تعريف العدة والحكمة من تشريعها
من بين الحقوق التي تتمتع بها المطلقة
بعد صدور حكم القاضي بفك الرابطة الزوجية حق نفقة العدة، وما استقر عليه شرعا
وقانونا أن كل مطلقة فرض عليها الامتثال لفترة العدة واحترام آجالها، وذلك لمنحها
فرصة حتى يتمكن الزوجين من مراجعة أنفسهما فقد تتحسن العشرة بينهما ويعودان
لبعضهما.
وقد ذكر المشرع في هذا الصدد العدة
كأثر من آثار الطلاق وهذا في الفصل الثاني من الباب الثاني من الكتاب الأول لقانون
الأسرة وهذا بموجب المواد 58-59-60-61 من نفس القانون، ومنها نستخلص أن العدة
تختلف من حالة إلى أخرى، وحسب الوضعية التي تكون عليها المطلقة.
أ- التعريف اللغوي والاصطلاحي للعدة
* التعريف اللغوي: العدة لغة مأخوذ من العدد وهي مصدر
للفعل َّ عد يَعُد عدًا كما يفيد معنى الحساب والإحصاء، فجمع العدة عدد، وسميت
كذلك لاشتمالها على العدد من الأشهر وتطلق لغة على أيام حيض المرأة.
* التعريف الاصطلاحي: العدة أجل ضربه الشارع لانقضاء ما بقي
من آثار الزواج أو شبهته، فهي عدة مقدرة بحكم الشرع تلزم المرأة مراعاة أحكامها
عند وقوع الطلاق بينها وبين زوجها، أي في هذه المدة لا يجوز للمطلقة التزوج من غير
مطلقها، وكذا حرمة خروج المعتدة من طلاق رجعي من مسكن الزوجية الذي طلقت فيه، إلا
في حالة الفاحشة المبينة.
ب- الحكمة من تشريع العدة
تجب العدة عند وجود سببها وهو وقوع
الفرقة بين الزوجين، وتكمن الحكمة في تشريعها في التأكد من عدم حمل المطلقة من
زوجها الذي فارقته أي براءة رحمها وخلوه من أي حمل وبالتالي تصان الأنساب من
الاختلاط، والأصل أيضا أن الطلاق يكون رجعي فللزوج حق مراجعة زوجته ما دامت في
عدتها إذا تبين أنه تسرع في تطليقها.
ج- دليل مشروعيتها
العدة واجبة شرعا وقانونا.
* شرعا: دل على وجوبها الكتاب والسنة
والإجماع، أما الكتاب ففيه آيات كثيرة وردت في وجوبها منها قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) وقوله تعالى: (وَاللَّائِي
يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ
ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۚ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ
أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) وقوله تعالى: "وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا"
وفي السنة النبوية أحاديث كثيرة في
وجوب العدة منها قوله صلى ﷲ عليه وسلم لفاطمة بنت قيس: "اعتدي في بيت أم
مكتوم" أما بالنسبة للإجماع فقد تم على وجوبها في الجملة.
* قانونا: تناول المشرع الجزائري العدة في مواد
قانون الاسرة واعتبرها من آثار انحلال الرابطة الزوجية، وقد جاء في نص المادة 58
من قانون الأسرة ما يلي: "تعتد المطلقة المدخول بها غير الحامل بثلاثة قروء،
واليائس من المحيض بثلاثة أشهر من تاريخ التصريح بالطلاق".
نستخلص من ذلك أن عدة المطلقة المدخول
بها هي مدة ثلاثة قروء أي ثلاثة حيضات، أو ثلاث طهورات من ثلاث حيضات وتبدأ حساب
ذلك من تاريخ التصريح بالحكم بالطلاق، فالعدة تبعا لذلك ترتبط بواقعة الدخول فلا
عدة للمطلقة غير المدخول بها وهذا ما أقرته أيضا المحكمة العليا في أحد قراراتها،
فالتفرقة قبل الدخول لا توجب العدة سواءً أكانت ناتجة من طلاق أو وفاة أو نتج
لنكاح صحيح أو فاسد.
كما يمكن للزوج اثناء فترة العدة أن يراجع
زوجته وذلك لكون العصمة بيده إن شاء أمسكوٕ إن شاء طلق، وفي ذلك جاء قرار المحكمة
العليا "حيث أن القرار المطعون فيه جاء معلل ومؤسسا بما فيه الكفاية، وذلك
لأن المطعون ضده الزوج تمسك بالرجوع ما دامت العصمة بيده وأن الطلاق الذي صدر منه
رجعي... ويسعى في إرجاعها في خلال مدة عشرين يوما قبل فوات مدة العدة شرعا، وأن
قضاة الموضوع طبقوا القانون تطبيقا سليما لما قضوا باستئناف الحياة الزوجية لأن
العصمة بيد الزوج وأن الطلاق لم يقع مما يتعين رفض الطعن".
وقد أشارت المادة 59 من قانون الأسرة
إلى ما يلي "تعتد المتوفى عنها زوجها بمضي أربعة أشهر وعشرة أيام وكذا زوجة
المفقود من تاريخ صدور الحكم بفقده" ويتبين من نص المادة أن عدة المتوفى عنها
زوجها وكذا زوجة المفقود هي نفس المدة المقدرة بأربعة أشهر وعشرة أيام، إلا أنه
بالنسبة لزوجة المفقود تبدأ سريانها من تاريخ صدور الحكم بالفقدان.
كما حددت المادة 60 من قانون الأسرة
مدة عدة الحامل إذ نصت على ما يلي "عدة الحامل وضع حملها، وأقصى مدة الحمل
عشرة (10) أشهر من تاريخ الطلاق أو الوفاة"، وهذا ما أكدته المحكمة العليا
أيضا.
وقد اشترط المشرع الجزائري في المادة
61 من قانون الأسرة على عدم خروج الزوجة المطلقة والمتوفى عنها زوجها من السكن
العائلي ما دامت في عدة طلاقها أو وفاة عنها زوجها، إلا في حالة الفاحشة المبينة،
وهذا أخذا بأحكام الشريعة الإسلامية كما ورد في الآية الكريمة قال اﷲ تعالى:
"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا
تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ
بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ
اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ"
وتبعا لما ورد في المادة 61 السالفة
الذكر فإن للمطلقة المعتدة الحق في النفقة حتى ولوكان الطلاق على مسؤوليتها
الكاملة فلا طلاق بدون عدة وبدون نفقة عنها ما دامت العدة من النظام العام،
وبالتالي فإن النفقة واجبة على الزوج، والزوجة عليها أن تعتد.
يجوز إذا للقاضي أن يحكم للمطلقة
المعتدة بمبلغ إجمالي كما هو معمول به في المحاكم، كما يجوز له أيضا أن يحكم بمبلغ
شهري، ومسألة تقدير نفقة العدة متروكة لقاضي الموضوع مع مراعاة حال الزوجين يسرا
أو عسرا ثم حال مستوى المعيشة السائدة في المكان الذي يعيش فيه الزوجان، مع العلم
أن مختلف الأحكام القضائية الصادرة في هذا الشأن الفاصلة في نفقة العدة لا يوضحون
فيها فترة العدة المقررة شرعا، والمبلغ المفصول فيه هو نفسه بالنسبة لجميع
المطلقات.
المرجع:
- د. ربيع زهية، إجراءات التقاضي في شؤون الأسرة، محاضرات موجهة لطلبة السنة الثانية ماستر، تخصص قانون أسرة، جامعة أكلي محند أولحاج – البويرة – كلية الحقوق والعلوم السياسية، السنة الجامعية: 2020-2021، ص60 إلى ص63.