الدعاوى المرتبطة بانحلال الرابطة الزوجية
إن الدعاوى
المرفوعة من أجل فك الرابطة الزوجية من طرف أحد الزوجين على الآخر، وٕإن كانت لا
تختلف من دعوى لأخرى من حيث الإجراءات القانونية الواجب توافرها في كل دعوى، إلا
أنها تختلف من حيث موضوع كل واحدة منها، ففي هذا الصدد لابد من دارسة كل دعوى من
دعاوى فك الاربطة الزوجية.
فقد يكون طلب
فك الرابطة الزوجية من طرف الزوج، أو من طرف الزوجة (أولا)، وقد يكون أيضا بالطلب
المشترك من الزوجين - الطلاق بالتراضي- (ثانيا)، إلى جانب ذلك يجب التعرض لإجراء
مهم في دعاوى فك الاربطة الزوجية وهو وجوبية إجراء الصلح في هذه الدعاوى (ثالثا).
أولا: إجراءات دعوى فك الرابطة الزوجية بالطلاق بطلب من أحد الزوجين
1- دعوى فك الرابطة الزوجية بطلب من الزوج
قد يلجأ الزوج
أمام الجهات القضائية المختصة للقيام برفع دعوى قصد المطالبة بفك الرابطة الزوجية
وذلك لأي سبب من الأسباب ولابد على الزوج احترام الإجراءات القانونية المتعلقة
بدعوى الطلاق، سواء تعلق الأمر بمسائل الاختصاص أو إجراءات الدعوى، أو حتى فيما
يتعلق بانعقاد الخصومة.
أ- فيما يخص
الاختصاص: ترفع دعوى الطلاق أمام المحكمة قسم شؤون الأسرة طبق النص
المادة 423/1 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، ويرجع الاختصاص الإقليمي
للمحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مسكن الزوجية طبقا للمواد 40/2 و426 من قانون
الإجراءات المدنية والإدارية.
ب- إجراءات
رفع الدعوى: ترفع دعوى الطلاق من الزوج –استعمل المشرع لفظ أحد
الزوجين- بتقديم عريضة على نسختين أصليتين وفقا للأوضاع والأشكال المقررة في قانون
الإجراءات المدنية والإدارية المتعلقة برفع الدعاوى، ويجب مراعاة فيها ما تضمنته
نصوص المواد 13، 14، 15 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وكذا نص المادة 3
مكرر من قانون الأسرة المتعلقة بإدخال النيابة العامة كطرف أصلي في النزاع وذلك في
جميع القضايا الرامية لتطبيق قانون الأسرة.
فإذا كان
الزوج كامل الأهلية، فتكون العريضة الافتتاحية لدعوى الطلاق مقدمة باسمه أو باسم
من يمثله قانونا، والتي لابد أن تشتمل على جميع البيانات المذكورة في نص المادة 15
من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تحت طائلة عدم قبولها شكلا، كما يجب أيضا أن
يثبت صفته ومصلحته في النازع طبقا لنص المادة 13 من قانون الإجراءات المدنية
والإدارية.
أما إذا كان
طالب الطلاق ناقص الأهلية أو واقعا تحت الولاية أو التقديم فإن عريضة طلب الطلاق
يجب أن تقدم باسمه من قبل وليه أو مقدمه حسب الحالة، وذلك وفقا للأوضاع والأحكام
المقررة للولاية أو القوامة.
ج- تبليغ
العريضة: بعد إيداع عريضة افتتاح دعوى الطلاق لدى أمانة الضبط بالمحكمة مصحوبة
بوصل تسليم رسم التسجيل، يجب على الزوج طالب الطلاق أن يقوم بإجراء تبليغ الزوجة
المطلوب طلاقها وهي المدعي عليها بعريضة رفع الدعوى، وذلك بواسطة المحضر القضائي
على أن يكون هذا التبليغ قبل عشرين يوما على الأقل من تاريخ الجلسة الأولى المحددة
للفصل في دعوى طلب الطلاق، وذلك حتى تتمكن الزوجة المطلوب طلاقها من تحضير دفاعها.
وفي هذا
السياق دائما يجب على الزوج أيضا تبليغ نسخة من عريضة افتتاح دعوى الطلاق المشار
إليها في نص المادة 436 للنيابة العامة بواسطة المحضر القضائي، كما يجوز له أيضا
أن يبلغها عن طريق أمانة الضبط، مع العلم أن طلب الطلاق المقدم من طرف الزوج بإرادته
المنفردة لا يتطلب إلزامه بتقديم أي تبرير ولا أية أسباب، ولا يتعين على القاضي أن
يسأله عن أسباب طلبه الطلاق، وفي هذا المعنى صدر قرار عن المحكمة العليا بتاريخ
15/06/1999 تحت رقم 223019 أين قضت بأن
"للزوج الحق في تحمله مسؤولية الطلاق دون أن يفصح للقاضي عن الأسباب
التي دفعته إلى طلب الحكم بالطلاق وعليه فإن قضاة الموضوع لما قضوا بالطلاق بالإرادة
المنفردة للزوج دون تبرير فإنهم طبقوا صحيح القانون".
2- إجراءات دعوى فك الرابطة الزوجية بطلب من الزوجة
إذا كان للزوج
وحده حق المطالبة بفك الرابطة الزوجية دون سواه ودون أن يتدخل في ذلك القاضي، فإن
للزوجة حق المطالبة من القاضي تطليقها من زوجها وهذا حسب نص المادة 53 من قانون
الأسرة، كما يجوز لها أيضا أن تخالع نفسها بمبلغ مالي حسب المادة 54 من نفس
القانون، وهناك حالتين فيما يخص دعوى فك الرابطة الزوجية بطلب من الزوجة.
أ- حالة فك
الرابطة الزوجية عن طريق التطليق: كما سبق لنا الإشارة
أن الدعوى المرفوعة من طرف الزوجة سواء تعلق الأمر بالتطليق أو الخلع فهي لا تختلف
من حيث إجراءاتها عن الدعوى التي يرفعها الزوج من أجل المطالبة بالطلاق، وذلك سواء
تعلق الأمر بالشروط الشكلية الواجب توافرها في الدعوى أو شروط قبولها، وكذا فيما
يتعلق بمسائل الاختصاص فإن المشرع لم يستثني هذه الدعوى بإجراءات خاصة بها لذلك،
فلابد من التطرق إلى موضوع الدعوى والتي تستند إليها الزوجة للمطالبة بفك الرابطة
الزوجية عن طريق التطليق، والتي تبقى السلطة التقديرية لقاضي شؤون الأسرة في الأخذ
بها بعين الاعتبار في تقدير الوقائع وهذا استنادا إلى نص المادة 451/1 من قانون
الإجراءات المدنية والإدارية فهي تنص على ما يلي
"يعاين القاضي ويكيف الوقائع المعتمد عليها في تأسيس الأسباب المدعمة
لطلب التطليق طبقا لأحكام قانون الأسرة ويفصل في مدى تأسيس الطلب".
وبالرجوع إلى
نص المادة 53 من الأمر 05-02 المعد للقانون الأسرة فإننا نجد أنها تنص على ما يلي
"يجوز للزوجة أن تطلب التطليق للأسباب الآتية:
* عدم الإنفاق
بعد صدور الحكم بوجوبه ما لم تكن عالمة بإعساره وقت الزواج مع مراعاة المواد 78
و79 و80 من هذا القانون. وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 53 من قانون
الأسرة والتي نستنتج من خلالها ما يلي:
* لابد أن
يصدر حكم يقضي بإلزام الزوج بالإنفاق على زوجته.
* أن لا تكون
الزوجة عالمة بإعساره وقت إبرام عقد الزواج: ومعنى ذلك أن تقوم الزوجة برفع دعوى
النفقة أمام القاضي المختص وهو قاضي شؤون الأسرة الذي يصدر حكم يراعي في المواد
78، 79 و80 من قانون الأسرة، وأن يصبح هذا الحكم نهائيا، ويتم تنفيذ الحكم الصادر
بإلزام الزوج بدفع النفقة، وفي حالة امتناع هذا الأخير من تسديد النفقة المحكوم
بها فإن للزوجة في هذه الحالة الحق في رفع دعوى للمطالبة بالتطليق، وقد قضت
المحكمة العليا في أحد قراراتها أن "عدم الإنفاق على الزوجة لمدة تزيد عن
شهرين متتابعين يكون مبررا لطلبها التطليق عن زوجها، إذا كان الثابت أن المطعون
ضده أدين جزائيا من محكمة الجنح بتهمة الإهمال العائلي وحكم عليه غيابيا بسنة حبس
نافذة فإن قضاة الاستئناف برفضهم طلب الطاعنة المتعلق بالتطليق خرقوا أحكام هذا
المبدأ الشرعي ومتى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه...".
وقد اتجهت
المحكمة العليا فيما بعد إلى عدم اشتراط إثبات الامتناع عن دفع النفقة بحكم قضائي
جزائي فقط، بل منحت للزوجة الحرية في إثبات هذا الامتناع بأي طريقة كانت إذ جاء في
أحد قراراتها ما يلي "من المقرر قانونا أن اعتبار الزوج ممتنعا عن الإنفاق
على زوجته وأولاده لا يشترط فيه وجود حكم قضائي مدان فيه من أجل ذلك، بل يثبت بكل
وسائل الإثبات بعد صدور الحكم بوجوبها، وحيث أن القرار المنتقد لم يخالف المادة
53/1 من قانون الأسرة، ذلك أن المادة لم تشترط اعتبار الزوج ممتنعا عن الإنفاق عن
زوجته وأولاده إلا إذا توبع قضائيا وأدين من أجل ذلك، بل يمكن اعتبار الزوج ممتنعا
عن الإنفاق عن زوجته متى أثبتت الزوجة بكل الوسائل امتناعه عن الإنفاق بعد صدور
الحكم بوجوبه الأمر الذي يجعل الوجه غير سديد ويتعين رفض الطعن.
كما اشترطت
الفقرة الأولى من المادة 53 أيضا من قانون الأسرة أن لا تكون الزوجة عالمة بإعسار
الزوج وقت الزواج، وٕإذا ثبت للقاضي علم الزوجة بحالة الزوج وظروفه فهذا يعد مبررا
لرفض طلبها، ويتم إثبات علمها بإعساره إما بشهادة الشهود أو الكتابة أو الإقراء،
أي يجمع طرق الإثبات، فمسألة الإثبات في هذه الحالة مسألة موضوعية تخضع لقواعد
الإثبات العامة وللقاضي السلطة التقديرية في اعتماد أي وسيلة منها.
*- التطليق
لوجود العيوب التي تحول دون تحقيق الهدف من الزواج: لم يبين المشرع الجزائري في
النص القانوني، ولم يحصر العيوب التي تحول دون تحقيق الهدف من الزواج، إذ جاءت
أحكام الفقرة 2 من المادة 53 من قانون الأسرة بصيغة عامة وشاملة، ومنه فإن العيوب
التي تحول دون تحقيق الهدف من الزواج وقت إبرام عقد الزواج قد تكون طارئة أي ظهرت
أثناء قيام الحياة الزوجية، وأن تكون هذه العيوب غير ممكنة الإصلاح وغير قابلة
للاحتمال، وأن لا تكون الزوجة عالمة بها عند عقد الزواج، وٕإلا فلا يكون لها الحق
في المطالبة بالتطليق لأنها رضيت بها.
ومن العيوب
المبررة لطلب التطليق، هناك العيوب الجنسية التي تحول دون التناسل لأن من أهداف
الزواج هو الإنجاب وتكوين أسرة، وٕإحصان الزوجين والمحافظة على الأنساب، وهذا ما
نصت عليه المادة 4 من قانون الأسرة "الزواج هو عقد رضائي ... من أهدافه تكوين
أسرة أساسها المودة والرحمة والتعاون وٕإحصان الزوجين والمحافظة على
الأنساب"، ومن بين تلك العيوب هناك عيوب خاصة بالرجال، وهناك الخاصة بالنساء،
وعيوب مشتركة بين الرجال والنساء.
إن تقدير
العيوب التي تحول دون تحقيق الهدف من الزواج تعود إلى القاضي المطروح أمامه النزاع
فهو المؤهل لوحده بتقدير الأدلة والبراهين المقدمة من طرف الزوجة وله السلطة
التقديرية الواسعة بالاستعانة بأهل الخبرة من ذوي الاختصاص، كأن يعين طبيبا لفحص
الزوج وٕإعداد تقرير لذلك، وهذا ما نصت عليه المادة 451 من قانون الإجراءات
المدنية والإدارية، فإذا تحقق من وجود تلك العيوب قضى بتطليق الزوجة، وهذا ما ذهبت
إليه المحكمة العليا في أحد قار ارتها، إذ قضت بتطليق الزوجة بسبب العيب الذي يحول
دون تحقيق الهدف من الزواج.
*- التطليق
للهجر في المضجع فوق أربعة أشهر: نصت عليه الفقرة 3 من المادة 53 من قانون الأسرة،
ومعناه أن يهجر الزوج زوجته فلا يعاشرها لأكثر من أربعة أشهر، ويشترط في هذا الهجر
أن يكون متعمدا ومقصودا لذاته وليس له أي تبرير إلا الهجر، فلا يعد هجرا من أجبرته
ظروف العمل أو المرض على الهجر أو الابتعاد عن زوجته لأكثر من أربعة أشهر، وفي
الحقيقة فإن إثبات الزوجة هذا السبب يعتبر من المسائل الصعبة والعويصة جدا، والذي
في كثير من الأحيان يستحيل عليها إثباتها، فمهما قدمت من أدلة كشهادة الشهود على
مغادرة زوجها المسكن الزوجي لأكثر من 4 أشهر، أو صدور حكم نهائي بترك الأسرة، إلا
أنه تبقى المسألة تقديرية يختص بها القاضي الفاصل في الدعوى المطروحة أمامه، ولا
تخضع لرقابة المحكمة العليا.
*- الحكم على
الزوج عن جريمة فيها مساس بشرف الأسرة يستحيل معها مواصلة العشرة والحياة الزوجية:
نصت على هذا السبب الفقرة الاربعة من المادة 53 من قانون الأسرة المعدلة بموجب
القانون رقم 05-02، إذ اكتفت هذه الفقرة بإعطاء الحق للزوجة بتأسيس طلبها على أن
زوجها محكوم عليه عن جريمة ماسة بالشرف وتستحيل معه العشرة الزوجية، وهذا دون
الإشارة لمدة العقوبة، خلافا لما كان عليه الأمر قبل تعديل نص المادة 53 في فقرتها
الاربعة، فيكفي إذا حسب المادة 53/4 المعدلة أن يدان الزوج ولا تهم مدة العقوبة
المسلطة عليه، كما أن نص الفقرة لم يحدد الجرائم الماسة بالشرف، إذ ترك المشرع ذلك
لتقدير القاضي الفاصل في النازع.
والجرائم
الماسة بالشرف والعرض كثيرة ومتعددة حسب القانون الجنائي منها: جريمة هتك العرض،
والأفعال المخلة بالحياء، والتحريض على الفسق والزنا والفاحشة بين ذوي المحارم،
والاعتداء على القصر...الخ، وبصفة عامة كل الجرائم التي تسيء إلى سمعة الزوجة وشرف
الأسرة بأكملها وهذا يؤدي بصورة آلية إلى استحالة مواصلة العشرة الزوجية، وهو
الشرط الذي اعتمدته الفقرة الاربعة من المادة 53 من قانون الأسرة، وقد جاء في أحد
قرارات المحكمة العليا ما يلي: "المبدأ يحق للزوجة طلب التطليق قبل الدخول
بسبب الحكم على الزوج من أجل جريمة ماسة بشرف الاسرة واستحالة تحقيق الهدف من
الزواج". ويستجاب لطلب الزوجة
بالتطليق حسب الفقرة الاربعة من المادة 53 من قانون الأسرة إذا ثبتت إدانة الزوج
وأصبح الحكم الصادر ضده نهائي ونفذت العقوبة، ويتم الحكم للزوجة بالتطليق والتعويض
عن الضرر اللاحق بها.
*- الغيبة
(الغياب) بعد مرور سنة بدون عذر ولا نفقة: نصت على هذا السبب المبرر للتطليق
الفقرة الخامسة من المادة 53 من قانون الأسرة المعدل، والغائب هو من منعته ظروف
قاهرة من الرجوع إلى محل إقامته أو إدارة شؤونه بنفسه أو بواسطة مدة سنة وتسبب
غيابه في ضرر الغير يعتبر كالمفقود. لقد اشترطت المادة 53/5 من قانون الأسرة على
الزوجة لكي تؤسس طلبها عليها أن يغيب عنها زوجها مدة سنة، وتحسب هذه المدة من
تاريخ رفع الدعوى الرامية لطلب التطليق، وعلى القاضي ان يتأكد من أن الغيبة كانت
دون مبرر أو عذر مقبول، ودون سبب شرعي، فلا تقبل دعوى التطليق من زوجة ثبت أن
زوجها موجود في إطار خدمة عامة أو وظيفة، بمعنى آخر إذا كان الغياب بعذر أو في
حالة الغياب مع الإنفاق.
كما يلاحظ
أيضا ومن جهة أخرى أن الفقرة الخامسة من نص المادة 53 من قانون الأسرة لم تبين لنا
كيفية إثبات الغيبة، وما إذا كان بإمكان الزوجة إقامة دعوى إثبات الغيبة وذلك طبقا
لنص المادة 112 من قانون الأسرة التي تنص "لزوجة المفقود أو الغائب أن تطلب
الطلاق بناء على الفقرة الخامسة من المادة 53 من هذا القانون"، ومنه فإن طلب
التطليق لا يستجاب له إلا بعد استصدار حكم وفقا لأحكام المادتين 109-110 من قانون
الأسرة.
*- مخالفة
الأحكام الواردة في المادة 8 قانون الأسرة: يحق للزوجة أن ترفع دعوى الطلاق طبقا
للمادة 53/6 من قانون الأسرة وذلك في حالة مخالفة الزوج لأحكام المادة 8 من قانون
الأسرة، والمقصود بها إعادة الزواج بامرأة أخرى، أو التعدد دون توفير العدل أو مراعاة
إلا أنه يجب على الزوج إخبار الزوجة السابقة والمرأة التي يقبل على الزواج بها،
وأن يقدم طلب الترخيص بالزواج إلى رئيس المحكمة لمكان مسكن الزوجية.
يمكن لرئيس
المحكمة أن يرخص بالزواج الجديد إذا تأكد من موافقتهما واثبت الزوج المبرر الشرعي
وقدرته على توفير العدل والشروط الضرورية للحياة الزوجية".
إجراءات
المادة 8 السالفة الذكر، وفي ذلك جاء في إحدى قرارات المحكمة العليا ما يلي:
"حيث أن الطاعن لم يثبت رضا المطعون ضدها بهذا القارن لأن العلم به شيء
والرضا به شيء آخر والمادة 8 من قانون الأسرة سمحت للزوجة سواءً السابقة أو
اللاحقة برفع دعوى قضائية ضد الزوج تطلب فيه التطليق في حالة عدم الرضا بزواجه
الثاني.
نلاحظ في
الحقيقة أن أحكام المادة 53/6 لا مبرر لها، وذلك أن باعتبار أن الأمر رقم 05- 02 المعدل لقانون الأسرة نصفي المادة 8
مكرر منه على أحقية كل زوجة في المطالبة بالتطليق في حالة التدليس، أي أن الزوج
تزوج خفية عنها ودون أن يعلمها أو يتحصل على الموافقة المسبقة منها.
*- ارتكاب
فاحشة مبينة: قد يكون موضوع دعوى التطليق المرفوعة من طرف الزوجة المدعية ما
تضمنته المادة 53/7 من قانون الأسرة التي تتعلق بارتكاب الزوج لفاحشة مبينة، وحسب
نص المادة 337 مكرر من قانون العقوبات، فإن جريمة الفاحشة تتمثل في ارتكاب العلاقة
الجنسية بين الأقارب من الفروع والأصول، بين الإخوة والأخوات الأشقاء من الأب أو
الأم، أو مع أحد فروعه من والد الزوج أو الزوجة أو زوج الأم أو زوجة الأب أو فروع
الزوج الآخر، أو بين شخص وابن أحد اخوته أو أخواته من الأب أو لأم أو أحد فروعه
وكذلك إذا ارتكب من الأم أو الأب والزوج أو الزوجة والأرمل أو أرملة ابنه أو مع
أحد آخر من فروعه وكذا والد الزوج أو الزوجة أو زوج الأم أو زوجة الأب وفروع الزوج
الآخر أيضا إذا ارتكب من أشخاص يكون أحدهم زوجا لأخ أو لأخت.
إن جريمة
الفاحشة حسب المادة 337 مكرر قانون العقوبات السالفة الذكر لا تقوم إلا إذا توفرت
أركانها كقيام العلاقة الجنسية وقيام علاقة القرابة، وقيام القصد الجنائي، علاوة
على ذلك أن يتم إدانة الزوج ويصبح الحكم نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به، ويمكن
للزوجة المطالبة للتطليق أن تثبت هذا السبب المنصوص عليه في المادة 53/7 من قانون
الأسرة في حالة الاستناد عليه كمبرر لطلبها بكل طرق الإثبات، كتقديم الحكم الجزائي
أو البينة أو الإقرار إذا لم يحدد النص شروط خاصة لإثبات هذا السبب.
*- الشقاق
المستمر بين الزوجين: نصت على ذلك المادة 53/8 من قانون الاسرة، فإذا استمر الشقاق
بين الزوجين كاستفحال الخصام بينهما ولمدة طويلة وتصبح الحياة الزوجية مستحيلة،
فيحق للزوجة طلب التطليق طبقا للنص السالف الذكر، وٕإذا وفق القاضي أثناء جلسة
الصلح على إطالة أمد النزاع بين الزوجين وتبين له الضرر الحاصل للزوجة من ذلك
الشقاق قضى بتطليقها من زوجها، وٕإذا لم يثبت له ذلك الضرر عين حكمين لمحاولة
الإصلاح بين الزوجين حكما من أهل الزوجة وحكما من أهل الزوج ويمنحهما أجل شهرين
لتقديم تقرير لمساعيهما والذي قد يتوج بإيجاد حل يتجنب معه فك الاربطة
الزوجية.
*- مخالفة
الشروط المتفق عليها في عقد الزواج: نصت على ذلك المادة 53/9 من قانون الأسرة، إذ
يحق للزوجة أن تشرط كل ما تراه ضروريا غير مخالف للنظام العام والآداب العامة،
سواء كان ذلك في عقد الزواج، وفي عقد لاحق، كاشتراط مثلا عدم تعدد الزوجات وعمل
الزوجة ما لم يتنافى مع قانون الأسرة، أيضا أن لا تشترط ما تحلل حراما أو تحرم
حلالا، وفي حالة مخالفة تلك الشروط المتفق عليها من طرف الزوج يحق للزوجة أن تقيم
دعوى التطليق طبقا للفقرة التاسعة من المادة 53 السالفة الذكر، مع العلم أن المشرع
أجاز للزوجين أن يتفقا في عقد الزواج أو في عقد رسمي لاحق حول الأموال المشتركة
بينهما، والتي يكتسبانها خلال الحياة الزوجية وتحديد النسب التي تؤول إلى كل واحد
منهما، وفي هذه الحالة أيضا إذا أخل الزوج بالتزاماته التعاقدية حقّ للزوجة طلب فك
العصمة الزوجية عن طريق التطليق.
*- كل ضرر
معتبر شرعا: نصت عليه الفقرة العاشرة من المادة 53 من قانون الأسرة، التي أجازت
بدورها للزوجة المطالبة بالتطليق والاستناد عليها في دعواها، وذلك دون أن تحدد هذه
الفقرة لأي ضرر معين، والمقصود بالضرر هو الأذى الذي يلحقه الزوج بزوجته بمختلف
أشكاله وأنواعه، سواء أكان الضرر معنويا كالمس من شرفها وسمعتها، أو إفشاء أسرارها،
أو ماديا كالضرب المبرح، الإهمال وعدم الاتفاق، وعلى كل حال فإن الفقرة العاشرة
السالفة الذكر أشارت إلى كل ضرر معتبر شرعا، وهي جملة عامة وشاملة، إذ لا يمكننا
تحديد كل الأضرار وحصرها والتي من شأنها أن تؤدي إلى فك الرابطة الزوجية عن طريق
التطليق، ومسألة تقدير ذلك متروكة لقاضي شؤون الأسرة المختص بالنظر في الدعوى.
ويمكن القول
بأنه في حالة قيام أي حالة من الحالات المنصوص عليها في المادة 53 من قانون
الأسرة، فإن ذلك يمنح الحق للزوجة لرفع دعوى أمام المحكمة وفقا للأوضاع والأشكال
المقررة لعريضة افتتاح الدعوى المنصوص عليها في المادة 14 من قانون الإجراءات
المدنية والإدارية وما يليها، تطالب فيها بفك الرابطة الزوجية عن طريق التطليق،
ولكن لابد عليها أن تثبت قيام أية حالة من هذه الحالات بكل طرق ووسائل الإثبات
القانونية للحكم لها بالتطليق، وفي حالة عدم استطاعتها ذلك فإن القاضي يرفض دعواها
لعدم التأسيس، ومع ذلك فإن الحكم برفض دعوى التطليق ليس له حجة الشيء المقضي فيه،
إذ يمكن للزوجة أن ترفع دعوى جديدة للمطالبة بالحكم لها بالتطليق إذا استطاعت أن
تقدم الأدلة والأسباب التي عجزت عن تقديمها فيما سبق، لأن قضايا التطليق من قضايا
الحالة لا تخضع لقاعدة حجية الشيء المقضي به لكونها دائمة التغير.
كما يلاحظ
أيضا أنه في حالة صدور الحكم بالتطليق فإنه يجوز للقاضي أيضا أن يحكم للمطلقة
بالتعويض عن الضرر اللاحق بها، وهذا ما تم استحداثه بموجب تعديل 2005 لقانون
الأسرة، وذلك استنادا إلى نص المادة 53 مكرر المضافة في 27 فيفري 2005.
ب- حالة فك
الرابطة الزوجية عن طريق الخلع: لم تشترط نص المادة
54 من القانون رقم 84-11 المتعلق بقانون الأسرة قبل تعديلها "شرط عدم موافقة
الزوج" وهذا كما هو عليه الحال بعد تعديل هذا النص بموجب الأمر رقم 05- 02
التي جاء فيها ما يلي: "يجوز للزوجة دون موافقة الزوج أن تخالع نفسها بمقابل
مالي، إذا لم يتفق الزوجان على المقابل المالي للخلع يحكم القاضي بما لا يتجاوز
قيمة صداق المثل وقت صدور الحكم".
يعتبر الخلع
نوع من أنواع الطلاق، وهو طلاق مقابل الصداق، وقد أجازت المادة 54 السالفة الذكر
للزوجة أن تقوم برفع دعوى قضائية أمام المحكمة المختصة تطلب فيها بالطلاق من زوجها
مقابل مبلغ مالي تعرضه على الزوج، ويسمى أيضا الطلاق مقابل مال دون تحديد نوعه،
فإن لم يقبل به الزوج، يحكم القاضي بما لا يتجاوز قيمة صداق المثل وقت صدور الحكم،
والخلع رخصة للزوجة لفك نفسها من الزوج وهو حق لها ولا يشترط موافقة الزوج، كما
سبق الإشارة اليه.
ويلاحظ من
خلال تعديل نص المادة 54 من قانون الأسرة إنه يكفي أن تعرض الزوجة مقدار من المال
أو ما يُقوّم بالمال على الزوج بغية تحقيق
رغبتها في الانفصال والطلاق من زوجها سواء رضي أم لم يرضى، وٕإذا رفض الزوج
المبلغ أو الشيء المعروض عليه مقابل الخلع فيتعين على قاضي شؤون الأسرة أن يتدخل
فيقضي بالطلاق وفق رغبة الزوجة، ويحكم للزوج بما لا يتجاوز قيمة صداق المثل.
قد جاء في أحد
قرارات المحكمة العليا في هذا الصدد بأن تحديد مبلغ الخلع عنصر أساسي في الطلاق
بالخلع يحدده القاضي وجوبا في حالة اتفاق الطرفين عليه، أما في حالة اختلاف
الطرفين على مقدار المبلغ المالي فإن أمر تقديره يعود لقاضي الموضوع، كما ذهبت
المحكمة العليا أيضا في أحد قراراتها إلى ضرورة وجوب الحضور الشخصي لطالبة الخلع
في جلسة الصلح وعدم اكتفائها بإنابة محاميها الوكيل عنها.
ولا تختلف إجراءات
دعوى الخلع عن باقي الدعاوى الأخرى، إذ يتعين على الزوجة الراغبة في إنهاء العلاقة
الزوجية أن تقدم طلبا في شكل عريضة تكون مكتوبة وموقعة ومؤرخة تودعها بأمانة الضبط
بالمحكمة مرفقة بشهادة عائلية وبنسخة من عقد الزواج، وتكون هذه العريضة على
نسختين، وتشتمل على البيانات المشار إليها في المادة 15 من قانون الإجراءات
المدنية والإدارية تحت طائلة عدم قبولها شكلا، ولاسيما الجهة القضائية المختصة
التي ترفع إليها الدعوى والتي توجد في دائرة اختصاصها مسكن الزوجية، وبيان اسم
ولقب وعنوان الزوجة المدعية والمدعى عليه الزوج، وعرض موجز للوقائع، وبعد أن تسجل
العريضة لدى أمانة الضبط تبلغ نسخة منها للزوج المدعى عليه وتكلفه بالحضور أمام
المحكمة بواسطة المحضر القضائي، الذي يحرر محضر بتسليم التكليف بالحضور ويسلم
إليها نسخة مع مراعاة مهلة العشرين يوما.
كما تبلغ نسخة
من العريضة إلى النيابة العامة التي تعتبر طرفا أصليا في النزاع طبقا للمواد 3
مكرر من قانون الأسرة، وكذا المادة 438 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية،
سواء بواسطة المحضر القضائي أو بواسطة أمين الضبط الذي ينبغي أن يحرر وصل تسليم يوقعه
مع المبلغ له.
إنّ أهم ما
تتميز به دعوى الخلع أن موضوعها ينصب على مطالبة الزوجة بإنهاء العلاقة الزوجية
القائمة مقابل مال نقدا أو عينا تعرضه الزوجة على زوجها، فإن قبل الزوج بالعرض جاز
للقاضي إصدار حكم بالطلاق، وٕإن لم يقبل جاز للقاضي أن يتدخل ويحكم بالطلاق مقابل
مبلغ من المال يقدره، بحيث لا يتجاوز قيمة صداق المثل وقت صدور الحكم وهو تقدير
موضوعي لا يخضع لرقابة المحكمة العليا، مع العلم أنه وضف خصائص الحكم بالطلاق عن
طريق الخلع أنه لا يسقط نفقة العدة إلا إذا تنازلت عنها الزوجة.
ثانيا: إجراءات فك الرابطة بطلب مشترك بين الزوجين (الطلاق بالتراضي)
تنحل الرابطة
الزوجية أيضا عن طريق الطلاق بالتراضي الذي أجازته المادة 48 المعدلة بموجب الأمر
رقم 05- 02 المتعلق بقانون الاسرة والتي جاء فيها: "مع مراعاة أحكام المادة 49 أدناه يحل عقد الزواج بالطلاق الذي يتم بإرادة
الزوج أو بتراضي الزوجين ...".
عرّفت المحكمة
العليا في إحدى قراراتها الطلاق بالتراضي هو "مجرد إشهاد من المحكمة على رغبة
الزوجين في الطلاق ولا يوصف بالابتدائية ولا النهائية، ولا يحق لأي من الزوجين
الطعن فيه إلا عن طريق دعوى التزوير"، كما عرفت المادة 427 من قانون الإجراءات
المدنية والإدارية الطلاق بالتراضي بأنه: "هو إجراء يرمي إلى حل الرابطة
الزوجية بإرادة الزوجين المشتركة".
لم يتعرض
الفصل الخاص بالطلاق في قانون الأسرة إلى أحكام الطلاق بالتراضي لذا يتعين الرجوع
إلى أحكام هذا النوع من الطلاق الواردة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية إذ
وضع المشرع إجراءات خاصة بهذا النوع من الطلاق يجب احترامها والمنصوص عليها في
المواد من 427 إلى 435.
1- بالنسبة للشروط الواجب توافرها في عريضة دعوى الطلاق بالتراضي
في حالة
الطلاق بالتراضي يقدم طلب مشترك في شكل عريضة وحيدة موقعة من الزوجين تودع بأمانة
الضبط، وتتضمن جميع البيانات الواردة في المادة 429 قانون إجراءات مدنية وٕإدارية
والتي جاءت بصيغة الوجوب إذ حصرت هذه البيانات التي يجب أن تتضمنها العريضة
الوحيدة وهي:
بيان الجهة
القضائية المرفوع أمامها الطلب، اسم ولقب وجنسية كلا الزوجين وموطن وتاريخ ومكان
ميلادهما، تاريخ ومكان زواجهما، وعند الاقتضاء ذكر عدد الأولاد القصر، عرض موجز
يتضمن جميع شروط الاتفاق الحاصل بينهما حول توابع الطلاق، يجب أن يرفق مع العريضة
شهادة عائلية ومستخرج من عقد زواج المعنيين، ومع ذلك لا يجوز تقديم طلب الطلاق
بالتراضي إذا كان أحد الزوجين تحت وضع التقديم، أو إذا ظهر عليه اختلال في قدراته
الذهنية تمنعه من التعبير عن إرادته، ويجب إثبات اختلال القدرات الذهنية من قبل
طبيب مختص، وهذا ما نصت عليه المادة 432/1-2 من قانون الإجراءات المدنية
والإدارية. يقوم أمين الضبط بإخطار الطرفين في الحال بتاريخ حضورهما أمام القاضي،
ويسلم لهما استدعاء لهذا الغرض.
2- بالنسبة لإجراءات انعقاد الخصومة
في التاريخ
المحدد للحضور يتأكد القاضي من توافر شروط العريضة وقبولها، ويستمع للزوجين على
انفراد ثم مجتمعين، ويتأكد من رضائهما، ويحاول الصلح بينهما إذا كان ذلك ممكنا،
وذلك كما هو مبين بالتفصيل في نص المادة 431 من قانون الإجارءات المدنية
والإدارية، كما ينظر بعد ذلك مع الزوجين أو وكلائهما في الاتفاق، وله السلطة
التقديرية في أن يلغي أو يعدل في شروطه، وذلك في حالة ما إذا كانت تتعارض مع مصلحة الأولاد أو خالفت النظام
العام، يثبت القاضي بعد ذلك إرادة الزوجين بإصدار حكم يتضمن المصادقة على الاتفاق
النهائي ويصرح على إثر ذلك بالطلاق.
وهذه الإجراءات
واجبة الاحترام باعتبار أن الطلاق بالتراضي يخضع لشروط وٕإجراءات مقررة قانونا
وفي ذلك جاء في إحدى قرارات المحكمة العليا ما يلي: "للطلاق بالتراضي أحكام
خاصة يجب مراعاتها من طرف القاضي ويجب عليه التأكد من قبول العريضة المشتركة، وبعد
الاستماع إلى الزوجين على انفراد ثم مجتمعين ويتأكد من رضائهما، ويحاول الصلح
بينهما إن كان ذلك ممكنا...، وحيث يتبين من الحكم محل الطعن بالنقض أن المحكمة لم
تتأكد من كل ذلك وأشارت إلى أنها سعت لإصلاح ذات البين إلا أن محاولاتها باءت
بالفشل بسبب تمسك المطعون ضده بفك الرابطة الزوجية بالتراضي لاستحالة العشرة
الزوجية وغياب الطاعنة عن جلسة الصلح ومع ذلك قضت بالإشهاد بفك الرابطة الزوجية
بالطلاق بالتراضي مخالفة لنص المادة 431 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية
التي جاءت بأحكام خاصة بالطلاق بالتراضي مما يتعين نقض الحكم المطعون
فيه".
ثالثا: وجوبية إجراء الصلح في دعاوى فك الرابطة الزوجية
لقد خص المشرع
الجزائري مرحلة الصلح في مسائل شؤون الأسرة بعناية كبيرة وأسهب في الموضوع لما
يكتنفه من أهمية بالغة للحفاظ على العائلة، وعلى هذا الأساس وانطلاقا من تعاليم
ديننا الحنيف فقد فرض المشرع سواءً في قانون الاسرة أو قانون الإجراءات المدنية
والإدارية على القاضي اتباع إجراءات معينة لنجاحه.
بالرجوع إلى
نص المادة 49 المعدلة بالأمر رقم 05-02 المتعلق بقانون الأسرة نجد أنها تنص صراحة
على ما يلي: "لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد عدة محاولات صلح يجربها القاضي دون
أن يتجاوز مدته ثلاثة (3) أشهر ابتداء من تاريخ رفع الدعوى"، ومن استقراء
نصوص المواد من 439 إلى غاية 449 قانون الإجراءات المدنية والإدارية، نلاحظ أن
هناك صلح الذي يقوم به القاضي مباشرة وبنفسه، وهناك صلح يشرف عليه وذلك عند لجوئه
إلى تعيين حكمين للصلح بين الزوجين.
1- إجراء الصلح بين الزوجين من طرف القاضي
تعتبر محاولات
الصلح التي يجريها القاضي بين الزوجين وجوبية وتتم بجلسة سرية، وهذا ما أكدت عليه
المحكمة العليا أيضا في إحدى قراراتها يجب أن يقوم قاضي شؤون الأسرة بمحاولة أو
أكثر لعرض الصلح على الزوجين لتبصيرهما عن الآثار الوخيمة التي قد تترتب على
الطلاق وذلك في جلسة سرية في مكتبه أو في مكان آخر، وفي التاريخ المحدد لإجراء
محاولة الصلح يستمع القاضي إلى كل زوج على انفراد ثم معا، ويمكن حضور أحد أفراد
العائلة والمشاركة في محاولة الصلح وذلك بناءً على طلب الزوجين، وهو أمر مستحدث في
التعديل الجديد لقانون الأسرة نظرا لخصوصية النزاع ومراعاة لتقاليد الأسرة الجزائرية.
ويلاحظ أنه في
حالة أما إذا تغيب الزوجان في التاريخ المحدد لجلسة الصلح أو حدث لهما مانع أو كان
ذلك لظروف قاهرة أو بسبب حدوث مانع طبيعي أو اجتماعي فإنه ينبغي على القاضي تحديد
تاريخ لاحق لجلسة الصلح، وٕإن تعذر جاز له أن يندب أو يفوض قاضي آخر للقيام بإجراءات
الصلح بموجب إنابة قضائية، أما إذا كان تخلف الزوجان أو أحدهما عن حضور جلسة الصلح
بدون عذر مقبول رغم تبليغهما شخصيا بتاريخ ومكان انعقاد جلسة الصلح فإنه يجوز
لقاضي شؤون الاسرة المعروض عليه النزاع أن يحرر محضرا بالغياب عن جلسة الصلح، وبعد
ذلك يقوم بالفصل في الدعوى بالحالة التي هي عليها بعد استنفاد إجراءات تبادل
المذكرات.
وبالرجوع إلى
نص المادة 442 قانون إجراءات مدنية وٕإدارية فإنه يمكن للقاضي أن يمنح الزوجين
مهلة تفكير لإجراء محاولة جديدة للصلح، كما يجوز له اتخاذ ما يراه لازما من
التدابير المؤقتة وذلك بموجب أمر غير قابل لأي طعن، وفي جميع الأحوال فإنه يجب أن
لا تتجاوز مهلة محاولة الصلح مدة أكثر من 3 أشهر يبدأ حسابها من تاريخ رفع دعوى
الطلاق، وهذا ما نصت عليه المادة 49/1 من قانون الأسرة، وكذا المادة 442/3 من
قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وسواءً كانت مهلة التفكير قد تمخضت عن نتائج
إيجابية أو سلبية فإنه يتبين على القاضي أن يحرر محضرا يتضمن المهلة الممنوحة
للتفكير في أمر الصلح ليرجع إليه عند الحاجة.
بمعنى آخر يجب
على قاضي شؤون الاسرة أن يقوم بعد إتمام إجراءات محاولة الصلح بتحرير محضر يثبت
فيه المساعي التي قام بها والنتائج التي توصل إليها، ثم يقوم بتوقيعه مع أمين
الضبط والزوجين الحاضرين أو مع الحاضر منهما فقط، فالصلح بين الزوجين يثبت بمحضر
يحرر في الحال من أمين الضبط تحت إشراف القاضي، يوقع من طرف القاضي وأمين الضبط
والزوجين، ويودع بأمانة الضبط، ويصبح بذلك سندا تنفيذيا، ويحق للزوج أن يراجع
زوجته أثناء محاولة الصلح، إذ لا يحتاج إلى عقد جديد ومن يراجعها بعد صدور الحكم
بالطلاق يحتاج إلى عقد جديد، وهذا ما نصت عليه صراحة المادة 50 من قانون الأسرة،
وفي حالة عدم الصلح أو تخلف أحد الزوجين بالرغم من مهلة التفكير الممنوحة له، يشرع
القاضي في مناقشة موضوع الدعوى.
2- الصلح من طرف حكمين (التحكيم)
يعتبر هذا
التحكيم من نوع خاص وهو أقرب منه إلى الوساطة، وذلك أن القاضي هو الذي يبادر به،
والصلح بواسطة حكمين مستمد من أحكام الشريعة الإسلامية، لقوله عز وجلّ " وَإِنْ
خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ
أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)" وكذا من أحكام المادة 56 من قانون الأسرة التي
تنص "إذا اشتد الخصام بين الزوجين ولم يثبت الضرر وجب تعيين حكمين للتوفيق
بينهما، يعين القاضي الحكمين، حكما من أهل الزوج وحكما من أهل الزوجة، وعلى هذين
الحكمين أن يقدما تقريرا عن مهمتهما في أجل شهرين"، ويتبين من خلال هذا النص
أنه إذا لم يثبت أي ضرر أثناء الخصومة نتيجة غياب الخطأ المبرر للطلاق واشتد
الخصام بين الزوجين جاز للقاضي أن يعين حكمين اثنين لمحاولة الصلح بينهما حسب
مقتضيات قانون الأسرة، وهذا ما نصت المادة 446 من قانون الإجراءات المدنية
والإدارية، وأكدت عليه أيضا المحكمة العليا في إحدى قراراتها "لكن نلاحظ أنه
إذا استطاع القاضي أن يتوصل إلى وجود الضرر من خصام الزوجين وتم إثباته أمامه فله
أن لا يطبق أحكام المادة 56 من قانون الأسرة التي تشترط عدم إثبات الضرر.
نلاحظ ومن خلل
ما سبق أن المادة 446 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية قد كررت حكم المادة 56
من قانون الأسرة بشأن تعيين حكمين اثنين في حالة عدم ثبوت الضرر أثناء الخصومة،
وأضافت المادة 447 قانون الإجراءات المدنية والإدارية شيئا من التفصيل بأن يطلع
الحكمان القاضي بما يعترضهما من إشكالات أثناء تنفيذ المهمة المسندة إليهم، فإذا
توصلا إلى الصلح يثبت ذلك في محضر يصادق عليه القاضي بموجب أمر غير قابل لأي طعن،
يبقى القاضي وحده صاحب الاختصاص في إنهاء مهام الحكمين تلقائيا إذا تبينت له صعوبة
تنفيذ المهمة، وفي هذه الحالة يعيد القضية إلى الجلسة وتستمر الخصومة.
يتضح من خلال
الإجراءات السالفة الذكر أن المشرع الجزائري حماية لحرمة الأسرة ومصلحة القصر فقد
وسع اختصاص قاضي شؤون الأسرة أثناء محاولات الصلح وذلك رغبة منه لتفادي الوصول إلى
الطلاق الذي انتشر كثيرا في السنوات الأخيرة، الأمر الذي أصبح يهدد كيان الأسرة
الجزائرية، أضف إلى ذلك فإن جل الإجراءات المفصلة التي تناولها المشرع في قانون
الإجراءات المدنية والإدارية، قد أزالت الإشكال الذي كان مطروحا على مستوى بعض
المحاكم التي غالبا ما تلجأ لرفض الدعوى شكلا لبطلان الإجراءات في حالة غياب
الزوجين أو أحدهما من جلسات الصلح، وذلك بالرغم من تدخل المحكمة العليا في هذا
الشأن باستقرائها على الإجراءات السالفة الذكر في حالة غياب عن جلسات محاولات
الصلح، الأمر الذي من شأنه المساس بطبيعة قضايا شؤون الأسرة.
المرجع:
- د. ربيع زهية، إجراءات التقاضي في شؤون الأسرة، محاضرات موجهة لطلبة السنة الثانية ماستر، تخصص قانون أسرة، جامعة أكلي محند أولحاج – البويرة – كلية الحقوق والعلوم السياسية، السنة الجامعية: 2020-2021، ص39 إلى ص59.