ولم يعد في الوقت الراهن الفقه مقتصرا على الفقهاء الأفراد، بل صار من صلب اهتمام
الجمعيات الدولية. فأصبحت تعقد المؤتمرات الدولية وتصدر المؤلفات مثل معهد القانون
الدولي في بلجيكا الذي تأسس 1773، وجمعية القانون الدولي بلندن والجمعية الأمريكية
للقانون الدولي،
ومجمع القانون الدولي بلاهاي عام 1923
، أما في الوطن العربي فهناك الجمعية المصرية للقانون الدولي.
إن دور الفقه الدولي تقلص في الوقت
الحالي نتيجة لحركة التقنين وإصلاح المؤسسات الدولية بدراسة موضوعات القانون
الدولي، غير أن هذا لا يعني أن الفقه فقد قيمته بل لازالت أراء الفقهاء تغذي
موضوعات القانون الدولي سواء على مستوى الهيئات الرسمية عن طريق طرح مشروعات
المعاهدات والقرارات في القضاء الدولي وحتى الوطني، فالاعتماد على مذاهب الفقهاء و
نظرياتهم في مجال القانون الدولي العام في تحديد مغزى القواعد القانونية ونزع
الالتباس والغموض عنها بما يسهل فهمها.
تساعد أراء فقهاء القانون الدولي في
إنشاء قواعد قانونية جديدة بعد تبني نظرياتهم القانونية في الرأي العام الدولي،
مما يدفع إلى تبني الأفكار الواردة في هذه النظريات من طرف الدول سيما تلك التي
تحظى بإجماع كبير لدى الفقه الدولي فلا يمكن إنكار الجهود الكبيرة لفقهاء القانون
الدولي في تكريس وترسيخ العديد من المفاهيم القانونية وبالتالي استقرار القواعد
القانونية الدولية من خلال العمل بها في العلاقات الدولية وفي مختلف منابر القضاء الدولي، كالقضاء الدولي للبحار،
ونظام المنطقة الاقتصادية الخالصة، ومبدأ التراث المشترك للإنسانة، وقواعد حماية
البيئة البحرية.
لقد ساهم الفقه الدولي في الإرشاد نحو
توضيح المفاهيم القانونية متى كان في شكل مساعي جماعية مثل هو الحال في المجامع
الدولية للقانون سالفة الذكر، وقد نصت المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل
الدولية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة عل اعتبار الفقه الدولي مصدرا احتياطيا من
مصادر القانون الدولي الأمر الذي يعد اعترافا صريحا بدور فقهاء القانون الدولي في
الإرشاد إلى قواعد القانون الدولي العام.
الفرع الثاني: الاجتهاد القضائي
كان للقضاء المساهمة الظاهرة في تكوين
قواعد القانون الدولي العام، وذلك رغم نسبية الأحكام القضائية ومساهمة أحكام
المحاكم في إقرار بعض مبادئ القانون الدولي ومع ذلك فهي لا تكون دليلا مباشرا على
أحكام القانون الدولي ورغم هذا لا يمكن إنكار دور القانون الدولي في تطوير قواعد
القانون الدولي، فهو يمكن أن يساهم في تكوين العرف الدولي، وذلك بتوجيه سلوك الدول
على النحو الذي يؤدي إلى تكوين العرف، بل أن الأحكام القضائية قد ساعدت كثيرا لجنة
القانون الدولي عند تقنينها لأحكام القانون الدولي العام خاصة العرف الدولي،
وتحديد مداها ومضمونها وتفسيرها.
إن الأحكام القضائية المقصودة تقتصر
على المحاكم الدولية، بل يمكن للمحاكم الوطنية أن تساهم في ذلك علما أن الأحكام أو
السوابق القضائية الداخلية ليست ملزمة للقاضي، غير أنه كلما ازداد احترام قاعدة
تضمنها حكم قضائي يتماشى مع مبدأ من المبادئ الأساسية للتنظيم الدولي، كلما ازداد
احترامها والأخذ بها بل أنا لكثير من أحكام المحاكم الدولية قد ساهمت في إنشاء
قواعد دولية قننت معاهدات وسار عليها العمل وفق عرف دولي.
لعل من أهم الأجهزة القضائية الدولية،
محكمة التحكيم الدولية الدائمة التي تأسست عام 1901، ومحكمة العدل الدولية الدائمة
عام 1922، ومحكمة العدل الدولية عام 1946، والمحكمة الإدارية للأمم المتحدة،
ومحاكم نوربورغ الجنائية ومحكمة المنظمات الأوروبية، والمحكمة الدولية لحقوق الإنسان،
والمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998.
إن الأحكام القضائية تعد مصدرا من
المصادر الاحتياطية التي يمكن اللجوء إليها في إبراز الواقعة الدولية كما سبقت
الإشارة إليه وفقا لنص المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. وقد
قيدت المحكمة تطبيق القاضي للأحكام القضائية بنص المادة 59 من نفس النظام، والذي
يجعل أثر هذه المعاهدة يقتصر على أطراف الدعوى فقط دون غيرهم من الأطراف الأمر
الذي يضع أهمية هذا المصدر على المحك في مجال تطبيق قواعد القانون الدولي.
لكن الممارسة الدولية في المجال الدولي
يظهر أن تطبيق الأحكام القضائية يتعدى أطراف الدعوى التي صدرت بموجبها هذه
الأحكام، فالفقه الدولي يرى أن أحكام القضاء والاجتهاد القضائي ليس مقتصرا على
أحكام القضاء الدولي، حيث كما سبق القول أن حتى أحكام القضاء الوطني تساهم في
إظهار القواعد القانونية، نظرا لتساوي الأحكام القضائية الدولية مع الأحكام
القضائية الوطنية في كونهما يتساويان في أنهما مصادر احتياطية للقاعدة القانونية،
إن الاجتهاد القضائي لا يضع القواعد القانونية يل يساهم في الكشف عنها ويتم اللجوء
إليها على سبيل الاستدلال لا غير.
يقوم القضاء بدور مهم في كشف العنصر المالي
للعرف الدولي من خلال السابقة سواء أكان الحكم دوليا أو وطنيا، فأحكام المحاكم
الوطنية هي بمثابة تعبير عن سلوك صادر عن الدولة، ويمكن اعتباره سابقة قضائية،
كذلك هو الحال بالنسبة للحكم الصادر عن القضاء الدولي الفاصل في أي نزاع قائم بين
الدول إذ يمكن أن يكون سابقة دوليو وبالتالي تساعد على الكشف عن عرف دولي متواتر.
ويشترط عدم معارضة أي من الدول لتلك
الأحكام كي ترقى إلى مستوى السابقة القضائية الدولية الكاشفة عن العرف الدولي
متواتر ويشترط عدم معارضة أيا من الدول لتلك الأحكام كي ترقى الى مستوى السابقة
القضائية الدولية الكاشفة عن العرف الدولي، فتواتر تطبيق الدول لتلك الأحكام دون
معارضة أي منها يؤدي حتما إلى نشأة عرف دولي.
المطلب الرابع: مبادئ العدل والإنصاف
أشارت الفقرة الثانية من المادة 38 من
النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية إلى مبادئ العدالة والإنصاف فجاء فيها :
"لا يترتب على النص المتقدم ذكره أي إخلال بها للمحكمة من سلطة الفصل في
القضية وفقا لمبادئ العدل والإنصاف متى وافقت أطراف الدعوى على ذلك".
هذا النص يخول المحكمة بناءا على رضا
الأطراف، استبعاد مصادر القانون الدولي السالفة الذكر والحكم بمقتضى هذا المصدر
مما يفيد أنه مصدر متميز عن تلك المصادر والحقيقة أن هذا النص يحتاج إلى فهم دقيق وقبل
ذلك لا بد من تعريف معنى العدالة والإنصاف حيث يوجد فرق إصلاحي بين العدالة
والإنصاف، فالعدالة تعني تطبيق مبادئ العدل عند الفصل في النزاعات وإعطاء كل شخص
ما يستحقه، أما الإنصاف فهو يعني تصحيح موازين العدل أو حكم العدالة عندما تحول
دون ذلك شكليات العدل. فالعدالة تستند إلى شكليات دليل الإثبات بينما الإنصاف
يعتمد على قناعات تتوفر لدى القاضي ويطمئن إليها ضميره وهي الأخذ بروح العدالة.
إن مبادئ العدل والإنصاف مبادئ عامة
مستقلة عن مبادئ القانون وعلى التشريعات الداخلية فهي شعور طبيعي بالعدالة وقد
عرفت هذه المبادئ في الشرائع القديمة للتخفيف من قسوة القانون الوضعي وسد ثغراته.
فتعبير الإنصاف يعني تطبيق قواعد
العدالة على قضية ما، غير أن الإشكال يبقى قائما بشأن الغموض الذي يكتنف المعيار
الذي يستند إليه القاضي لاستخدام الإنصاف نظرا لعدم دقة هذا المفهوم، لأن العدالة
كما سبق بيانه ليست هي الإنصاف ويعتبر جانب مهم من الفقه الدولي اعتبارا أن
الإنصاف يهدف إما لإجازة القاضي في استكمال قانون قائم كتدخله بعد ثبوت المسؤولية
الدولية في تحديد مقدار التعويض الناجم عن الضرر القائم، وإما في منحه صلاحية
استبعاد قانون ما من التطبيق إذ كان متعارضا مع قواعد الإنصاف.
لما كانت معايير العدالة والإنصاف غير
دقيقة وصعبة التحديد، اكتفى لفقهاء ببيان الأهداف والأدوار التي يقوم هذا المصدر
الاحتياطي للقواعد القانونية الدولية فيما يلي:
- الإنصاف هو وسيلة لتصحيح القانون
الوضعي في الحالات التي يكون فيها تطبيقه شديد التأثير أو غير منصف لجميع الأطراف.
يمكن أن يلجأ القاضي إلى قواعد العدالة
والإنصاف في الحالات التي لا يحدد فيها القانون الوضعي الالتزام بالتعويض مثال:
تعويض الأطراف المحايدة المتضررة في الحروب أو الأضرار التي تصيب الأجانب في
الحروب الأهلية.
قواعد العدالة والإنصاف هي وسيلة
لاستكمال القانون الوضعي عند ثبوت قصور قواعده في تنظيم مسألة معينة أو سكوته عنها
مطلقا لكن بشرط قبول أطراف الدعوى بذلك. إن اللجوء إلى مبادئ العدل والإنصاف يقتضي
التمييز بين حالتين:
أولا: حالة أتفاق الأطراف على اللجوء
إلى قواعد العدالة والإنصاف
لابد أن يكون الاتفاق ذلك بإرادة صريحة
من الأطراف، ويتحقق ذلك إما بالنص على شروط خاصة تسمى شروط الحكم بالإنصاف في
الاتفاقية التي تعقدها تلك الأطراف أو أن تنص الاتفاقية تلك صراحة على الحكم بقواعد الإنصاف، وفي هذه
الحالة يكون اللجوء إلى قواعد الإنصاف إلزاميا على القاضي العمل به، ومثال ذلك
المادة 12 من اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بالمسؤولية عن الأضرار التي تسببها
الأحكام القضائية لعام 1972 والتي تنص على "يحدد مقدار التعويض وفقا للقانون
الدولي ومبادئ العدل والإنصاف".
ثانيا: حالة اللجوء إلى قواعد الإنصاف
دون إتفاق مسبق بين الأطراف
هنا يركز الفقه الدولي على أن الإنصاف
صفة من صفات القانون الدولي العام وبالتالي ينبغي الحكم به حتى لا يكون القانون
جائرا لذلك يذهب جانب من الفقه الدولي إلى تأييد حكم القاضي بقواعد الإنصاف وعدم
الالتزام بقواعد القانون إذ كان جائرا لكن هذا الرأي يبقى صعب القبول، إذ أنه ليس
من اليسير مخالفة القاضي لقواعد القانون السارية المفعول رغم ثبوت جورها وعدم
تحقيقها للعدالة، فهنا كل ما باستطاعة القاضي فعله هو التخفيف من وطأة (حدة
القانون الجائر)، والبحث عن تسوية عادلة ترضي أطراف النزاع القائم.
المطلب الخامس: قرارات المنظمات الدولية
لم تشر المادة 38 من محكمة العدل
الدولية إلى قرارات المنظمات الدولية كمصدر للقاعدة القانونية الدولية، ولكن
سكوتها عنة هذا المصدر لا يعني أنه من الأحوال استبعاده لأنها لم تذكر ملك المصادر
على سبيل الحصر. ويقصد بقرارات المنظمات الدولية كل ما يصدر عن الجهاز التشريعي أو
التنفيذي لمنظمة دولية بغض النظر عن محتواه أو شكله أو التسمية التي تطلق عليه
والإجراءات المتبعة في إصداره.
لقد ثار جدال فقهي حول مدى إلزامية
القرارات الصادرة عن المنظمات الدولية ومدى اعتبارها مصدرا للقاعدة الدولية فهناك
جانب من الفقه الدولي ينكر صفة المصدر على قرارات تلك المنظمات بناءا على نص
المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية التي لم تشير إلى هذا المصدر
وأنها لا تعد أن تكون قرارات صادرة عن هيئات سياسية كما أنها تفتقد إلى الصفة
الإلزامية لأنها تستند إلى الأصل إلى المعاهدة المنشأة للمنظمة، فهي إذن ليست سوى
قرارات تنفيذية وسندهم في ذلك رأي محكمة العدل الدولية الدائمة الذي جاء فيه
"القواعد القانونية للدول هي تلك التي تصدر عن حر إرادتها كما عبرت عن ذلك
الاتفاقيات الدولية أو بواسطة العادات التي جرت الدول على إيتيانها تعبيرا عن
القواعد القانونية وهو نفس ما عبر عنه الأمين العام للأمم المتحدة عند تعرضه للقوة
الإلزامية للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن و خاصة القرار رقم 242 بخصوص العراق.
وفي نفس السياق هناك من يعتبر قرارات
المنظمات الدولية مجرد تأكيد للمبادئ القانونية الواردة في المواثيق التي تحكم
نشاط هذه المنظمات بينما يرى الرأي الأخر أن هذه القرارات تشكل مصدرا مستقلا من
مصادر القانون الدولي العام، وأن نص المادة 38 سالفة الذكر حدد مصادر الأحكام وليس
مصادر القانون الدولي العام ككل، وبالتالي فمصادر القانون الدولي التي حددتها تلك
المادة يفسح المجال لإدخال إعمال الإرادة المنفردة و قرارات المنظمات الدولية
كمصدر من مصادر القانون الدولي أو كمصادر إضافية وهي إن كانت غير ملزمة للدول
الأعضاء إلزام المعاهدات والعرف الدولي إلا أنها لا يمكن تقديمها كبرهان على عدم
وجود الدليل أمام هيئات التحكيم الدولية ومحكمة العدل الدولية.
وينسجم هذا الرأي مع حكم محكمة العدل
الدولية في رأيها الاستشاري عام 1971 في قضية ناميبيا الذي جاء فيه "ليس
صحيحا الافتراض أن الجمعية العامة التي تتمتع مبدئيا بسلطة إصدار توصيات لا يمكنها
أن تصدر في حالات معينة قرارات تدخل ضمن اختصاصها لها صفة القرارات الملزمة".
المبحث الثالث: أشخاص القانون الدولي العام
إن أشخاص القانون الدولي العام هم
الذين يخاطبون بأحكام قواعد القانون الدولي العام، ويرى أنصار النظرية التقليدية
في القانون الدولي أن الدولة هي الشخص القانوني الوحيد المخاطب بأحكام القانون
الدولي. وبظهور المنظمات الدولية وممارستها لبعض واجباتها وحقوقها على المستوى
الدولي والإقليمي استوجب الإقرار لها بالشخصية القانونية الدولية، أما الفرد فكان
مجرد محل لقواعد القانون الدولي وأصبح مخاطبا بقواعده مباشرة.
المطلب الأول: الدولة
لقد شكلت الدولة منذ نشأتها ظاهرة
اجتماعية وقانونية، وكيانا سياسيا فمدلول الدولة يرتبط أساس بوجود القانون وهو ما
يميزها عن الكيانات الأخرى.
الفرع الأول: تعريف الدولة
لقد تعددت التعريفات الخاصة بالدولة
وتشعبت لكونها ظاهرة اجتماعية وسياسية وتاريخية في ذات الوقت، فكل طرف حاول إعطاء
تعريف لها من جانبه فالدولة تشكل عملية تاريخية اجتماعية وسياسية وسيكولوجية
مرتبطة بحياة الشعوب وتطورها. وقد عرف الدكتور علي صادق أبو هيف الدولة عل أنها:
"مجموعة من الأفراد يقيمون بصفة دائمة في إقليم معين وتسيطر عليهم هيئة حاكمة
ذات سيادة".
وعرفها الأستاذ الدكتور عزيز شكري
بأنها مؤسسة سياسية وقانونية تقوم حين يقطن مجموعة من الناس بصفة دائمة في إقليم
معين وتسيطر عليهم هيئة حاكمة ذات سيادة وعرفها الدكتور محمد سعيد الدقاق بأنها
تجمع بشري يقيم على وجه الدوام بنية الاستقرار فوق إقليم معين وتقوم بينهم سلطة
سياسية تتولى تنظيم العلاقات داخل هذا المجتمع كما تتولى تمثيله في مواجهة
الآخرين.
من خلال مجمل التعاريف نستنبط أن
مقومات الدولة الشعب، الإقليم والسلطة السياسية التي تفرض سيادتها داخليا وخارجيا.
أولا: الشعب
الشعب هو مجموعة بشرية تكون الدولة وهم
هؤلاء المتواجدون على أرض الدولة أو خارجها بغض النظر عن عددهم و تجمع بينهم رابطة
ولاء للهيئة الحاكمة ويخضعون للقوانين مقابل تمتعهم بالحماية بصرف النظر عن أصلهم
العرقي أو اللغوي أو الديني وهذه الرابطة هي الجنسية التي تعطي للمواطنين صفة
الرعايا وبالتالي يتمتعون بمجموعة من الحقوق يتحملون مجموعة من الالتزامات داخل
الإقليم وخارجه.
ويضم الإقليم زيادة عن الرعايا أشخاص
آخرين لا ينسبون إلى الدولة ولا تربطهم بها سوى رابطة الإقامة على الإقليم وهم
الأجانب، هم كذلك يتمتعون بحقوق وعليهم التزامات تختلف في ماداها عن تلك التي
يتمتع بها المواطنون كتولي الوظائف العامة التي هي حكر على المواطنين على الأجانب
والقيود فيما يخص الملكية والدولة هي من تعطي صفة المواطن وصفة الأجنبي للسكان
القاطنين فوق إقليمها.
ثانيا: الإقليم
للإقليم عدة عناصر يشتمل عليها، فهي
بقعة الأرض بما فيها وما عليها من أنهار وبحيرات وما في باطنها من معان ومواد
طبيعية، وكذلك طبقات الجو والبحر بشتى مناطقه.
1- الإقليم البري: هي اليابسة وما يجري عليها من أنهار
وبحيرات وما في باطنها من معادن وثروات طبيعية.
2- الإقليم البحري: هي كل مساحة البحر في حدود البحر
الإقليمي، تبسط الدولة عليه سيادتها وفق القانون الدولي للبحار واتفاقية الأمم
المتحدة للبحار عام 1982.
3- الإقليم الجوي: هو كل طبقات الجو التي تعلو الإقليم
البري والبحري وهو ما نظمته الاتفاقيات الدولية في هذا الشأن.
هناك عدة طرق لاكتساب الإقليم نذكر
أهمها:
1- الفتح: هو وسيلة ضم إقليم بعد القضاء الكلي
الوجود القانون للدولة صاحبة الإقليم، وانتقال سيادة الإقليم إلى الدولة المنتصرة
في الحرب أو الغزو لكن منذ مجيء هيئة الأمم المتحدة تم تحريم اكتساب الإقليم عن
طريق الفتح في الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة.
2- الحيازة أو الاستيلاء: هو وضع يد دولة على إقليم ما بنية
الاستيلاء عليه على أن تكون غير مشمولة بأية سيادة من قبل دولة أخرى وهو عمل تقوم
به وليس عمل أفراد أو جماعات خاصة وفي هذا المجال ظهرت نظرية الاكتشاف وهي تقول
بثبوت السيادة للدولة على الإقليم الذي يكون لها السبق على إكتشافه. ولا بد أن
تكون الحيازة فعلية إلا أن الحيازة فقدت مكانتها في العلاقات الدولية إذ لم يعد
هناك إقليم شاغر يتم إكتشافه والاستيلاء عليه.
3- الإضافة: تعني ضم الدولة لبعض التكوينات
الإقليمية التي تنشأ بفعل عوامل طبيعية إلى اصطناعية إلى إقليمها كالإضافات التي
تنشأ من السدود أو أرصفة على السواحل فهذه الزوائد تصبح جزء من الإقليم بمجرد
نشوؤها وقد نشأ خلاف بين دولتي تشاد والنيجر حول جزر نشأت في بحيرة تشاد أواخر
1983.
4- التنازل: هو أن تتخلى دولة عن إقليم أو جزء من
إقليم يقع تحت مصادرتها وذلك بمقتضى اتفاق بينهما، كما يمكن أن يكون ذلك التنازل
بمقتضى تعويض مالي كبيع نابليون مقاطعة لزيزيانا للولايات المتحدة الأمريكية عام
1803 لقاء 60 مليون فرنك، بدون مقابل نتيجة خضوع المغلوب للغالب كتنازل فرنسا
بموجب معاهدة فرانكفورت لعام 1871 عن إقليم الإلزامي واللورين لصالح ألمانيا.
5- التقادم: هو وضع اليد على إقليم دولة بصورة
مستمرة وعلنية دون انقطاع ودون احتجاج أيه دولة أخرى صاحبة الإقليم الأصلية وهذا
الأسلوب هو نفسه أسلوب اكتساب الملكية في إطار القانون الخاص يمكن اعتبار بسكوت
بمثابة رضا ضمني للدولة عند فقدها للإقليم موضوع التقادم وفي حال ظهور الاحتجاج
أكد التعامل الدولي على وجوب الأخذ بالظروف المحيطة بالإقليم وكثافة استمرارية
ووضع اليد عليه وذلك بتهديد الحدود بين الإقليم والدولة الأخرى المحتجة عليه.
ثالثا: السلطة السياسية
هي هيئة منظمة تقوم بالإشراف على
الرعايا ورعاية مصالحهم، وان تقوم تشكيل نظام حكم يعمل على تمثيل الدولة في المجال
الدولي والدفاع على الإقليم لذا فهذه الهيئة المحاكمة تملك القوة والنفوذ على
الإقليم وعلى الأشخاص وهذا السلطانة يسمى في القانون الدولي "السيادة".
هناك بعض الصفات لابد ان تتوفر في
السلطة الحاكمة لتكون قادرة على القيام بمهامها وهي:
1- أن تمارس صلاحياتها بصفة
فعلية.
2- ممارسة الصلاحيات على كل النشاطات
في الدولة.
3- فرض ما تفرضه من قرارات دون المرور
على هيئات أخرى.
4- السلطة تتولى تنظيم أداة الحكم
وتقوم بإدارة الإقليم وبمهمتي التشريع والقضاء.
الفرع الثاني: نشأة وأشكال الدولة
لقد شهد القرن العشرين موجة استقلال
كبيرة بين الدولة نتيجة لظهور مبدأ تقرر المصير الذي أدى إلى انفصال دول كثيرة واستقلال
الدول المستعمرة، وبهذا انحل الإتحاد السوفيتي، وحصول دول على استقلالها السياسي،
وتتمتع الدول المستقلة بهذا الوضع الجديد.
وتنقسم الدول من حيث نشأتها إلى دول
بسيطة ودول مركبة، والى دول كاملة السيادة وأخرى ناقصة السيادة، ومن حيث النظام
السياسي إلى ملكية مطلقة وملكية دستورية، والى جمهوريات.
أولا: الدول البسيطة والدول
المركبة
هي الدولة التي تتول إدارة شؤونها
الداخلية والخارجية حكومة واحدة، وأغلب الدول بسيطة كفرنسا، وبلجيكا وايطاليا، أما
الدول المركبة فتتكون من عدة كيانات مرتبطة مع بعضها البعض بحيث تظهر للمجتمع
الدولي كأنها دولة واحدة. وقد برر شؤون هذا النوع من الدول إحساسها بأهمية التضامن
والقوة في مجال العلاقات الدولية، ولقد عرف القانون الدولي عددا من الاتحادات
أهمها:
1- الإتحاد الشخصي: وهو اجتماع دولتين تحت عرش واحد مع
احتفاظ كل منهما باستقلالها الداخلي والخارجي وتجمع هذا الإتحاد وحدة الأسرة
المالكة، ولا باستقلالها الداخلي والخارجي وتجمع هذا الإتحاد وحدة الأسرة المالكة.
ولا يكون الإتحاد شخص دولي جديد بل تبقى الدولتان تحتفظان بشخصيتهما الدولة
المستقلة.
2- الإتحاد الفعلي: هو قيام دولتين باتحاد دائم تحت حكم
رئيس واحد وتخضع لسلطة واحدة خارجيا مع احتفاظ كل منهما على إدارة شؤونها
الداخلية، فالدول الذي تتخذ اتخذا فعليا تقصد شخصيتها الخارجية وتندمج شخصيتها
الدولية في شخص الإتحاد الذي يصبح نائبا عنها في العلاقات الدولية الخارجية.
3- الإتحاد الفيدرالي: هو نظام دائم يتكون من مجموعة من
الدول تخضع بموجب الدستور الإتحاد لحكومة عليا واحدة تباشر سلطاتها على حكومات
ورعايا الدول الأعضاء وتسيطر سلطة الإتحاد على كل مظاهر السياسة الخارجية في إبرام
المعاهدات واعلان الحرب والتمثيل الدبلوماسي وتحمل المسؤولية الدولية ومن أمثلة
الإتحاد الفيدرالي الولايات المتحدة الأمريكية.
ثانيا: الدول ذات السيادة الكاملة
هي الدول التي تخضع إلى إشراف ورقابة
دول أجنبية في علاقاتها الخارجية مع الدول الأخرى، إما داخليا فهي دولة حقوق
وعليها واجبات، وقد عرف هذا الوضع القانوني في ظل الدول الاستعمارية التي فرضت هذا
النظام القانوني إما باحتلال أو انتداب أو وصاية مورست على الدول الضعيفة وهو
الوضع الذي تقلص بعد الحرب العالمية الثانية ونشوء هيئة للأمم المتحدة التي أقرت
مبدأ المساواة بيم كامل الدول.
رابعا: الدول المحايدة
الحياة بدوره وضع قانوني، تنفيذ الدول
بناءا على إرادتها أو بمقتضى معاهدة وبعض مظاهر السيادة الخارجية، كبقائها محايدة
عسكريا والحياد أنواع.
1- الحياد المؤقت: هو بقاء الدولة بعيدة عن نزاع مسلح
قائم بين دولتين أو أكثر مقابل عدم إجبارها على الدخول في هذا النزاع، ويمكنها
إنهاء هذا الحياد متى رأت ضرورة لذلك، مثال الولايات المتحدة الأمريكية واليابان
في بداية الحرب العامية الثانية.
2- الحياد الدائم: هي حالة قانونية تضع الدولة نفسها
فيها بناءا على نص دستوري أو بموجب معاهدة يترتب عنها تقييد اختصاصاتها الخارجية
من تحالف أو إعلان الحرب وذلك بمقابل ضمان سلامتها. ولعل الهدف من هذا النظام
القانوني هو حماية الدول الضعيفة من سيطرة الدول القوية مثال: دولة سويسرا، بلجيكا
والنمسا.
2- الحياد الإيجابي: هو نظرية سياسية وليست قانونية ترفض
بموجبها دولة ما الانحياز إلى معسكر من التكتلات الدولية وتصر على إتباع سياسة حرة
تمليها عليها المصلحة الوطنية، وكان الفضل لابتداع هذا النوع من الحياد رأي وزراء
الهند "نهرو" وتبعته كثير من الدول العربية.
الفرع الثالث: حقوق الدول واجباتها
لقد اختلف الفقهاء حول أساس حقوق
الدول، فمنهم من يرى أنها تستند الى القانون الطبيعي وآخرون يرون أن مصادرها إرادة
الدول والضرورة الاجتماعية مهما يكن فهناك حقوق لا يمكن تصور وجود الدول بدون إقرارها
وأهمها:
أولا: حق البقاء: للدولة مطلق الصلاحية في المحافظة على
وجودها ودفع كل خطر داهم داخلي أو خارجي يهدف إلى زعزعة كيانها، فداخليا تحافظ على
نظامها السياسي ودستورها والمنع والتعدي على حودها أما خارجيا فللدولة حماية نفسها
من الاعتداءات الخارجية وتعقد أحلاف عسكرية لحماية حدودها ومن مظاهر حق
إلقاء:
- حق الدفاع الشرعي وفقا للمادة 51 من
ميثاق الأمم المتحدة.
- حق منع التوسع العدواني.
ثانيا: حق الحرية والاستقلال: هو حق يكفل للدولة التصرف في شؤونها
الداخلية والخارجية وممارستها سيادتها واستقلالها بمحض اراداتها دون ان تخضع لإرادة
دولة أخرى فقط تتقيد الدولة في استعمال حريتها في حدود لا تمس بحقوق وحرية الدول
الأخرى.
ثالثا: الحق في المساواة: كل الدول ذات السيادة تعتبر متساوية
أمام القانون الدولي العام، فهي كلها تتمتع بنفس الحقوق فهي متساوية مساواة
قانونية تامة و قد نص ميثاق الأمم المتحدة على هذا المبدأ ورسخه، ومن بين نتائج
المساواة القانونية بين الدول ما يلي:
- لا تملي دولة ذات سيادة على دولة
أخرى إراداتها أو تتحكم فيها.
- لكل دولة حق التصويت في المؤتمرات
الدولية التي تشترك فيها.
- لكل دولة الحق في استعمال لغتها
الوطنية في المفاوضات الدولية وعقودها الدولية.
- يذكر اسم كل دولة في المؤتمرات
والمعاهدات وهذا حق ثابت.
لا تخضع أية دولة في تصرفاتها لقضاء
دولة أجنبية إلا في حالة استثنائية مثل قبول الاختصاص القضائي العالمي.
أخيرا لابد من الإشارة أن هذه المساواة
القانونية غير موجودة على أرض الواقع في العلاقات الدولية، فالمعيار المستخدم بين
الدول هو معيار القوة وهذا لا يخدم الإنسانية بتاتا.
رابعا: حق الاحترام المتبادل: هو نتيجة حتمية للمساواة القانونية
بين الدول فلابد أن تحترم كل الدول بعضها مراعاة لكيانها ومركزها السياسي ويكون
هذا الاحترام:
- احترام كيان الدولة المادي.
- احترام مركز الدولة السياسي.
- مراعاة كرامة الدولة واعتبارها.
واجبات الدول:
من طبيعة الحقوق أنها تقابل بواجبات،
وهي ما تسمى في القانون الدولي بالواجبات القانونية أما الحقوق التي لا تقابلها
واجبات فتسمى واجبات أدبية.
ومن أهم الواجبات القانونية:
- تقديم المساعدة للدولة المتضررة من
كارثة طبيعية.
- إنقاذ الدولة التي تتعرض لأزمة
اقتصادية.
- التكافل الدولي في مجال محاربة
الجريمة لدولية.
- إسعاف السفن والطائرات التي تتعرض
للعواصف.
أما الواجبات القانونية فأهمها:
- واجب تسوية النزاعات الدولية بالطرق
السلمية.
- واجب تقديم المساعدة للأمم المتحدة
لتحقيق الأمن الجماعي.
- واجب عدم التدخل في الشؤون الداخلية
للدول.
- واجب احترام حقوق الإنسان.
الفرع الرابع: زوال الدول
ينتهي وجود أي دولة دوليا بفقدانها
لسيادتها واستقلالها طوعا أو كرها لصالح دولة أو دول أخرى، وقد يكون زوال دولة
مؤقتا بفعل غزو أو استعمار خارجي وإذا عاد إليها استقلالها عاد إليها مركزها
القانوني الدولي مثلما حدث في إثيوبيا حينما استعمرتها دولة ايطاليا وعادت لها
شخصيتها القانونية بانهزام ايطاليا في الحرب العامية الثانية.
أما الحديث عن المتغيرات الإقليمية
التي قد تتعرض لها الدولة في أثناء وجودها فهي كثيرة جدا من أهمها:
- اندماج عدة دول في دولة واحدة
بسيطة.
- تفكك الدولة الواحدة وانحلالها جراء
حرب أو ثورة.
- انفصال بعض الأقاليم عن الدول التي
كانت تتعبها أو جزء منها كانت خاضعة للانتداب أو الحماية أو الوصاية.
- انقسام الدولة الواحدة على نفسها و
تحولها إلى دولتين أو أكثر.
- إلحاق جزاء من إقليم الدولة بإقليم
دولة أخرى، وانفصال هذا الجزء وانفصاله عن دولة الأصل.
أولا: التغيرات التي تتناولها
المعاهدات:
عندما ينفصل جزء من إقليم الدولة فلا يؤثر ذلك على مركزها الدولي ولا في التزاماتها
الدولية، أما الإقليم المنفصل لا يقوم بتنفيذ المعاهدات كمعاهدات التحاف والحياد
ومنح القواعد العسكرية والإبقاء على المعاهدات التي نص على ذلك صراحة بان الإقليم
المنفصل ذاته لا تسري في حقه، كحقوق الارتفاق ومعاهدات الملاحة في البحار أو
الأنهار أو المضايق.
ثانيا: التغيرات التي تتناول الديون
العامة: من
المستقر في المعاملات الدولية أن ديون الدولة الزائلة لا تسقط بزوالها وإنما
تنقل بكاملها إلى ذمة الدولة التي ضمتها إليها وهذا مقابل ما يعود على هذه الدولة
من الفائدة نتيجة ضمها هذا الإقليم الجديد وحصولها على موارده. فالديون العامة
اقترضتها الدولة التي زالت لصالحها واستفاد منها كل رعاياها وكل أجزاء إقليمها دون
استثناء.
لقد التزمت معاهدة فرساي كل دولة انتقل
إليها جزء من الإمبراطورية الألمانية برفع نصيب من ديون الإمبراطورية. وقد رفضت
دول أخرى هذه القاعدة منها الولايات المتحدة الأمريكية بعد انفصالها عن بريطانيا
والإتحاد السوفيتي السابق الذي رفض انتقال الديون العامة بعد ضمه لدول البلطيق عام
1940.
ثالثا: التغييرات التي تتناول الأملاك: تشمل أملاك الدولة الأملاك العامة
والخاصة فأما الملاك الخاصة وحقوق الامتياز الخاصة بالأفراد التي منحتها الدولة
قديما فلا تتأثر باستقلال الإقليم المنفصل فتبقى تلك الملكية محترمة من الدولة
الضامة أما الأملاك العامة المتعلقة بالدولة فتنتقل جميعها إلى الدولة التي ضمتها
ومنها الطرق والجسور والمؤسسات الحكومية.
رابعا: التغيرات التي تتناول التشريع و
القضاء:
يخضع الإقليم المنظم إلى دولة أخرى والى القانون الدستوري لتلك الدولة ولنظامها
السياسي دون اي اجراء أو نص خاص أما لقوانين المدنية والإدارية والمالية و الجزائية
فيجب اتخاذ إجراءات تشريعية لتطبيقها على الإقليم ينشر في الجريدة الرسمية ليطلع
السكان عليها، و يتم احترام حقوق الأشخاص المكتسبة وكذلك الشركات الأجنبية. أما
فيما يخص القضاء فلا بد من التفريق بين الدعاوى المدنية والدعاوى الجزائية،
فالدعاوى المدنية التي لم يصدر فيها حكم نهائي تصبح من اختصاص قضاء الدولة
الجديدة، أم الدعاوى الجزائية فتقوم الدول بتوقيع معاهدات واتفاقيات خاصة بها يجرى
تطبيق القواعد العامة.
خامسا: التغييرات التي تمس جنسية
السكان:
بانفصال الإقليم يفقد سكانه جنسيتهم الأولى ويكتسبون جنسية الدولة التي انضموا
إليها وقد جرت العادة على ان يمنع سكان العالم الاختيار بين البقاء على جنسيتهم
الأولى أو اكتساب جنسية الدولة التي انضموا إليها وقد قررت معاهدة 1871 بين
ألمانيا وفرنسا بشأن ضم الالزاس واللورين إلى ألمانيا وترك الحرية للسكان في
الحفاظ على جنسيتهم الفرنسية.
المطلب الثاني: المنظمات الدولية
كون الإنسان الأسرة ثم القبيلة ثم
الأمة والدولة، وأدرك أن وجوده في الأرض يتطلب و ضع حد للنزاعات والصدام بين الدول
وضرورة تعزيز التعاون في كل مجالات الحياة فالعالم ينقسم إلى وحدات متكاملة لا بد
من تعاونها ولا يمكن للدولة مهما كانت إمكانياتها أن تدعي الاكتفاء الذاتي.
لقد نشأت عدة منظمات دولية في إطار
تطوير التنظيم الدولي ومنها ذات طابع عالمي ومنها إقليمية وأخرى طابعها عقائدي، و
لعل أهم منظمة على الساحة الدولية هي منظمة الأمم المتحدة التي نشأت في 24 أكتوبر
عام 1945 بعد تصديق الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفييتي والصين
وبريطانيا وبقية الدول الموقعة على ميثاق المنظمة والأمم المتحدة لا تسن القوانين
ولكن توفر سبيل حل النزاعات الدولة والحفاظ على السلم والأمن الدوليين الذي هو من
أهم مبادئها.
ومن الأهداف الرئيسية لمنظمة الأمم المتحدة
ما يلي:
- المحافظة على السلم والامن الدوليين.
- تنمية العلاقات الودية بين الدول.
- تحقيق التعاون الدولي في كافة
المجالات.
- تحسين مستويات المعيشة وحقوق
الإنسان.
الفرع الأول: أجهزة الأمم المتحدة
لمنظمة الأمم المتحدة أربعة أجهزة
رئيسية هي:
- الجمعية العامة.
- مجلس الأمن.
- المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
- مجلس الوصاية.
والمادة الرابعة تثبت عن طريقها
العضوية لأنها دولة محبة للسلام بقرار من الجمعية العامة بناء على توصية من مجلس
الأمن.
أولا الجمعية العامة: تمثل كل الدول في هذا الجهاز تجتمع
دوريا للنظر في أهم المشاكل العالمية المطروحة على الساحة الدولية، ولكل دولة صوت
واحد، وتتخذ التوصيات في المسائل الهامة كتلك التي تهم السلم والأمن الدوليين
وتعقد الجمعية العامة دورتها العادية كل سبتمبر ولها أن تعقد دورة استثنائية إذا
لزم الأمر.
1- مهام وسلطات الجمعية العامة: ومن مهامها بموجب ميثاق الأمم المتحدة
ما يلي:
- النظر في المبادئ العامة للتعاون في
حفظ السلام والأمن الدوليين بما في ذلك من نزع السلاح وتنظيم التسليح.
- مناقشة أية مسألة تدخل في نطاق
الميثاق.
- إجراء دراسات، إصدار توصيات لتعزيز
التعاون السياسي ومسائل حقوق الإنسان والتعاون الاقتصادي والاجتماعي والسياسي
والصحي ومجال التعليم.
- إصدار توصيات لتسوية النزاعات بالطرق
السلمية.
- تلقي تقارير من مجلس الأمن وسائر
هيئات المنظمة.
- النظر في ميزانية المنظمة.
- إنتخاب أعضاء مجلس الأمن غير
الدائمين.
2- اللجان الرئيسية:
- لجنة نزع السلام والأمن الدولي.
- اللجنة الاقتصادية والأممية.
- اللجنة الاجتماعية والإنسانية
والثقافية.
- لجنة المسائل السياسية الخاصة بإنهاء
الاستعمار.
- لجنة الإدارة والميزانية.
- اللجنة القانونية.
ثانيا: مجلس الأمن: توكل مجلس الأمن أهم مهمة للمنظمة ألا
وهي مهمة الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وذلك بموجب الميثاق، وهو يعمل بدون
انقطاع ويجب أن يكون ممثل عن كل واحد من أعضائه موجودا في مقر المنظمة طوال الوقت
عندما تصل المجلس شؤون تتعلق بالمساس بالسلم والأمن الدوليين، يقدم توصية إلى
الأطراف من أجل حل النزاع سلميا، ويمكن له أن يقوم كذلك بمهمة الوساطة وكذلك له أن
يعين ووسطاء أو بطلب ذلك من الأمين العام للمنظمة في إطار القيام بالمساعي الحميدة.
أما إذا تطور النزاع إلى مرحلة القتال
يعمل المجلس على وقف الاقتتال بأسرع وقت والحد من توسع رقعته كما يجوز للمجلس ان
يوقع جزاءات غير عسكرية كالحصار الاقتصادي أو اتخاذ تدابير عسكرية.
1- المهام والسلطات:
- المحافظة على السلم والامن الدوليين
وفقا لمقاصد منظمة الأمم المتحدة.
- التحقيق في النزاعات بين الدول التي
قد تؤدي إلى نزاعها دوليا.
- تقديم توصيات بشأن تسوية النزاعات أو
بشرط التسوية.
- دعوة الأعضاء إلى تطبيق الجزاءات
الاقتصادية التي تستبعد استعمال القوة لصد العدوان.
- اتخاذ إجراءات عسكرية ضد
المتعدي.
- تقديم توصيات للجمعية العامة بشأن،
انتخاب الأمين العام، والقيام مع الجمعية العامة بانتخاب الأمين العام للمنظمة
وكذا انتخاب قضاة محكمة العدل الدولية.
- التوصية بقبول الأعضاء الجدد في
محكمة العدل الدولية وبشأن الشروط التي تجيز للدول أن تصبح أطرافا في النظام
الأساسي لمحكمة العدل الدولية.
2- اللجان الدائمة:
- لجنة الخبراء المعينة بالنظام
الداخلي.
- اللجنة المعنية بقبول الأعضاء الجدد.
ثالثا: المجلس الاقتصادي والاجتماعي: يعمل هذا الجهاز على التنسيق بين
وكالات الأمم المتحدة المتخصصة التي عددها 14، فضلا عن عشرة لجان فنية، وخمس لجان
إقليمية ويتلقى تقارير من 11 صندوق و برنامج للأمم المتحدة كذلك يصدر على المجلس
توصيات في مجال السياسة العامة للمنظمة والدول الأعضاء، وبمقتضى ميثاق المنظمة
يعمل هذا المجلس على توفير مستوى أحسن للمعيشة لكل فرد، وهو يسهر على النهوض
بالتطور الاقتصادي والاجتماعي وتسهيل الحلول للمشاكل الاقتصادية الدولية، وتقرير
التعاون الدولي في مجال الثقافة والتعليم.
تنتخب الجمعية العامة أعضاء المجلس 54
لفترات متداخلة من ثلاثة أعوام و يراعى التمثيل التقسيم الجغرافي للدول: 14 مقعدا
لإفريقيا،11 لأسيا ،6 مقاعد لأوروبا الشرقية، و10 مقاعد لأمريكا اللاتينية،13 مقعد
لأوروبا الغربية وينتخب المجلس الاقتصادي والاجتماعي بكامل أعضائه مكتب المجلس
يعمل على جدولة برامج العمل واقتراحها بدعم من الأمانة العامة.
رابعا: محكمة العدل الدولية: أنشأت
عام 1946 مقرها بلاهاي، تتكون من 15 قاضيا، تشترك الجمعية العامة ومجلس الأمن في
انتخابهم بشكل مستقل، ويشكل النظام السياسي لمحكم العدل الدولي جزء من الميثاق
الأمم المتحدة.
1- تشكيل المحكمة: تتكون المحكمة من 15 قاضيا ينتخبون
لمدة تسع سنوات قابلة للتجديد، وهم لا يمثلون أحدا ولا يخضعون لأحد، يختارون
لكفاءتهم في المجال القانوني، وينتخبون بواسطة الجمعية العامة ومجلس الأمن من
قائمة يعدها الأمين العام ولا يجوز انتخاب أكثر من قاضي من بلد واحد، ولا بد أن
يكونوا يمثلون للحضارات الكبرى والنظم القانونية الرئيسة في العالم.
2- إختصاص المحكمة: تختص المحكمة بالنظر في القضايا
المطروحة عليها من طرف الدول الأعضاء فقط ولا تنظر في قضايا يرفعها الأطراف من
هيئات عامة أو خاصة مهما كانت طبيعتها، كما لا تنظر في أية قضية من تلقاء نفسها بل
لا بد من رفعها من ظرف الجهتين المتنازعتين معا، فلا تفصل في قضية رفعها طرف واحد
فقط ويشترط لفصلها في النزاع ما يلي:
- حصولها على موافقة كتابية من أطراف
النزاع معا لإحالة القضية عليها.
- أن يكون هناك اتفاق أو معاهدات بين
دولتين أو أكثر ينص على أن محكمة العدل الدولية تختص بالنظر في أي نزع يثور بين
الأطراف بمناسبة تطبيق أو تفسير نحو المعاهدة أو الاتفاق.
وفضلا عن هذا الاختصاص القضائي للمحكمة
اختصاص استشاري، وهو إصدار الفتوى القانونية بطلب من الجمعية العامة ومجلس الأمن
فقط (المادة 96 من الميثاق) مع العلم أن الفتوى غير ملزمة للجهات التي طلبتها رغم
ذلك تبقى لفتاوى المحكمة بالغ الأهمية في تشكيل قواعد القانون الدولي العام.
1- طرق اللجوء إلى المحكمة:
- بموجب اتفاق بين الدول لعرض النزاع
على محكمة العدل الدولية.
- عندما ينص على اختصاص المحكمة في
معاهدة معينة بين أطرافها.
- في إطار التأثير المتبادل لتصريحات
الدول، وبموجبه توافق كل دولة على قبول صلاحية المحكمة كإلزام في حالة التنازل مع
دولة أخرى أطلقت تصريحات مشابهة.
2- الإجراءات المتبعة أمام
المحكمة:
- مرحلة المرافعات الكتابية ثم مرحلة
المشافهة وهي الجلسات العلنية للاستماع للحجج.
- يترجم كل مدون للغتين الإنجليزية
والفرنسية كونهما اللغتين الرسميتان للمحكمة.
- إصدار الحكم في جلسة علنية ويكون
الحكم نهائيا غير قابل للاستئناف.
الأمانة العامة: تتكون الأمانة العامة لمنظمة الأمم
المتحدة من موظفين دوليين يعملون في مقرها نيويورك وكذا في جميع أنحاء العالم،
ويقومون بالأعمال اليومية المتنوعة للمنظمة والأمانة العامة شهر على خدمة الأجهزة
الأخرى وادارة البرامج والسياسات التي تصنعها ويرأس الأمانة العامة الأمين العام
الذي تعينه الجمعية العامة بناء على توصية مجلس الأمن القومي خمس سنوات قابلة
للتجديد.
تتنوع مهام الأمانة العامة للمنظمة
ويمتد نطاق هده المهام المتنوعة إلى إدارة عمليات حفظ السلام إلى التوسط لحل
المنازعات الدولية، إلى المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والدولية، كما تقوم بإعداد
الدراسات حول حقوق الإنسان والتنمية المستدامة يتراوح عدد موظفي الأمانة العامة
حوالي 8600 موظف أممي عبر العالم مسؤولون عن أنشطتهم أمام الأمم المتحدة فقط،
ويؤدون القسم على أن لا يتلقوا تعليمات من أي حكومة أو سلطة خارجية غير المنظمة،
وبموجب الميثاق تتعهد كل دولة من الدولة الأعضاء باحترام الصفة الدولية البحتة
لمسؤوليات للامين العام وبالتالي عدم السعي إلى التأثير فيهم على اي نحو غير
اضطلاعهم بمسؤولياتهم.
المطلب الثالث: الفرد
لقد ثار جدال وما زال حول كون الفرد
شخص من أشخاص القانون الدولي ولا يزال هذا الجدل قائما إلى الآن يبدوا أنه سوف لن
ينتهي قريبا، هذا من جهة فلا هذا الجدال قائما إلى الآن ويبدو أنه سوف لن ينتهي
قريبا، هذا من جهة فضلا على اتخاذ بعض الدول الفرد أداة لخدمة مصالحها، كأن تستخدم
دولة مسألة حقوق الإنسان ضد دولة أخرى أو منعه من ممارسة حقوق بحجة السيادة.
الفرع الأول: اتجاه الفرد موضع الحماية
إن تطور الحياة الإنسانية والعدد
الكبير من الأزمات الداخلية والدولية على حد سواء والتي انتهكت حقوق الإنسان
بسببها، قد حول مشكلة حماية هذه الحقوق من مجرد قضية داخلية بحتة إلى مشكلة دولية
بعد أن ثبت للضمير العالمي عجز النظام الداخلي في أحيان كثيرة عن كفالة وضمان الحد
الأدنى من تلك الحقوق.
وقد برز اهتمام القانون الدولي لحماية
الفرد من خلال الاتفاقيات والمعاهدات، وكذلك نشأت منظمات دولية مختصة لحماية الفرد
مثل المنظمة الدولية اللاجئين والتي تعرف الأن بالمفوضية العليا للأمم المتحدة
لشؤون اللاجئين، وهناك مسائل تمس العمل بمعاهدة فرساي التي قامت منظمة العمل الدولية
نصت على تمثيل العمال إلى جانب الدول في هذه المنظمة وهذا التمثيل من نشأته
التأثير على قرارات المنظمة.
ولعل ثمرة الجهود الرامية إلى حماية
الفرد في القانون الدولي هي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي جاء في ثلاثين
مادة وتتضمن جميع الحقوق الثابتة للفرد باعتباره إنسانا، كالحق في الحياة والحماية
والحرية، وحق المساواة، وحق التقاضي وحق التعليم والحق في الحصول على عمل، وحرية
الفكر، وحرية التنقل والإقامة وكثير من الحقوق والحريات.
ثانيا: اتجاه يجعل الفرد موضع الزجر: كثير من القواعد القانونية الدولية
ترتب على الفرد مسؤولية جنائية، وتمس بصفة مباشرة من الناحية الشخصية من حياته،
مثل الأحكام الخاصة بمنع القرصنة حيث يعتبر هذا الفعل مجرما دوليا، ويوجب على كل
دولة إلقاء القبض عليه ومحاكمته ومعاقبته حسب قوانينها، كما اتفاقية 1948 الخاصة
بتحريم إبادة الجنس البشري حيث نص مادتها الرابعة كل من يرتكب هذه الجريمة سواء
كان حاكما أو موظفا أو فردا عاديا.
وقد أعقب ذلك ضرورة وجود قضاء جنائي
دولة لمعاقبة هؤلاء المنتهكين للقواعد الدولية فيما يخص بعض الجرائم الموصوفة
بالخطيرة، أما الذين يعملون في الحروب بدافع الاحتراف للحصول على الثروة (المرتزقة)
فقد استثنتهم المادة 44 من البروتوكول الأول الإضافي الملحق باتفاقيات جنيف لعام
1989 من عدد الأسرة واعتبرتهم مجرمي عاديين يمكن محاكمتهم بحسب قوانين البلد الذي
وقعوا به في الأسر.
نتيجة لذلك كان الاعتماد في القرن
العشرين أن معاملة الدولة لرعاياها يخرج من نطاق القانون الدولي العام لأن الفرد
أو مجموعة الأفراد هم فقط محل لقانون الأمم وليس أحد رعايا.
غير أن الأوضاع تغيرت منذ الحرب
العالمية الأولي إذا أدركت الدول ضرورة ضمان الحد الأدنى من الحقوق الخاصة بالفرد،
ومن ثم زاد الاهتمام بحقوق الفرد في القانون الدولي.
والدارس لميثاق الأمم المتحدة يمكنه أن
يجد ازديادا كبيرا بمسألة حقوق الإنسان ومن أمثلة ذلك:
- ما ورد في الفترة الأولى من الديباجة
أن شعوب الأمم المتحدة ألت على نفسها أن تنفذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي
جلبت على البشرية مرتين خلال جيل واحد ما يعجز عنه الوصف.
- حدد الميثاق مقاصد الأمم المتحدة في
المادة الأولى وجعلها أربعة وعشرين مسألة حقوق الإنسان.
- في الفصل العاشر المكرس للمجلس
الاقتصادي والاجتماعي (المواد: 61-72) موضوعا في مسألة حقوق الإنسان: المادة 62
تتحدث عن الاحترام الفعلي لحقوق الإنسان، والمادة 68 تنص على إنشاء لجان تعني
بحقوق الإنسان.
- إن رعاية الإنسان هو غاية كل تنظيم
قانوني، داخلي أو دولي، ومن هنا فإن العلاقة بين تدعيم حقوق الإنسان ومركز الفرد
على الصعيد الدولي حيث لكليهما، تأثير في الأخر في اعتبار الفرد له نوع من الشخصية
القانونية الدولية، أي له حقوق وعليه التزامات على الصعيد الدولي، وتطور مركزه من
كونه محلا لأحكام القانون الدولي إلى أن أصبح شخصيته قانونية في القانون الدولي
العام.
المرجع:
- د. شكيرين ديلمي، محاضرات في القانون الدولي العام، جامعة الجيلالي بونعامة، كلية الحقوق والعلوم السياسية – قسم الحقوق، الجزائر، السنة الدراسية 2021- 2022، من ص41 إلى ص81.