المسؤولية الجنائية للشخص الطبيعي وللشخص المعنوي في القانون الجزائري
يكتسي موضوع المسؤولية الجزائية أهمية
في مجال القانون الجزائي العام، حيث فيه تدرس عدة أحكام تتعلق بشروط المسؤولية
الجزائية، موانع المسؤولية الجزائية، مسؤولية الشخص الطبيعي، وكذا مسؤولية الشخص
المعنوي. وقـد تعـددت تعريفـات الفقهـاء للمسـؤولية الجزائيـة، فمـن الفقـه مـن
عرفهـا بأنهـا: "التـزام بتحمل النتائج القانونيـة المترتبـة علـى تـوافر أركـان
الجريمـة وموضـوعه هـو العقوبـة أو التدبير الاحترازي الذي ينزله القانون بالمسؤول
عن الجريمة". ومنهم من عرفها بأنها "تحمل تبعة الجريمة والالتزام
بالخضـوع للجـزاء الجنـائي المقـرر لهـا قانونـا".
تعني المسؤولية الجنائية إن ثبتت علاقة
الجاني بالفعل المرتكب، أن يتحمّل تبعة الجريمة وأن يلتزم بالخضوع للجزاء الجنائي
المقرر. وعليه يفرض أن تتم الجريمة قبل ترتب المسؤولية. إن ارتكاب سلوك إجرامي
مادي لا يؤدي حتما إلى تطبيق العقوبة المقررة قانونا لمرتكبها، فلا يعاقب هذا
الأخير إلا إذا أثبت القاضي مسؤوليته الجزائية. فالمسؤولية الجزائية تتضمن التزام
مرتكب الجريمة بتحمل نتائج فعله الإجرامي. وعليه سوف نتطرق في المبحث الأول إلى
مسؤولية الشخص الطبيعي، وفي المبحث الثاني إلى مسؤولية الشخص المعنوي.
المبحث الأول: المسؤولية الجزائية للشخص الطبيعي
أمام وجود أشخاص طبيعية وأخرى معنوية،
يتوجب دارسة الأحكام القانونية المتعلقة بمسؤولية كل فئة على حدى. فلكي تترتب
مسؤولية الشخص الطبيعي يجب أن يكون الشخص قادرا على إدراك وفهم ما يقوم به من
أفعال وتصرفات كما يجب أن يكون حرا في إرادته واختياره أي أن يكون متمتعا بإرادة
سليمة.
المطلب الأول: شروط قيام المسؤولية الجزائية
المسؤولية الجنائية هي أهلية الإنسان
العاقل الواعي لأن يتحمل الجزاء العقـابي نتيجـة اقترافه جريمة مما ينص عليهـا
قـانون العقوبـات، فلا تطبق العقوبة إلاّ إذا ثبت قيام المسؤولية الجزائية بركنيها
الخطأ والأهلية. فالخطأ هو قيام الشخص بفعل يجرّمه القانون ويعاقب عليه سواء كان
عن قصد أو عن غير قصد. وهو نوعان قصد جنائي وخطأ غير عمدي. أمّا أهلية الشخص
الطبيعي فهي تمثل قدرته على فهم فعله وإدراك عواقبه. وعليه، تقوم المسؤولية الجزائية
على ركنين أساسين هما الإدراك والإرادة.
الفرع الأول: الإدراك
المقصود بالإدراك هو المقدرة على فهم
ماهية الفعل المرتكب وطبيعة الآثار المترتبة عليه، حيث أنّ فاقد الوعي والإدراك لا
يمكن أن يسأل جزائيا. فيجب أن يكون الشخص قادرا على فهم ما ينتظره في حال ارتكاب
الأفعال المحظورة من مساس خطير بالمصالح المحمية قانونا.
وعليه فإن المجنون مثلا وٕإن كان يريد
أفعاله التي يقوم بها إلا أنه لا يدرك مدى خطورتها، ولا يستطيع التمييز بين الصواب
والخطأ.
الفرع الثاني: الإرادة
نقصد بالإرادة القوة النفسية التي
تتحكم في سلوك الإنسان، فهي نشاط نفسي يصدر عن وعي قصد بلوغ هدف معين. وهي الرغبة
الحقيقية في إتيان السلوك الإجرامي. ويشترط فيها أن تكون حرة أي حرية الاختيار،
ولا يكون الشخص مكرها أو مجبرا على سلوكه مهما كانت الأساليب المستعملة لدلك.
فالمكره مثلا وٕإن كان يدرك ما يقوم به من أفعال إلا أن إراداته غير حرة مما
يقتضي عدم تحقق المسؤولية الجنائية في حقه.
وتجدر الإشارة إلى أن غياب أحد هذه
الشروط أو كلاهما يؤدي إلى انتفاء المسؤولية الجزائية رغم قيام الجريمة.
المطلب الثاني: عوارض المسؤولية الجزائية
هناك بعض الأسباب التي قد تعترض
المسؤولية الجزائية وتؤثر على إدراك الجاني وحرية اختياره، تسمى بموانع المسؤولية.
تعرف بأنها الحالات التي ينتفي فيها الإدراك أو الاختيار أو كليهما معا وهي شخصية
تتعلق بالجاني بحدّ ذاته. فهي تتصل بالفاعل ولا شأن لها بالجريمة مما يترتب عليه
أنها لا تنتج إثرها إلا فيمن توافرت فيه من الجناة فاعلين أو شركاء.
الفرع الأول: فقد التدارك أو الإرادة بسبب الجنون أو عاهة في العقل
الجنون هو زوال العقل وفساده وهو مرض
يؤدي إلى اختلال القوة المميزة بين الأشياء الحسنة والقبيحة المدركة للعواقب وهو
آفة تصيب العقل ويؤدي الجنون لفقدان التمييز.
الجنون هو فقد الوعي أو الإدراك فيشمل
كل حالة مرضية من شأنها أن تفضي إلى فقد الإرادة، وعليه فإن جميع العلل التي تؤدي
إلى إعدام الوعي والتمييز تدخل في مفهوم الجنون، فهو يتسع ليشمل كل خلل عقلي ودلك
من خلال نص المادة 47 من قانون العقوبات التي جاءت صريحة بقولها "بالخلل
العقلي". ويثبت الجنون بواسطة الخبرة الطبية من قبل خبير مختص في الأمراض
العقلية، ودلك بأمر من قاضي التحقيق.
بناء على المادة 47 من قانون العقوبات
تتمثل فيما يلي:
1. فقدان المجنون للإدراك
والاختيار
لا تمتنع المسؤولية إلا إذا ثبت عند
القضاء فقدان الوعي والاختيار لدى الشخص، معنى ذلك أنه إذا أدى الجنون إلى إضعاف
وعي الشخص أو إرادته دون أن يفقدها كاملة فإنه لا مبرر لامتناع المسؤولية وٕإن
اقتضى الأمر تخفيف مسؤولية الجنائية وذلك إذا تعلّق الأمر بالمعتوه والمصاب
بالهستيريا واليقظة النومية مثلا وهي ما يعرف بالعاهة العميقة فهي كل مرض يؤثر في
حالة المخ أو الجهاز العصبي بعدم نموه نموا طبيعيا فيؤثر على وظائفهما تأثيرا لا
يصل إلى حد الجنون. فالجنون قد يكون مؤقت متقطع يعتبر الشخص فيه غير مسؤول عن
الأفعال التي يرتكبها أثناء وجود حالة الجنون فقط، وقد يكون مطابق دائم حيث ترتفع
فيه مسؤولية الجاني مطلقا، والقاضي هو الذي يقدر توافر حالة الجنون من عدمها
مستعيناً برأي الطبيب الخبير.
غير أنه توجد حالات خاصة تسمى بالجنون
الخاص، حينما يكون الشخص سليم القوى العقلية والنفسية ماعدا ناحية خاصة كمن يجد
ميلا شديدا لإتيان أفعال إجرامية معينة كالأفعال المخلة بالحياة أو الحريق، فالراجح
فقها أن الجنون يعتبر كاملا من الناحية الخاصة فلا يكون المجرم مسؤولا عن الأفعال
التي يرتكبها تحت تأثير المرض ويكون مسؤولا عن الأفعال الأخرى لأنه يكون فيها كامل
قواه العقلية.
2. معاصرة الجنون لارتكاب الجريمة
لتحقيق امتناع مسؤولية الجاني عن الفعل
الذي ارتكبه لابد من أن يكون الفعل المرتكب المحقق للجريمة قد حدث خلال الوقت الذي
كان فيه الجاني فاقد الإدراك أو الشعور بسبب إصابته. وهذا ما أكّده المشرع بقول
"لا عقوبة على من كان في حالة جنون وقت ارتكاب الجريمة..." هذا ما يعني
أن الجنون الذي يحدث قبل ارتكاب الجريمة ثم يتوقف ولم يستمر فلا تأثير له على تحمل
الشخص كامل مسؤوليته، كما لا يؤثر إذا حدث بعد ارتكاب الجريمة، عدا اتخاذ بعض
التدابير الوقائية. وتطبيق هذا الشرط يقتضي تحديد وقت ارتكاب الفعل المكون للجريمة
ثم التحقق من حالة المتهم في هذا الوقت.
ثانيا: آثار الجنون
إن القاعدة العامة تقتضي أن مانع
المسؤولية الجزائية بسبب حالة الجنون لا ينتج أثره إلا إذا كان محققا وقت ارتكاب
الجاني للسلوك الإجرامي، وبالتالي فتكون العبرة في تقدير المسؤولية الجزائية
للمصاب بحالة جنون بما كانت عليه حالته وقت ارتكاب فعله لا بما كانت عليه قبل ذلك
.يترتب على الجنون المفقد للوعي والإرادة والمعاصر لارتكاب الجريمة، امتناع
المسؤولية وبالتالي امتناع توقيع العقاب. غير أن المشرع قرر حماية للمجتمع، وآخر
إمكانية اتخاذ بعض التدابير الأمنية وتتمثل في وضع الشخص في مؤسسة استشفائية للأمراض
العقلية تحت حجز قضائي، وذلك بناءً على أمر أو حكم أو قرار.
وعليه يكون منطوق الحكم في هذه الحالة
بالبراءة وليس الإعفاء من العقوبة باعتبار أن الجنون سبب من أسباب عدم الإدانة،
وهذا ما جاء في نصّ المادة 386 من قانون
الإجراءات الجزائية "إذا قضي ببراءة المتهم بسبب حالة جنون اعترته حال وقوع
الحادث فيجوز للمحكمة أن تجعل على عاتقه المصاريف كلها أو جزء منها".
أما إذا كان الجنون لاحقا على ارتكاب
الجريمة فإن العدالة تقتضي إيقاف المحاكمة أو إيقاف تنفيذ العقوبة على المتهم الذي
اعتراه الجنون بعد الحكم عليه، غير أنه هذا لا يمنع من تدبير أمن وقائي يتمثل في
وضعه في الحجز القضائي بنا على أمر أو حكم أو قرار قضائي.
قد يثور التساؤل في حالة ما إذا تناول
الشخص مسكرا أو مخدرا فيقع في غيبوبة ناشئة عن تناول عقاقير أو مواد خدرة أو مسكرة
فيفقد الوعي والإدراك بحيث قد يكون في حكم المجنون ففي هذه الحالة ما حكم
المسؤولية الجنائية هل تنتفي أم تبقى قائمة وهل تخفف في هده الحالة؟
إنّ فقد الإدراك أو الإرادة متى كان
ناتجا عن تناول الشخص باختياره وعلمه لمواد مخدرة أو مسكرة بصفة عمدية قصد ارتكاب
الجريمة، يعاقب الشخص على الجريمة التي وقعت كما لو كانت قد وقعت بغير تخدير أو
سكر فالشخص يكون مسؤولا جنائيا مسؤولية كاملة لتوافر القصد الجنائي قبل السكر أو
تناول المخدّر. بينما إذا كانت حالة السكر أو تناول المخدر بدون قصد ارتكاب
الجريمة ولكن مع معرفته للنتائج المرجحة للسكر أو لتناول المخدر على أفعاله
المستقبلية، فيعتبر المرتكب مسؤولا، فالقانون يعتبر السكر ظرف مشدد للعقوبة في
حالة ارتكاب الشخص جنحة للقتل أو الجرح غير العمديين حيث تضاعف العقوبات المنصوص
عليها. أمّا إذا كانت حالة السكر أو التخدير بغير إرادة الشخص فهنا ينعدم الوعي
والإدراك لدى الشخص ولا يسأل جنائيا.
الفرع الثاني: الإكراه
الإكراه هو الضغط على إرادة الفاعل
بحيث بفقدها كيانها الذاتي، وذلك بسبب قوة ليس في استطاعته مقاومتها، فهو قوة لا
يمكن للشخص دفعها تؤدي به إلى فقد السيطرة على إرادته مما يرتكب فعلا محظورا
قانونا، وقد نصت عليه المادة 48 من قانون العقوبات بقولها "لا عقوبة على من
اضطرته إلى ارتكاب الجريمة قوة لا قبيل له بدفعها".
فهو حمل الغير علي فعل والتهديد بشروط
معينة. وهو فعل يفعله الإنسان بغيره فيزول رضاه أو يفسد اختياره. والإكراه إمّا أن
يعدم الرضاء ولا يفسد الاختيار كالتّخويف بالضّرب، ويسمي أكراها ناقصا فلا يؤثر
إلا علي التصرفات التي تحتاج إلي الرضاء كالبيع مثلا. أما الإكراه التام وهو ما
خيف فيه تلف النفس، فيعدم الرضا ويفسد الاختيار ويسمي أكراها تاما، فهو الذي ينفي
حرية الاختيار لدى الجاني ويسلب حرية إرادته كاملة، فالإكراه لا ينفي الإدراك
باعتبار أن المكره يكون كامل قواه العقلية غير أنه يكون فاقد لحرية الاختيار. فمن
اكره على جريمة الزنا مثلا ينبغي إن يكون الإكراه الواقع عليه بحيث يعدم رضاه
ويفسد اختياره.
أولا: أنواع الإكراه
الإكراه نوعان، إمّا مادي أو
معنوي.
1. الإكراه المادي
الإكراه المادي هو القوّة التي تدفع
لارتكاب الجريمة، والشخص لا يستطيع مقاومتها. يؤدي الإكراه إلي انعدام إرادة من
بوشر عليه، وهو أساس المسؤولية الجنائية. فالقوة المادية المشكلة للإكراه تمحو علي
هذا النحو إرادة الفاعل بحيث لا يكون قد صدر منه في النهاية سوي عدة حركات عضلية
أو مواقف سلبية مجردة من الإرادة. إنّ الإكراه ينصب على جسم الإنسان ويؤثر على
معنوياته وبعدم حرية الاختيار لديه، فقد يصدر من شخص تجاه شخص آخر كمن يضع مسدسا
على رأس موظف مكرها إياه على التوقيع.
من شروط الإكراه المادي أن تكون القوة
المكرهة لا تقاوم ولا يستطاع دفعها، أن تكون القوة المكرهة خارجة عن إرادة الفاعل،
وأن يكون بوسع الجاني توقع سبب الإكراه. فإن لم تتوافر هده الشروط تقوم المسؤولية
الجنائية.
2. الإكراه المعنوي
هو قوة إنسانية تتجه إلي نفسية الإنسان
مما يربك معنوياته دون أن يعدم حرية اختياره فيتجه إلى ارتكاب الجريمة قسرا. فمن
يهدد أخر بقتله أو قتل ولده ليجعله يسلم أمانة كان يحتفظ بها لإنسان آخر إنما
يتوجه بتهديده في سبيل حمل إلى اختيار ارتكاب الجريمة. فالإكراه المعنوي مصدره
على الدّوام قوة إنسانية تجبر الشخص علي
ارتكاب الجريمة تحت تأثير الخوف من خطر أو ضرر جسيم وشيك الوقوع، فيرتكبها المهدد
إذ يرى ضررها عليه، أهون على كل حال من وقوع الضرر المهدّد به. كمن يهدد بنشر صور
فاضحة له.
ثانيا: شروط الإكراه
1. عدم إمكان التوقع:
ألا يكون وقوع المجني عليه تحت تأثير
حالة الإكراه قد تم بخطاء منه، أي بعلمه أو توقعه، أي لم يكن بوسعه توقعه، ويجب أن
يكون عدم التوقع مطلقا لا سببيا ليس بالنسبة للمتهم فقط بل بالنسبة لأي شخص يكون
في موقفه، وعليه فمن توقع وقوع الحادث له ثم تمادى في فعله دون أن يتخذ الاحتياطات
اللازمة لتجنب القوة القاهرة فوقعت مما أدى به إلى ارتكاب الجريمة فهنا يعتبر
الشخص مسؤولا على الجريمة غير العمدية أساسها عدم الاحتياط.
2. عدم إمكان دفع القوة الناتجة عن الإكراه:
أن يكون التهديد بالضرر الذي لا يمكن
مقاومته إلا بارتكاب السلوك الإجرامي أي أن يكون الشخص الخاضع للإكراه في موضع
يستحيل معه استحالة مطلقة اللجوء إلى وسيلة أخرى غير وسيلة ارتكاب فعل يجرّمه
القانون، وٕإلا كان مسؤولا مسؤولية كاملة عن فعله.
الفرع الثالث: حالة الضرورة
أولا: مفهوم الضرورة
الضرورة هي مجموعة من الظروف التي تهدد
شخصا ما بالخطورة وتوحي إليه بطريقة الخلاص منه بارتكاب فعل إجرامي معين. ويقصد
بها حلول خطر لا سبيل على دفعه إلا بارتكاب محظور. وتفترض حالة الضرورة أن مرتكب
الفعل المكون للجريمة قد أحاطت به ظروف تهدده بخطر جسيم وحال، وليس لإرادته دخل في
حلول هذا الخطر وحالة الضرورة سبب من أسباب امتناع المسؤولية الجنائية. ومن أمثلة
حالة الضرورة أن يلجأ المضطر إلى الدخول لبيت جاره دون إذن بدافع الضرورة لإنقاذ
أولاده من الحريق.
لم ينص المشرع الجزائري صراحة على حالة
الضرورة فيتجلى أنها مانع من موانع المسؤولية على أساس تأثيرها على الإرادة، وذلك
استنادا للمادة 48 قانون العقوبات التي تشير بصفة ضمنية إلى الضرورة كمانع من
موانع المسؤولية إضافة للإكراه بقولها "لا عقوبة على من اضطرته إلى ارتكاب
الجريمة قوة لا قبيل له يدفعها".
ثانيا: شروط الضرورة
- يجب أن يكون الخطر حالا وجسيما، أن
يهدد النفس أو المال، أن يهدد الشخص بذاته أو الغير، أن يمس النفس أو المال أو
الشرف، ويجب أن يكون واقعا ومستمرا على وشك الوقوع. شرط أن يكون الخطر جسيما وذلك
يخضع لتقدير محكمة الموضوع.
- ألاّ يتسبب الشخص في حدوث الخطر بفعل
إرادي ولو لم يتعمد حدوثه.
- يجب دفع الضرورة بأقل الأضرار كما
تستلزم الضرورة التناسب بين الوسيلة المستخدمة وجسامة الخطر وذلك لا يعني التساوي وٕإنما يخضع الأمر إلى
ظروف الحال.
- ارتكاب الجريمة لإنقاذ النفس أو
المال أي أن ارتكاب الجريمة هو الوسيلة الوحيدة لدفع الضرر.
الفرع الرابع: صغر السن كمانع من موانع المسؤولية الجنائية
أولا: تعريف القاصر
صغير السن هو من يعبر عنه بالحدث أو
القاصر كما سماه المشـرع الجزائـري، وهـو مـن كـان دون سـن 18 سنة. لم يعـرف
المشرع صـغير السـن أو الحـدث واكتفـى في المـادة 49 مـن قـانون العقوبـات برفـع
العقوبـة عـن القاصـر أو بتحديـد المفهوم العام للمسؤولية الجنائية على النحو
التالي "لا يكون محلا للمتابعة الجزائية القاصر الذي لم يكمل 10 سنوات.
لا توقع على القاصر الذي يتراوح سنه من
10 إلى أقل من 13 سنة إلا تدابير الحماية أو التهذيب ومع ذلك في مواد المخالفات لا
يكون محلا إلا للتوبيخ.
ويخضع القاصر الذي يبلغ سنه من 13 إلى 18
سنة إما لتدابير الحماية أو لعقوبات مخففة ".
ثانيا: مدى تأثير السن على المسؤولية
الجنائية
لقد اكتفى المشرع برفع العقوبة عن
القاصر وخضوعه لتدابير الحماية أو التربية أو لعقوبات مخففة أي أنه حدث أو قاصر
لذلك يخضع لهذه التدابير. وبالتالي إن صغر السن يؤثر على المسؤولية الجنائية بأن
يعدمها كلية أو بصفة جزئية.
تقـوم المسـؤولية الجنائيـة علـى
عنصـرين أساسـيين همـا التمييـز والاختيـار، ولا يكتسبهما الشـخص طفـرة واحـدة،
بـل يبـدأ في إدراك بعـض الأمـور ولكـن إدراكـه يبقـى ضـعيفا، وتظل ملكاته تنمو
حتى يكتمل إدراكه ونموه العقلي.
1. صغر السن كسبب من أسباب امتناع المسؤولية
الجزائية
إنّ صغير السن الذي لا يفوق سنه 10
سنوات يكون في مرحلـة انعـدام التمييـز والإدراك، حيث تبـدأ هده المرحلة بـولادة
الصـغير وتنتهـي ببلوغه 10 سنوات كاملة. فإذا ارتكب جريمة جناية كانت أم جنحة لا
يكون محلا للمتابعة الجزائية، وتتمنع عنه المسؤولية الجزائية. فلا يمثل أمام
المحكمة تماما. أما بالنسبة للمسؤولية المدنية الناجمة عن جريمته فإنّ ممثله
الشّرعي هو الذي يتحمّل تبعة الضرر الذي لحق بالغير.
أمّا إذا كان الصغير في سن بين 10 وما
دون 13 سنة، فلا توقع عليه إلا تدابير الحماية أو التهذيب وهي حسب المادة 85 قانون
حماية الطفل:
- تسليم الطفل لممثله الشرعي أو لشخص
أو لعائلة جديرين بالثقة.
- وضعه في مؤسسة معتمدة مكلفة بمساعدة
الطفولة.
- وضعه في مدرسة داخلية لإيواء الأطفال
في سن الدراسة.
- وضعه في مركز مختص في حماية الأطفال
الجانحين.
- وضعه تحت نظام الحرية المراقبة وهو
نظام يقوم به مربون مختصون في شؤون الطفولة بتعيين من قاضي الأحداث.
وفي كل الأحوال لا يجوز الحكم
بالتدابير المذكورة لمدة تتجاوز بلوغ الطفل سن الرشد الجزائي 18 سنة كما أن سن
الطفل يحسب وقت ارتكاب الجريمة وليس وقت رفع الدعوى أو المحاكمة.
2. صغر السن كسبب من أسباب تخفيف
المسؤولية الجزائية
تعرف هده المرحلة بمرحلة ضعف التمييز
ويسمى فيها الصغير بالصـبي المميز. فالصغير ما بين 13 وما قبل 18 سنة قد يكون
مسؤولا جزائيا عن أفعاله الإجرامية لكن مسؤوليته تكون ناقصة بسبب ضعف تمييزه
.وعليه إدا ما ارتكب جريمة فتتخذ ضده إما أحد تدابير الحماية والتهذيب المنصوص
عليها في المادة 85 من قانون حماية الطفل، مع إمكانية استكمال هذه التدابير بعقوبة
الغرامة أو الحبس وفقا للكيفيات المنصوص عليها المادة 50 قانون العقوبات على أن
يكون حكم الجهة القضائية مسببا.
كما يمكن كذلك الحكم عليه بعقوبات
مخففة فمثلا إذا كانت العقوبة التي تفرض عليه هي الإعدام أو السجن المؤبد فيحكم
عليه بالسجن 10 إلى 20 سنة أي يخضع لعقوبات مخففة. أما إذا ارتكب القاصر مخالفة
فيقضى عليه إما بالتوبيخ أو بالغرامة.
إن المشـرع الجزائـري لم ينظـر إلى
صـغير السـن المنحـرف علـى أنـه مجـرم يجـب معاقبتـه، بـل نظـر إليـه علـى أنـه
ضـحية يحتـاج إلى رعايـة وعـلاج. فلقيـام المسـؤولية الجنائيـة لابـد مـن تـوفر
عنصـري الاختيـار والإرادة، وبانتفـاء أي عنصـر منهمـا تنتفـي المسـؤولية،
وبانتقـاص أي منهمـا تنـتقص المسـؤولية.
المبحث الثاني: مسؤولية الشخص المعنوي
لزمن طويل لم تعرف المسؤولية الجزائية إلاّ بالنّسبة للشّخص الطبيعي. لأنّ الأهلية الجنائية من وعي وٕإدراك لا تثبت إلاّ للشّخص الطبيعي العاقل والمميّز، اعتبارا أنّ القانون يتوجّه بخطابه عادة لهذا النّوع من الأشخاص ليأمره بفعل أو ينهاه عن فعل. لكن مع تطوّر المعاملات وظهور طرق جديدة ومؤسّسات، ظهر إلى جانب الشّخص الطبيعي شخص آخر مخاطب بالقوانين هو الشّخص المعنوي. وانتقل مفهوم المسؤولية من مفهومها الشّخصي والفردي المبني على الخطأ إلى مفهومها الوضعي المبني على ضمان المخاطر.
المطلب الأول: موقف الفقه من المسؤولية الجزائية للشّخص المعنوي
أدّى تطوّر وتوسّع نشاط الشّركات
واستدراجها لرؤوس الأموال وتوظيفها لها وخروج رقابة التوظيف والإدارة عن نطاق
الفرد إلى نطاق الجماعة، دوار رئيسيا في إقامة المسؤولية الجنائية للشّخص
المعنوي.
إلى موضوع مساءلة الشخص المعنوي قد
أثار جدلا كبيرا في الفقه الجنائي الذي انقسم إلى فريقين، أحدهما يرى عدم إمكانية
مساءلة الشّخص المعنوي جزائيا والآخر يقول بجواز ذلك.
الفرع الأول: الرأي المعارض لمساءلة الشخص المعنوي جزائيا
ضمّ هذا الفريق عددا كبيرا من فقهاء
القانون حيث أوردوا بعض التحفظات عن المساءلة الجنائية للأشخاص المعنويين، كون
الشّخص المعنوي مجرّد من كلّ إرادة شخصية، فهو مجرّد افتراض قانوني تنقصه الإرادة
والتميّز وحرّية الاختيار فلا يمكنه ارتكاب جريمة ويستحيل إسناد خطأ إليه. من جهة
أخرى، فبما أنّ الشّخص المعنوي لا يتصل بالحياة القانونية إلاّ من أجل غاية محدّدة
أنشئ من أجلها فهذه الغاية لا يمكن أن تكون ارتكاب جريمة. أمّا بالنّسبة للعقوبة
فالقول بمسؤولية الشّخص المعنوي يتعارض مع مبدأ شخصية العقوبة ضف إلى ذلك أنّ أهمّ
العقوبات المقرّرة للجرائم هي عقوبات سالبة للحرّية لا يمكن توقيعها على الشخص
المعنوي، وهي تهدف إلى الإصلاح والرّدع وهو ما لا يمكن ضمانه للشّخص المعنوي.
الفرع الثاني: الرأي المؤّيّد للمسؤولية الجنائية للشّخص المعنوي
أمام حجج الفريق المعارض لإمكانية
مساءلة الشّخص المعنوي جنائيا، ظهر فريق آخر ينادي بضرورة إقامة المسؤولية
الجنائية. فحسبهم الشّخص المعنوي ليس مجرّد خيال بل هو كائن حقيقي له شخصية
قانونية مستقلة عن أصحابه، له وجود وذمّة مالية، كما له إرادة مستقلة عن إرادة كلّ
فرد فيه.
من جانب الجزاء، فلا يصلح، حسب هذا
الرّأي، القول بعدم تلائم العقوبات مع الشّخص المعنوي، فهناك عدّة عقوبات يمكن
تطبيقها عليه كالغرامة أو الإغلاق أو المصادرة. كما أنّ القول بأنّ الشّخص المعنوي
لم يوجد من أجل اقتراف الجرائم، فحتى الشّخص الطبيعي لم يُخلق من أجل ذلك ورغم هذا
فهو يرتكب أنواع شتى من الجرائم، فهذه الحجّة قابلها أصحاب التأييد بالرّفض
البات.
الفرع الثالث: موقف المشرع الجزائري
لقد سار المشرّع الجزائري حدوى الاتجاه
الحديث القائل بضرورة مساءلة الشّخص المعنوي على الجرائم التي يرتكبها، وقد ساير
ما اتجهت إليه أغلب التّشريعات، حيث تضمّنت المادة 51 مكرّر من قانون العقوبات
النصّ على المسؤولية الجزائية للشّخص المعنوي لكن مع استثناء الأشخاص المعنوية
العامّة التي هي الدّولة والجماعات المحلية والأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون
العامّ، وهو ما يُفيد ضرورة مساءلة الشّخص المعنوي الخاصّ دون المنع من مساءلة
الأشخاص الطبيعيين الذين ارتكبوا ذات الأفعال.
المطلب الثاني: شروط قيام المسؤولية الجزائية
بعد التّسليم بقيام المسؤولية الجزائية
للشّخص المعنوي عند ثبوت ارتكاب جريمة وفقا للقانون الجزائري، لابد من توضيح شروط
قيام هذه المسؤولية الجزائية، فحسب القانون تتمثّل هذه الشّروط في ارتكاب السّلوك
الإجرامي من طرف الممثل للشّخص المعنوي، وارتكاب السّلوك الإجرامي لحساب الشّخص
المعنوي.
الفرع الأول: ارتكاب السّلوك الإجرامي من طرف شخص معنوي خاصّ
حسب المادة 51 مكرّر السّابقة الذّكر
فإنّ المشرع الجزائري يقرّ بالمسؤولية الجزائية للشّخص المعنوي الخاصّ فقط، حيث
استثنى صراحة الدّولة والجماعات المحلية والأشخاص المعنوية العامّة من المساءلة
الجزائية.
الفرع الثاني: ارتكاب السّلوك الإجرامي من طرف الممثل الشّرعي للشّخص المعنوي
من أجل مساءلة الشّخص المعنوي جزائيا،
وحيث أن يكون مرتكب الفعل يملك حقّ التعبير عن إرادة الشّخص المعنوي لإسناد التهمة
إلى هذا الأخير. وقد يكون المدير أو رئيس مجلس الإدارة، أي الشّخص الذي يملك سلطة
ممارسة نشاط الشّخص المعنوي وباسمه وهو شخص طبيعي يملك سلطة التصرّف باسم الشّخص
المعنوي سواء بسلطة قانونية مستمدّة من القانون مباشرة، أو سلطة اتفاقية مقرّرة
بموجب الاتفاق أي عقد ونظام تأسيس الشّخص المعنوي.
الفرع الثالث: ارتكاب السّلوك الإجرامي لحساب الشّخص المعنوي
مفاد هذا الشّرط، تحقيق مصلحة الشّخص
المعنوي هدف مباشر للجريمة التي ارتكبها الشّخص الطبيعي مثل تحقيق أرباح. ولقد
اتّفقت معظم التشريعات على إدراج هذا الشّرط في نصوصها.
حيث لا يكفي إثبات الشّخص المعنوي الأفعال
المكوّنة للجريمة عن علم وٕإرادة لمساءلته جنائيا، بل يجب إضافة إلى ذلك أن يكون
ارتكاب هذه الجريمة قد تمّ لفائدة الشّخص المعنوي ولمصلحته، فبمفهوم المخالفة لا
يجوز إثارة مسؤولية الشّخص المعنوي إذا ارتكبت الجريمة من جانب شخص طبيعي من أعضاء
وممثلي الشّخص المعنوي ولحسابه الشّخصي.
المرجع:
- د. بوعياد آغا نادية نهال، محاضرات في القانون الجنائي العام، مطبوعة موجهة لطلبة السنة الثانية حقوق جذع مشترك، جامعة أبو بكر بلقايد – تلمسان، كلية الحقوق والعلوم السياسية، الجزائر، السنة الجامعية 2020-2021، من ص101 إلى ص120.