تعریف الحق وتمییزه عن المصطلحات القانونیة المشابهة له

المبحث الأول: تعریف الحق

للحق في اصطلاح فقهاء القانون، تعاریف كثیرة، حیث اختلف تعریف الحق باختلاف المذاهب والاتجاهات الفقهیة، فقد ظهرت أربعة اتجاهات (نظریات) رئیسیة في تعریف الحق، نستعرض كل واحد منها فیما یلي.

المطلب الأول: الاتجاه الشخصي (نظریة الإرادة)

یتزعم هذا الاتجاه الفقیه الألماني"سافیني Savigny"، وهو اتجاه یربط بین الحق والشخص صاحب الحق، أي یعرفه من خلال النظر إلى صاحبه، ومن ثم یعرف الحق أنه "قدرة أو سلطة إرادیة مخولة للشخص"، وبذلك أسس هذا الاتجاه الحق على الإرادة.

وقد تعرض هذا الاتجاه في تعریف إلى انتقادات كثیرة نذكر منها:

1- إمكان وجود الحق رغم انعدام الإرادة، كثبوت الحق للمجنون وللصغیر غیر الممیز رغم انعدام الإرادة لدیهم.

2- إمكان نشوء الحق دون تدخل إرادة الشخص رغم وجودها، كثبوت الحق للشخص في المیراث رغم عدم تدخل إرادته في ذلك وهنا رغم وجودها.

3- لا یعترف هذا الاتجاه بإمكانیة ثبوت الحق للشخص المعنوي، إذ یصعب القول بأن للشخص المعنوي قدرة إرادیة كالشخص الطبیعي، رغم أن الشخص المعنوي تثبت له الحقوق على غرار الشخص الطبیعي.

4- إن وجود الإرادة شرط ممارسة الحق بعد وجوده، ولیس شرطا لازما لوجوده، فالحق یثبت لعدیم الإرادة لكن لكي یمارس هذا الحق تشترط فیه الإرادة، وفي هذه الحالة ینوب عن عدیم الإرادة شخص آخر لممارسة هذا الحق لصالحه مثلا الولي.

المطلب الثاني: الاتجاه الموضوعي (نظریة المصلحة)

یتزعم هذا الاتجاه الفقیه الألماني "إهرنجIhering"، ویربط هذا الاتجاه بین الحق وموضوع الحق، فیرى أن جوهر الحق لیس الإرادة بل المصلحة، فیعرف الحق بأنه "مصلحة مادیة أو أدبیة مشروعة یحمیها القانون لذاتها".

فالحق حسب هذا الاتجاه یتكون من عنصرین: عنصر موضوعي یتمثل في المصلحة المادیة أو الأدبیة، وعنصر شكلي یتمثل في حمایة القانون لتلك المصلحة عن طریق الدعوى القضائیة.

وقد وجهت لهذا الاتجاه بدوره عدة انتقادات أهمها:

1- یعتبر هذا الاتجاه أن المصلحة هي معیار وجود الحق، غیر أن هذا لا یصح دائما، فإذا كان الحق مصلحة من المصالح فأن العكس لیس صحیحا، فلیست كل مصلحة حقا. مثال: مصلحة المنتج لسلعة وطنیة تكمن في فرض رسوم جمركیة مرتفعة على الواردات الأجنبیة للحد من منافسة السلع الأجنبیة للسلع الوطنیة. لكن هذه المصلحة لا تعطیه حقا في فرض تلك الرسوم لحمایة السلعة الوطنیة، وكل ما في الأمر أن المنتج یستفید (تتحقق له مصلحة خاصة) إذا فرضت تلك الرسوم على السلع الأجنبیة.

2- إن المصلحة هي الغایة من تقریر الحق، ولیست هي الحق ذاته، مع أن المقصود هو تعریف الحق ولیس تعریف غایته.

المطلب الثالث: الاتجاه المختلط (الجمع بین نظریة الإرادة والمصلحة)

حاول هذا الاتجاه الجمع بین الاتجاه الشخصي والاتجاه الموضوعي لتعریف الحق، حیث یرى أن الحق هو "سلطة إرادیة وهو في الوقت ذاته مصلحة یحمیها القانون".

إلا أن هذا التعریف لیس متفقا علیه من طرف أنصار الاتجاه المختلط، حیث نجدهم مختلفون فیما بینهم حول من له الأولویة هل عنصر الإاردة أم عنصر المصلحة، وقد أدى هذا الاختلاف إلى انقسام أنصار هذه الاتجاه إلى فریقین هما:

أ- فریق أول: یعرف الحق أنه "سلطة إرادیة یعترف بها القانون لشخص تحقیقا لمصلحة یحمیها القانون".

ب- فریق ثان: یعرف الحق أنه "مصلحة یحمیها القانون على طریقة الاعتراف بقدرة إرادیة لصاحبها".

وما جاء به هذین الفریقین فیما یخص تعریفهما للحق، ما هو سوى مجرد تكرار لنظریة الإرادة ولنظریة المصلحة، فكانا هدفا لنفس الانتقادات التي وجهت لكل منهما.

المطلب الرابع: الاتجاه التحلیلي

تزعم هذا الاتجاه الفقیه البلجیكي "جان دابان Jean Dabin"، وقد جاء بتعریف مستحدث للحق استبعد منه كل من عنصري الإرادة والمصلحة، كما استبعد منه فكرة الجمع بینهما، ولذلك یعرف الاتجاه التحلیلي الحق بأنه: "مكنة یسندها القانون لشخص معین ویضفي علیها حمایته".

ویضیف دابان على أن الحق "مزیة یمنحها القانون لشخص ما ویحمیها بطریقة قانونیة ویكون له بمقتضاها الحق في التصرف متسلطا على مال معترف له بصفته مالكا أو مستحقا له".

ومن هنا یتضح أن فكرة الحق وفقا للاتجاه التحلیلي تنطوي على  عنصرین هما:

- العنصر الأول: وهو الاستئثار L’appartenance بما یتبعه من تسلط وتحكم La maitrise وهو یمثل جوهر الحق ویقصد به الانفراد بالممیزات التي یخولها الحق لصاحبه كالمالك الذي ینفرد بالتصرف والاستعمال والاستغلال في ملكه (العنصر الداخلي للحق).

- العنصر الثاني: وهو الحمایة القانونیة، فلا یكون الاستئثار بما یخوله من ممیزات قانونیا إلا إذا تكلل بالحمایة القانونیة، وتفترض هذه الحمایة ابتداء احترام الغیر للحق، ویراعي أن وسیلة تحقیق الحمایة القانونیة هي الدعوى القضائیة وهي وسیلة المطالبة بالحمایة القانونیة سواء قبل وقوع الاعتداء على الحق في حالة احتمال وقوعه، أو بعد حصول الاعتداء على الحق فعلا (العنصر الخارجي للحق).

ونخلص إلى تعریف دابان للحق :"أنه استئثار یقرره القانون لشخص بشيء أو بقیمة معینة یخوله التحكم والتسلط بحریة في ذلك الشيء أوبتلك القیمة، ویقرر القانون حمایة هذا الاستئثار".

المبحث الثاني: تمییز الحق عن المصطلحات القانونیة المشابهة له

أن مصطلح الحق شائع ومعروف بین الناس على اختلاف مستویاتهم، إلا أن هذا لا ینفي وجود تباین فیما بینهم حول دلالة هذا المصطلح، فالبعض یرى أنه سلطة أو تسلط، والبعض الآخر ینظر إلیه كمزیة أو امتیاز، والبعض الثالث یعتبر الحق مرادفا للمصلحة.

من هذا المنطلق سنتعرض إلى تمییز الحق عن غیره من المصطلحات القانونیة المشابهة له، مثل الحریة، السلطة، الرخصة والواجب.

المطلب الأول: تمییز الحق عن الحریة

یختلف الحق عن الحریة، في اعتبار أن الحقوق لا تتقرر بصفة أصلیة ومطلقة للجمیع، بل كل حق مرتبط بشخص معین بالذات والصفات، بینما الحریة یتمتع بها الجمیع على قدم المساواة، كحریة العقیدة، حریة الاجتماع، حریة التنقل، حریة التملك، وحریة التعاقد، ...إلخ.

ومحل الحریة غیر محدد أو قابل للتحدید، فهو عبارة عن أو أوضاع عامة غیر مقیدة بحدود واضحة، فحریة التنقل تخول للشخص الانتقال بأي وسیلة وفي أي وقت والى أي مكان، بینما حق التنقل یخول للشخص الانتقال إلى مكان إلى مكان معین بواسطة وسیلة معینة وفي وقت محدد.

ویقابل الحق دائما التزام في مواجهة الغیر، بینما الحریة العامة لا یقابلها التزام.

المطلب الثاني: تمییز الحق عن السلطة

الحق هو عبارة عن مركز قانوني یرتبط تجاه السلطة برابطة التبعیة والخضوع ویفتقد إلى الاستقلالیة، وهذا ما یجعله یختلف عن السلطة التي هي مصطلح ینفرد به القانون العام وعلى الخصوص القانون الدستوري والقانون الإداري، حیث یرى فقهاء القانون الدستوري تعریف السلطة على أنها:"هیئة حاكمة منظمة تشرف على الشعب وعلى الإقلیم".

غیر أن مصطلح الحق یتشابه مع مصطلح السلطة من حیث أن كلاهما ظاهرة اجتماعیة وفكریة، فالسلطة تشمل كافة ظواهر المجتمع والعلاقات المترتبة عنها وهنا یصبح الحق تخصیص سلطوي لأشیاء ذات قیمة ومعنى ذلك أنه لا یمكن اعتبار كل ممارسة للسلطة نشاطا سیاسیا ما دام یشترط فیها أیضا خدمة تلك الغایة المتمثلة في توزیع الثروات على أفراد المجتمع.

ویتكون مضمون الحق من صاحب الحق سواء كان شخصا طبیعیا أو معنویا، والذي یستأثر بشيء أو بقیمة ویستفید من الحمایة القانونیة التي توفرها السلطة العمومیة وهنا تصبح السلطة بمثابة الوسیلة لإضفاء الشرعیة وتوفیر الحمایة للحق. بینما یتكون مضمون السلطة من جماعة مسیطرة على إقلیم معین بواسطة تنظیم إداري معین.

كل حق یقابله واجب على شخص آخر، أما السلطة فلا یقابلها واجب، بل قد یوجد واجب على عاتق صاحب السلطة، فتكون حینها السلطة وسیلة لتنفیذ هذا الواجب، كسلطة الأب على أولاده، فهي تخلق واجب الرعایة والإنفاق على الأب تجاه أولاده. كما أن السلطة تستوجب الإرادة لمباشرتها، بینما یمكن أن یكتسب الحق دون وجود إرادة عند الشخص مثل عدیم الأهلیة، حیث یقوم ولیه (أو الوصي) بمباشرة السلطات التي تنشأ عن هذا الحق.

المطلب الثالث: تمییز الحق عن الرخصة

اتفق الفقهاء على تعریف الرخصة على أنها رغبة الشخص في الحصول على الحق، وانطلاقا من ذلك تعتبر الرخصة أجراءا أو مرحلة للوصول إلى الحق مبنیة على مكنة الاختیار قبل إصدار القرار من قبل الشخص وهذا القرار هو الحق ذاته.

فالرخصة هي مرحلة وسطى بین الحریة والحق، تعطي للشخص إمكانیة الاختیار بین عدة بدائل للوصول إلى القرار الذي هو الحق، ومثال ذلك: شخص یرغب في شراء سیارة یبدأ أولا بالمفاضلة والاختیار بین عدة بدائل حتى یتوصل إلى قرار شراء السیارة، وهنا یكتسب حق الملكیة علیها.

المطلب الرابع: تمییز الحق عن المصلحة

یفرق فقهاء القانون بین الحق والمصلحة فیقولون إن كل حق ینطوي على مصلحة، والعكس غیر صحیح أي لیست كل مصلحة توجد ضمن حق، فالمصلحة هي الغرض العملي من الحق ولیست الحق ذاته، إذ هناك ما یسمى بالمصالح المشروعة التي یحمیها القانون دون أن یعطي صاحب المصلحة الوسیلة لتحقیق هذه الحمایة، مثل القمار والرهان الریاضي، فهو محمي قانونا، ولكن لا یجوز للأفراد الاتفاق على المقامرة أو الرهان منفردین.

المرجع:

  1. د. بركات كريمة، محاضرات في نظرية الحق، مطبوعة موجهة لطلبة السنة الأولى ليسانس، جامعة العقيد آكلي محند أولحاج البويرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم القانون الخاص، السنة الجامعية 2021/2022، الجزائر، من ص6 إلى ص12. 

google-playkhamsatmostaqltradent