یقصد بالشخص الطبیعي الإنسان، الذي له إرادة ویصلح أن یتمتع بالحقوق ویلتزم بالواجبات. ویعتبر كل إنسان في نظر القانون الحدیث شخصا قانونیا، حیث تثبت له الشخصیة القانونیة باعتباره كائنا اجتماعیا متمیزا توضع القواعد القانونیة لتنظیم شؤونه، فهو سبب وجود القانون والغایة منه، وتبدأ شخصیة الإنسان بتمام ولادته حیا وتنتهي بموته، فشخصیة الإنسان القانونیة تبدأ بولادته حیا، مع تقریر الحقوق المدنیة للجنین بشرط أن یولد حیا.
الفرع الأول: بدایة الشخصیة القانونیة للشخص الطبیعي
جاء في نص المادة 25 ق م ج ما یلي:
"تبدأ شخصیة الإنسان بتمام ولادته حیا وتنتهي بموته".
الأصل أن تبدأ شخصیة الإنسان بتمام
الولادة حیا، ولكن المشرع الجزائري استثناءا عن الأصل وحمایة منهة لبعض المصالح
الجدیرة بالعنایة یعترف للإنسان قبل ولادته أي وهو لا یزال جنینا ببعض الحقوق.
أولا: شروط بدایة الشخصیة القانونیة
تنص المادة 25 فقرة 1 ق م ج بأن:"
تبدأ شخصیة الإنسان بتمام ولادته حیا...".
فطبقا لهذا النص یشترط المشرع الجزائري
لثبوت الشخصیة القانونیة للإنسان أن یولد حیا، وذلك بانفصال المولود عن أمه حیا؛
سواء كان هذا الانفصال طبیعیا أو عن طریق عملیة جراحیة، فالعبرة بانفصال المولود
كاملا عن أمه وهو حي، حتى ولو مات بعد لحظات، إذن العبرة بتمام الولادة حیا.
ویشترط لبدء الشخصیة القانونیة للإنسان
شرطین هما: - تمام الولادة حیا، و- تحقق الحیاة.
1-الشرط الأول: تمام الولادة حیا، ویقصد بذلك انفصال كلي للمولود عن أمه انفصالا تاما، وهذا الانفصال الكلي یتحقق
بانفصال المولود كلیا عن رحم الأم، فإذا بقي جزء من المولود في الرحم لا یتحقق
الانفصال الكلي.
وهو الرأي الذي ذهب إلیه أئمة الفقه
الإسلامي الثلاثة: مالك، والشافعي وابن حنبل، على عكس رأي الإمام أبي حنیفة الذي
اكتفى بذكر شرط خروج معظم المولود حیا من أمه. فالعبرة إذن في التشریع الجزائري في
بدایة الشخصیة القانونیة تكون بانفصال المولود كله حیا عن أمه.
غیر أنه في التشریع الفرنسي یشترط نص
المادة 311 فقرة 4 من القانون المدني الفرنسي زیادة عن ذلك، قابلیة المولود للحیاة،
وأن تتوفر له الأعضاء التي تجعله قابلا للحیاة مستقبلا، وبذلك فالمشرع الفرنسي یشترط
أن یولد المولود حیا ویكون قابلا للحیاة.أي تكون لدیه الأجهزة الضروریة التي تسمح
له بالحیاة مستقبلا.
لكن بسبب هذا الشرط تثار نزاعات كثیرة في
التطبیق العملي، إذ برغم تقدم الطب یصعب التثبت من قابلیة المولود للحیاة من عدمه، بالإضافة إلى أن الإیمان الدیني لا یقبل
مثل هذه الفكرة، ولذلك نرى أن شرط الولادة حیا الذي یتطلبه التشریع الجزائري أبسط
وأفضل من الناحیة العملیة.
2- الشرط الثاني: تحقق الحیاة ویكون ذلك بظهور علامات الحیاة على
الجنین، وقد حددت هذه العلامات في نص المادة 134 من قانون الأسرة الجزائري التي
جاء فیها:"....، ویعتبر حیا إذا استهل صارخا أو بدت منه علامة ظاهرة بالحیاة".
وتتحقق حیاة المولود عند تمام انفصاله
عن أمه، ولو للحظة قصیرة، ویمكن التعرف على حیاة المولود بصراخه وشهیقه وحركته.
ویجب التصریح بالموالید الجدد في مواعید
محددة أمام الجهة المختصة، وهذا ما تقضي به نص المادة 61 من القانون رقم 14-08
المؤرخ 9 أوت 2014 المعدل والمتمم للأمر رقم 70-20 المؤرخ في 19 فیفري 1970
المتضمن قانون الحالة المدنیة، والتي جاء فیها ما یلي: "یصرح بالموالید خلال
خمسة أیام من الولادة".
أما واقعة المیلاد فیجب إثباتها بالقید
في السجلات الرسمیة المعدة لهذا الغرض طبقا لنص المادة 26 ق م ج، وفي حالة عدم قید
المولود في هذه السجلات أو في حالة ثبوت عدم صحة البیانات التي أدرجت بها، فإنه یجوز
إثبات واقعة المیلاد بكافة طرق الإثبات (المادة 26 ق م ج).
ثانیا: شخصیة الجنین (الحمل المستكن):
إذا كان الأصل العام أنه لا تثبت للجنین
الشخصیة القانونیة إلا بتمام ولادته حیا، إلا أن المشرع بالرغم من ذلك فقد اعترف
للجنین بكسب بعض الحقوق قبل ولادته حیا كاستثناء.
فرغم أن الجنین لا یزال ملتصقا بأمه لم
ینفصل عنها حیا بعد، فإن شخصیته القانونیة تبدأ في التشریع الجزائري من وقت الحمل
وهذا ما نصت علیه المادة 25 فقرة 2 ق م ج: "...على أن الجنین یتمتع بالحقوق
التي یحددها القانون بشرط أن یولد حیا".
وبذلك فإن الجنین تثبت له صلاحیة
اكتساب الحقوق المدنیة شریطة أن یولد حیا، وذلك دون تمییز بین الحقوق التي لا
تتطلب صدور قبول من الشخص والحقوق التي لا تثبت للشخص إلا بعد صدور قبول منه، وهذا
ما یستنتج من عبارة الفقرة المشار إلیها من المادة السابقة الذكر.
أمثلة للحقوق التي تثبت للجنین دون
الحاجة إلى صدور قبول منه: - الحق في ثبوت نسبه لأبیه (المادة 43 قانون أسرة جزائري)
- الحق في الوصیة (المادة 187 ق أ ج) - الحق في الإرث (م 173 ق أ ج).
أمثلة للحقوق التي تثبت للجنین شریطة
صدور قبول منه: - الحق في قبول الهبة (م 209 ق أ ج)، ویتولى قبول الهبة
الممثل الشرعي للجنین.
وبهذا نصل في النهایة إلى نتیجة مفادها
أن الشخصیة القانونیة للإنسان لا تبدأ فقط بمیلاده حیا بل تثبت له وهولا یزال جنینا
في بطن أمه، فإذا ولد حیا تأكدت واكتملت شخصیته القانونیة بعد أن كانت احتمالیة
وناقصة، إذ قد یولد الجنین حیا أو میتا،
فإذا ولد میتا فإنه یعتبر كأن لم یكن إذ تزول الشخصیة القانونیة الاستثنائیة
بأثر رجعي.
الفرع الثاني: نهایة الشخصیة القانونیة
الأصل كما تقضي نص المادة 25 ق م ج أن
شخصیة الإنسان تنتهي بموته، غیر أن الموت قد یكون حقیقیا وقد یكون حكمیا أو تقدیریا.
أولا: نهایة الشخصیة القانونیة بالموت الطبیعي
تلازم الشخصیة القانونیة حیاة الإنسان
وتنتهي نهایة حقیقیة بالموت الطبیعي، أي الوفاة، وبعد ذلك تنتقل أموال التركة إلى
الورثة بما علیها من دیون یقومون بتسدیدها في حدود ما آل إلیهم من أموال، وذلك
طبقا لمبدأ "لا تركة إلا بعد سداد الدیون".
وتثبت واقعة الوفاة بالقید في السجلات
الرسمیة المعدة لذلك وذلك طبقا لنص المادة 79 من الأمر رقم 70-20 المتضمن قانون
الحالة المدنیة. ویجب التصریح بالوفاة في أجل أربع وعشرین (24) ساعة، ابتداء من
وقت الوفاة، وتحرر شهادة الوفاة من طرف ضابط الحالة المدنیة التابع للبلدیة التي
وقعت فیها الوفاة.
ولیس للسجلات المعدة لقید الوفیات حجیة
مطلقة إذ یمكن إثبات واقعة الوفاة بكافة طرق الإثبات طبقا لقانون الحالة المدنیة،
ولنص المادة 26 ق م ج، كما أنه یمكن إثبات خلاف ما هو وارد في هذه السجلات وفقا
لنفس الطرق.
ثانیا: نهایة الشخصیة القانونیة بالموت الحكمي
تنتهي الشخصیة القانونیة بموت الإنسان
الحكمي الذي یتقرر بناء على حكم قضائي، وهذا استجابة لبعض الضرورات العملیة، حیث
في بعض الأحیان یغیب الشخص أو یفقد دون أن نستطیع الجزم بحیاته أو موته،
أي لا تعرف حیاته أو مماته لذا وجب حسم مركزه القانوني والحكم بموته التقدیري ونهایة
شخصیته وبالتالي نهایة حیاته.
لذلك یعد الشخص في حكم المیت في حالتین:
حالة الفقدان وحالة الغیاب التي تأخذ حكم الفقد.
1- المركز القانوني للمفقود والغائب:
قد یحدث ألا نتأكد من واقعة الموت
بالنسبة لبعض الأشخاص الذین یكون وجودهم غیر محقق، وهؤلاء هم المفقودون وقد نظم
القانون مركزهم القانوني محددا طریقة لاعتبار شخصیتهم منتهیة.
وقد نظم قانون الأسرة الجزائري أحكام
الفقد والغیاب في الباب الخاص بالنیابة الشرعیة (الكتاب الثاني)، وخصص لها الفصل
السادس المعنون " المفقود والغائب" المواد من 109 إلى 115 منه، تتناول
المواد من 109 إلى 112 الأحكام الخاصة بتحدید معنى الفقد والغیاب والآثار المترتبة
عن هذه الوضعیة، بینما تنظم المواد من 113 إلى 115 شروط الحكم بموت المفقود
والآثار المترتبة على ذلك.
أ/المفقود:
أ-1- تعریف المفقود: عرف نص المادة 109 ق أ ج"
المفقود"بأنه الشخص الغائب الذي لا یعرف مكانه ولا تعرف حیاته أو موته، ولا یعتبر
مفقودا إلا بحكم". یتضح من نص المادة أنه كي یأخذ الشخص صفة المفقود یجب توفر
شروط معینة، نذكرها فیما یلي.
أ-2 -شروط الفقد: حدد نص المادة 109 ق أ ج الشروط التالیة:
1- عدم إمكان معرفة مكان الشخص الغائب،
وما إذا كان حیا أو میتا.
2- تقدیم طلب استصدار حكم بالفقد، من
أحد الورثة أو النیابة العامة أو من له مصلحة، طبقا لنص المادة 114 ق أ ج.
3- صدور حكم قضائي یقضي بفقد الشخص.
ومن تاریخ صدور الحكم بالفقد یعتبر
الشخص مفقودا، أما قبل هذا التاریخ فیعتبر الشخص حیا ولا یعتبر مفقودا. وقانون
الأسرة الجزائري لم یحدد أیة مدة تؤخذ بعین الاعتبار لتقدیم طلب استصدار الحكم
بالفقد أو لصدور هذا الحكم، واكتفى القانون بضرورة توفر ظروف الواقع (الشرطین
الأول والثاني) التي یخضع تقدیرها لسلطة القاضي.
ب/ الغائب:
ب-1- تعریف الغائب: وفقا لنص المادة 110 ق أ ج،
"الغائب هو الذي منعته ظروف قاهرة من الرجوع إلى محل إقامته أو إدارة شؤونه
بنفسه أو بواسطة نائبه مدة سنة، وتسبب غیابه في ضرر الغیر یعتبر كالمفقود".
ب-2- شروط الغیاب:
نستنتج من نص المادة 110 ق أ ج شروط
تحقق حالة الغیاب وهي:
1- عدم رجوع الشخص إلى محل إقامته لمدة
سنة لظروف قاهرة منعته من ذلك.
2- عدم وجود من یدیر شؤون هذا الشخص (نائب
ینوب عنه)، لأنه لا یستطیع حتما إدارتها بنفسه.
3- تسبب غیاب الشخص في ضرر للغیر.
فإذا تحققت هذه الشروط اعتبر الغائب في
حكم المفقود، أي اعتبر كالمفقود.
وبما أن الغائب یعتبر كالمفقود طبقا
لنص المادة 110 ق أ ج، فإن الأحكام التي تحكم الحالتین واحدة، حیث أن الفقه
الإسلامي لم یفرق بین الغائب والمفقود وانما یفرق بین من یفقد في حالات یغلب فیها
الهلاك، ومن یفقد في حالات تغلب فیها السلامة. وقد حذى قانون الأسرة الجزائري حذو
الفقه الإسلامي في ذلك فمیز بین حالتین هما:
2- حكم المفقود في حالات یغلب فیها
الهلاك:
سمیت هذه الحالات بنص المادة 113 ق أ ج
بالحروب والحالات الاستثنائیة، فإذا فقد الشخص أثناء حرب أو كارثة طبیعیة (
زلازل-غرق- حریق- فیضانات...)، أو حادثة طائرة، فإن ذلك یعد قرینة على الوفاة بمضي
المدة المحددة.
فإن القاضي طبقا لنص المادة 113 ق أ ج یحكم
باعتباره مفقودا (حكم قضائي بالفقد)، وذلك بعد تقدیم طلب من أحد الورثة أو من له
مصلحة، أو النیابة العامة.
واذا مضى على تاریخ (انقطاع أخباره بعد
التحري) صدور الحكم بالفقد أربع سنوات، حكم القاضي بموت المفقود (حكم قضائي
بالموت)، حیث یعتبر مضي هذه المدة قرینة على وفاة الشخص. ویصدر الحكم بموت المفقود
بناء على طلب من أحد الورثة أو من له مصلحة، أو النیابة العامة طبقا لنص المادة
114 ق أ ج (كما في حكم إعلان الفقد).
3- حكم المفقود في حالات تغلب فیها
السلامة:
إذا اختفى الشخص في ظروف لا یغلب فیها
الهلاك كمن یفقد على إثر سفر طلبا للعلم أو للسیاحة أو للعلاج أو للعمل أو للحج وزیارة
الأماكن المقدسة، في هذه الحالة یصدر القاضي حكما بالفقد بناءا على طلب من خول لهم
القانون ذلك طبقا لنص المادة 114 ق أج، وبعد ذلك فإن القانون یترك للقاضي السلطة
التقدیریة في أن یضیف مدة أخرى مناسبة بعد فوات أربع سنوات، یتحرى خلالها عن حیاة
المفقود أو وفاته، فإن لم یظهر خلالها اعتبر القاضي مرور هذه المدة قرینة على هلاك
الشخص ویصدر بالتالي حكما بوفاته طبقا لنص المادة 113 ق أ ج، ویصدر هذا الحكم
بناءا على طلب ممن خولهم القانون ذلك طبقا
لنص المادة 114 ق أج.
وبصدور حكم القاضي بالموت الحكمي
للمفقود، یقید هذا الحكم في سجلات الوفاة المعدة من قبل ضابط الحالة المدنیة طبقا
لأحكام المادة 89 من قانون الحالة المدنیة، والتي تنص على أنه:" یجوز التصریح
قضائیا بوفاة كل جزائري فقد في الجزائر أو خارج الجزائر بناء على طلب من وكیل
الجمهوریة أو بطلب من الطرف الذي له مصلحة".
4- الآثار القانونیة المترتبة على
اعتبار المفقود میتا بموجب حكم قضائي:
یترتب على صدور حكم قضائي بموت الشخص
المفقود ما یلي:
1- انتهاء الشخصیة القانونیة للمفقود
ومعاملته معاملة المیت حقیقة.
2- تقسیم تركة المفقود على ورثته بعد
صدور الحكم بموته طبقا لنص المادة 115ق أ ج.
3- یجوز لزوجة المفقود أن تتزوج بعد
انتهاء عدة الوفاة.
4- إذا تقرر للمفقود قبل صدور الحكم
بموته حقا في میراث أو وصیة، فإن نصیبه في المیراث أو الوصیة یعود إلى من یستحقه
من ورثة المورث أو الموصي.
5- ظهور أو عودة المفقود حیا بعد صدور
الحكم بموته:
الحكم بموت المفقود هو حكم اعتباري،
لذا فإنه في حالة عودة المفقود حیا یسقط هذا الحكم ویسقط معه ما ترتب علیه من
آثار. حیث یتابع وكیل الجمهوریة أو كل معني إبطال الحكم بالموت التقدیري ضمن
الأشكال المنصوص علیها في القانون وطبقا لنص المادة 94 من قانون الحالة المدنیة.
ویترتب على إبطال الحكم بموت المفقود
الآثار التالیة:
1- یسترد المفقود شخصیته القانونیة.
2- یسترجع ما بقي عینا من أمواله أو قیمة
ما بیع منه, فطبقا لنص المادة 115 ق أ ج یسترجع المفقود الذي عاد حیا أمواله التي
لا تزال في ید الورثة، فإذا كان بعضها قد بیع فیسترد قیمته، أما ما استهلكه الورثة
من أموال أو ما تصرفوا فیه بغیر البیع فلا حق له في استرداده. أما فیما یتعلق بنصیبه
في المیراث أو الوصیة الذي كان قد أوقف لصالحه، والذي عاد إلى من یستحقه من ورثة
المورث أو الموصي بعد صدور الحكم بموته، فإنه یسترد ما بقي في ید ورثة المورث أو
الموصي.
3- یسترجع المفقود الذي عاد حیا زوجته
إذا لم تكن قد تزوجت، أما إذا كانت قد تزوجت من غیره بعد صدور الحكم بموته، فیجب
التمییز بین عدة حالات كما یلي:
أ/ إذا وقع الزواج في عدة الموت الحكمي
للمفقود، كان الزواج باطلا فتعود الزوجة إلى زوجها الأول.
ب/ إذا تم الزواج بعد انقضاء العدة
وكان المفقود قد عاد حیا، قبل أن یتم الدخول بالزوجة، تعود إلى زوجها الأول لأن
صلة الزوجیة لم تصبح واقعیة بعد.
ج/ إذا تم الزواج بعد انقضاء العدة،
وتم الدخول قبل عودة المفقود وكان الزوج الثاني یعلم حیاة الزوج الأول، كان الزواج
باطلا، فتعود للزوج الأول.
د/ إذا وقع الزواج بعد انقضاء العدة،
وكان الزوج الثاني حسن النیة بأن تزوجها وهو لا یعلم بحیاة الزوج الأول، كان
الزواج صحیحا فلا تعود للزوج الأول بعد ظهوره حیا.
الفرع الثالث: ممیزات الشخص الطبیعي
بعدما تعرضنا لبدایة الشخصیة القانونیة
للشخص الطبیعي ونهایتها، سوف نتطرق لممیزات الشخص الطبیعي من اسم وحالة وموطن وأهلیة
وذمة مالیة.
أولا: الاسم
یعتبر الاسم أهم ما یمیز الشخص عن غیره
في المجتمع الذي یعیش فیه. ولقد أوجب المشرع الجزائري في المادة 28 ق م ج "یجب
أن یكون لكل شخص لقب واسم فأكثر ولقب الشخص یلحق أولاده".
1- تعریف الاسم:
یستخدم مصطلح الاسم في معنیین هما:
أ/ المعنى الضیق للاسم: هو الاسم الشخصي دون اللقب مثلا:
خالد، فرید، أنس،....
ب/ المعنى الواسع للاسم: یشمل الاسم، الاسم الشخصي واللقب معا،
والمقصود باللقب هو اسم الأسرة.
ویتكون الاسم في الدول الغربیة من
اللقب والاسم الشخصي، وفي دول المشرق العربي یتكون من الاسم الشخصي مضافا إلیه اسم
الأب واسم الجد معا. أما في الجزائر فیحدد الاسم بمركب من الاسم الشخصي واللقب،
وهذا ما تنص علیه المادة 28 ق م ج.
2- أنواع الأسماء:
قد یكون للشخص أكثر من اسم، كالاسم
المدني والاسم التجاري والمستعار واسم الشهرة.
أ/ الاسم المدني: هو الاسم الذي یتكون من الاسم الخاص
بالفرد یعني الاسم الشخصي ولقبه، وهو الذي یعرف به في حیاته العامة.
ب/ الاسم التجاري: هو الذي یتخذه التاجر اسما ممیزا
لمحله التجاري.
ج/ اسم الشهرة: وهو اسم غیر الاسم الحقیقي للشخص، یطلقه
علیه الناس فیشتهر به.
د/ الاسم المستعار: هو الاسم الذي یتخذه الشخص لنفسه
بمناسبة مزاولة نشاط معین، كالنشاط الأدبي أو الفني، والهدف منه هو رغبة الشخص في
عدم إظهار اسمه الحقیقي للناس.
3- الطبیعة القانونیة للاسم:
اختلف الفقه حول الطبیعة القانونیة
للاسم، وانقسم إلى ثلاثة اتجاهات هي:
أ/ الاتجاه الأول: اعتبر أن حق الإنسان على اسمه هو حق
ملكیة، غیر أنه ِیؤخذ على هذا الاتجاه ما یلي:
- إن الحق في الاسم یتعارض مع خصائص حق
الملكیة، ذلك أن حق الملكیة حق مالي، یجوز التصرف فیه، أما الحق في الاسم فهو حق غیر
مالي، لا یمكن التصرف فیه.
- حق الملكیة یستأثر به صاحبه فقط، فهو
یخلص له، أما الاسم فلا یستأثر به الشخص، فاللقب مشترك بین جمیع أفراد الأسرة،
والاسم الشخصي قد یتسمى به عدة أشخاص في نفس الوقت.
ب/الاتجاه الثاني: اعتبر الاسم نظام إداري تفرضه الدولة
على الأشخاص، غیر أن هذا الاتجاه یتجاهل رغبة الشخص في تمییز شخصیته على الآخرین،
ومنع اختلاط الغیر به عن طریق الاسم، وهذه مصلحة جوهریة یحرص الإنسان علیها.
ج/ الاتجاه الثالث: وهو اتجاه الفقه الحدیث الذي یرى أن
الحق في الاسم هو من الحقوق اللصیقة بالشخصیة، وبذلك یملك الشخص الاستئثار بالاسم
ویستطیع المطالبة بوقف الاعتداء علیه. و یرى هذا الاتجاه عدم جواز التصرف في الاسم
أو النزول عنه إلى الغیر، وعدم قابلیته للاكتساب أو السقوط بالتقادم.
5- الحمایة القانونیة للاسم:
الاسم حق من الحقوق الملازمة للشخصیة
لذا یجب حمایته بهذه الصفة من أي اعتداء علیه، وقد تقررت حمایة الاسم قانونا بصفة
عامة بنص المادة 47 ق م ج التي تقضي بأن:" كل من وقع علیه اعتداء غیر مشروع
في حق من الحقوق الملازمة لشخصیته أن یطلب وقف الاعتداء والتعویض عما یكون قد لحقه
من ضرر".
كما رتب المشرع حمایة خاصة للاسم تطبق
في بعض صور الاعتداء علیه، ذكرتها المادة 48 ق م ج التي تنص على أن:" لكل من
نازعه الغیر في استعمال اسمه دون مبرر، ومن انتحل الغیر اسمه أن یطلب وقف الاعتداء
والتعویض عما یكون قد لحقه من ضرر".
فإذا أخذ الاعتداء على الاسم إحدى
الصورتین:
- المنازعة في استعمال الاسم دون مبرر،
أي اعتراض الغیر على حق الشخص في التسمي بالاسم الذي یحمله، بدون أن یكون لهذا
الاعتراض أي مبرر.
- الانتحال أي استعمال الغیر اسم الشخص بدون وجه حق.
والجزاء المترتب على هذا الاعتداء في
صورتیه یخول صاحب الحق طریقتین لحمایة حقه في الاسم، یختار إحدى الطریقتین أو یجمع
بینهما حسب ما یراه مناسبا أكثر لمصالحه، حیث یكون لصاحب الحق أن یطلب وقف
الاعتداء على اسمه، كما له أن یطلب التعویض، إذا قدر أن هناك ضررا قد أصابه من جراء
هذه الاعتداء.
ثانیا: الحالة
الحالة هي مجموع الصفات التي تتیح تحدید
مركز الشخص بالنسبة للدولة، للأسرة والدین، فهي تحدد للشخص مكانة في المجتمع، وتمیزه
عن غیره من زاویة تمتعه بالحقوق وممارستها.
1- تعریف الحالة:
نقصد بالحالة مجموع الصفات التي یتصف
بها الشخص فتحدد مركزه القانوني، فكل إنسان یتصف بخصائص أو بصفات من حیث انتمائه
إلى دولة معینة، وهذه هي الحالة السیاسیة أو الجنسیة، أو انتمائه لأسرة معینة وهذه
هي الحالة العائلیة أو الأسریة، ومن حیث انتمائه إلى دیانة أو عقیدة معینة وهذه هي
الحالة الدینیة للشخص.
2- صور الحالة:
للحالة أربع صور أساسیة هي: الحالة السیاسیة
والحالة الأسریة والحالة الدینیة.
أ/ الحالة السیاسیة أو الجنسیة:
سوف نتناول تعریفها وأسس تحدیدها ثم أنواعها.
أ/1 - تعریف الحالة السیاسیة: تتحدد الحالة السیاسیة للشخص الطبیعي
بجنسیته، والجنسیة هي انتماء الشخص الطبیعي إلى دولة معینة، بمعنى تمثل الرابطة
التي تجمع بین الشخص والدولة .هذه الرابطة تؤثر في مركز الشخص من حیث مدى ما یتمتع
به من حقوق سیاسیة (كحق الانتخاب، وحق الترشح)، وما یلتزم به من واجبات (كواجب
آداء الخدمة الوطنیة).
أ/2- أسس تحدید الجنسیة: یضع القانون في كل دولة الأسس التي
تتحدد بها الجنسیة، وهي أساسین هما: حق الدم وحق الٌإقلیم.
- حق الدم: فعلى أساس الدم یأخذ الإنسان جنسیة
أباه أو أمه أحیانا، وتثبت الجنسیة الجزائریة على أساس حق الدم طبقا لنص
المادة 6 من قانون الجنسیة الجزائري، التي جاء فیها: "یعتبر جزائریا الولد
المولود من أب جزائري وأم جزائریة".
- حق الإقلیم: طبقا لهذا الأساس یعطى المولود جنسیة
محل المیلاد بغض النظر عن جنسیة أبیه أو أمه. وقد أخذ المشرع الجزائري في قانون
الجنسیة بهذا الأساس في حالات معینة حددتها المادة 7 كما یلي:"یعتبر من الجنسیة
الجزائریة بالولادة في الجزائر:
- الولد المولود في الجزائر من أبوین
مجهولین.
- الولد المولود في الجزائر من أب
مجهول وأم مسماة في شهادة المیلاد دون بیانات أخرى تمكن من إثبات جنسیتها".
أ/3- أنواع الجنسیة: تكون جنسیة الشخص الطبیعي إما أصلیة
أو مكتسبة.
- الجنسیة الأصلیة: هي التي تثبت للشخص ابتداء لمجرد میلاده
سواء على أساس قاعدة الدم أو على أساس حق الإقلیم.
- الجنسیة المكتسبة (الطارئة): هي التي یكتسبها الشخص بعد المیلاد
إما بالتجنس بجنسیة دولة أخرى، واما عن طریق الزواج، إذ أن كثیر من التشریعات تتیح
للزوجة الأجنبیة اكتساب جنسیة زوجها.
وقد نظم المشرع الجزائري الجنسیة
المكتسبة في نصوص المواد من 9 إلى 13 من قانون الجنسیة.
أ/4- آثار تمتع الشخص بالجنسیة:
یترتب على
اكتساب الشخص الطبیعي للجنسیة آثار مهمة تتمثل فیما یلي:
- تمتع الشخص بالحقوق السیاسیة دون غیره
من الأجانب، مثل حق الانتخاب وحق الترشح وحق تقلد الوظائف العامة في الدولة.
- تحمل الشخص بواجب الخدمة الوطنیة
واعفاء الأجنبي منه.
- حرمان الأجنبي من التمتع ببعض
الحقوق، وحرمانه من مزاولة بعض المهن الحرة كالمحاماة والطب.
- في نطاق القانون الدولي الخاص، نجد
أن بعض قواعده تتخذ الجنسیة معیارا لتحدید القانون الواجب التطبیق على العلاقة ذات
العنصر الأجنبي، مثال ذلك الأحكام التي قررتها المادتان 11 و12 ق م ج من إسناد
علاقات الزواج ذات العنصر الأجنبي إلى قانون الجنسیة.
ب/ الحالة العائلیة (المدنیة):
یقصد بالحالة العائلیة للشخص الطبیعي
تحدید مركزه باعتباره عضوا في أسرة معینة، تربطه بها رابطة القرابة. والقرابة تكون
قرابة نسب أو قرابة مصاهرة.
ب/1 - قرابة النسب أو الدم: هي الصلة التي تقوم بین أشخاص یجمعهم
أصل مشترك (طبقا لنص المادة 32 ق م ج). وتنقسم قرابة النسب إلى قسمین: قرابة
مباشرة وقرابة حواشي.
- قرابة مباشرة: وهي الصلة التي تقوم بین الأصول
والفروع كقرابة الشخص لأبیه أولجده، وكذا قرابة الشخص لأمه وأبي أمه. والأصل هم
ومن نزل منه الفرع كالأب والأم، أما الفرع فهو من انحدر من الأصل كالابن والبنت.
- قرابة الحواشي (قرابة غیر مباشرة): هي الصلة التي تقوم بین أشخاص یجمعهم
أصل مشترك دون أن یكون أحدهم فرعا للآخر، كقرابة الأخ لأخیه، أو قرابة الشخص لعمه
أو لخاله.
ب/2 - قرابة المصاهرة: هي القرابة التي تنشأ عن طریق الزواج،
وتقوم بین كل من الزوجین وأقارب الزوج الآخر.
ج/ الحالة الدینیة:
یقصد بالحالة الدینیة للشخص الدین الذي
یتبعه، أو بعبارة أخرى المعتقد الذي یدین به الشخص الطبیعي.
الأصل أن القانون یطبق على الجمیع دون
النظر إلى عقیدتهم الدینیة، وأنهم متساوون أمامه في الحقوق والواجبات، غیر أنه یرد
استثناء عن هذا الأصل، هذا الاستثناء یأخذ بعین الاعتبار الحالة الدینیة للشخص عند
تحدید مركزه القانوني، وذلك في بعض مسائل الأحوال الشخصیة التي تحكمها قواعد الدین،
أو القواعد المستمدة منه، فإذا كان البلد الواحد تتعدد فیه الأدیان، نجد أن
الأحوال الشخصیة لمواطنیه یحكمها أكثر من دین، فللشخص المسلم حق الزواج بأكثر من
امراة واحدة وله أن یطلق زوجته بإرادته
المنفردة، بعكس الشخص المسیحي.
مثال: الاختلاف في الدین یعد في قانون
الأسرة الجزائري أحد موانع الزواج طبقا
للمادة 30/2 ق أ ج ، من الفصل الثاني المسمى موانع الزواج، حیث جاء في
نصها:" ...كما یحرم مؤقتا:..زواج المسلمة بغیر المسلم."
ثالثا: الموطن
سوف نتناول بالدارسة تعریف الموطن
وأنواعه.
1- تعریف الموطن:
موطن الشخص الطبیعي هو المحل الذي یوجد
فیه مسكنه الرئیسي، وقد ورد هذا التعریف
للموطن بنص المادة 36 ق م ج التي جاء فیها ما یلي:" موطن كل جزائري هو المحل
الذي یوجد فیه سكناه الرئیسي...". ولا یجوز أن یكون للشخص أكثر من موطن واحد
في نفس الوقت (المادة 36/2 ق م ج).
2- أنواع الموطن: یوجد نوعین من الموطن: الموطن العام
والموطن الخاص.
أ/ الموطن العام:
یقصد بالموطن العام المكان الذي یقیم فیه
الشخص ویباشر فیه جمیع تصرفاته المدنیة وكافة حقوقه.
وینقسم الموطن العام إلى موطن عام اختیاري
(أو إرادي)، وموطن عام إلزامي (أو قانوني).
أ/1- الموطن العام الاختیاري: هو المكان الذي یختاره الشخص لیقیم فیه
إقامة معتادة. وقد اعتبرت المادة 36 ق م ج أن الموطن الاختیاري أو الإرادي للشخص
هو المحل الذي یوجد فیه سكناه الرئیسي. كما أخذ المشرع الجزائري بوحدة الموطن
عندما نص في الفقرة 2 من نفس المادة 36 ق م ج أنه لا یجوز أن یكون للشخص أكثر من
موطن واحد في نفس الوقت.
أ/2- الموطن العام الإلزامي: یتحدد الموطن بصفة إلزامیة (بقوة
القانون) بالنسبة لبعض الأشخاص أو بسبب ممارسة بعض الأعمال.
حیث قد یحدد القانون لبعض الأشخاص
موطنا إلزامیا لا دخل لإرادتهم فیه وهؤلاء هم القصر والمحجور علیهم والمفقودون
والغائبون، فموطن هؤلاء هو موطن من ینوب عنهم قانونا، وهذا ما تنص علیه المادة
38/1 ق م ج :" موطن القاصر والمحجور والمفقود والغائب هو موطن من ینوب عن
هؤلاء قانونا".
إذن موطن ناقصي وعدیمي الأهلیة سواء
لصغر سنهم أو بسبب الحجر علیهم لعوارض الأهلیة أو بحكم القانون، هو موطن الولي أو
الوصي أو المقدم الذین ینوبون عنهم في ممارسة نشاطهم القانوني.
وموطن الغائب أو المفقود هو موطن من یتولى
شؤونه القانونیة نیابة عنه وهو وكیله، أو المقدم الذي یعینه القاضي عندما یحكم
بالفقد.
ب/ الموطن الخاص:
قد یكون للشخص موطنا خاصا بالنسبة لبعض
الأعمال، وأهم أنواع الموطن الخاص هم موطن الأعمال والموطن المختار.
ب/1 - موطن الأعمال: ویسمى أیضا الموطن التجاري أو الحرفي،
وهو المكان الذي یباشر فیه الشخص أعمال تجاریة، أو أعمال خاصة
بحرفة معینة. وقد تناول المشرع الجزائري النص
على موطن الأعمال في المادة 37 ق م ج: "یعتبر المكان الذي یمارس فیه الشخص
تجارة أو حرفة موطنا خاصا بالنسبة إلى المعاملات المتعلقة بهذه التجارة أو
المهنة".
ویعتد بهذا الموطن بالنسبة للعلاقات
القانونیة التي تنشأ عن إدارة الأعمال المتعلقة بهذه التجارة أو الحرفة، ویجب أن
نفهم الحرفة بمعناها الواسع لتشمل مختلف المهن ومنها المهن الحرة كمهنة المحاماة،
فیكون موطن المحامي بالنسبة لنشاطه القانوني المتعلق بممارسة مهنته هو مكان وجود
مكتبه.
ب/2 - الموطن المختار: هو المكان الذي یختاره الشخص لمباشرة
عمل قانوني معین، كاختیار الشخص مكتب محامیه موطنا له. وقد نصت على الموطن المختار
المادة 39 ق م ج بقولها: "یجوز اختیار موطن خاص لتنفیذ تصرف قانوني معین، ویجب
إثبات اختیار الموطن كتابة.
الموطن المختار لتنفیذ تصرف معین موطنا
بالنسبة إلى كل ما یتعلق بهذا التصرف بما في ذلك إجراءات التنفیذ الجبري ما لم یشترط
صراحة هذا الموطن على تصرفات معینة".
وتكفي الكتابة العرفیة لإثبات الموطن
المختار، حیث لم یشترط المشرع الجزائري صراحة الكتابة الرسمیة بل یكفي إثبات هذه
الموطن بورقة عرفیة.
رابعا: الأهلیة القانونیة
بدایة سنتناول تعریف الأهلیة القانونیة
ثم تحدید أنواعها.
1- تعریف الأهلیة القانونیة:
تعرف الأهلیة القانونیة بأنها: "صلاحیة
الشخص لاكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات
وقدرته على مباشرة التصرفات القانونیة التي یكون من شأنها أن ترتب له هذا
الأمر أو ذلك".
2- أنواع الأهلیة القانونیة:
وتقسم الأهلیة إلى نوعین: أهلیة الوجوب
وأهلیة الأداء
أ/ أهلیة الوجوب
یقصد بأهلیة الوجوب صلاحیة الشخص لأن
تثبت له الحقوق وتترتب علیه الالتزامات، أو صلاحیة الشخص لأن تثبت له حقوق وتجب علیه
واجبات.
وتثبت أهلیة الوجوب لكل شخص له شخصیة
قانونیة بغض النظر عن سنه أو حالته العقلیة، فهي تبدأ بولادة الشخص وتبقى لصیقة
بالشخص حتى وفاته، حتى وان اعتراه عارض من عوارض الأهلیة كالجنون ـأو العته، فلا
تتأثر هذه الأهلیة بصغر السن ولا بعاهة في العقل.
ب/ أهلیة الأداء
یقصد بأهلیة الأداء صلاحیة الشخص للقیام
بنفسه بالتصرفات القانونیة. وهي صلاحیة الشخص لصدور التصرف القانوني منه على وجه یعتد
به قانونا. وهي أیضا أهلیة إبرام التصرفات القانونیة. والتصرفات القانونیة هي
اتجاه إرادة الشخص إلى ترتیب أثر قانوني معین كالبیع أو الإیجار أو الوصیة أو
الوقف، ففي البیع مثلا تتجه إرادة كل من البائع والمشتري إلى إحداث أثر قانوني هو
نقل ملكیة المبیع إلى المشتري مقابل حصول البائع على ثمنه.
تتوقف أهلیة الأداء على الإرادة فهي لا
تثبت إلا للإنسان الممیز (البالغ من العمر 13 سنة)، أي الذي یستطیع أن یمیز بین ما ینفعه
وما یضره، ویتفاوت مدى هذه الأهلیة بتفاوت درجة التمییز تبعا لسن الشخص ویتأثر
بمدى ما یطرأ على الإرادة من عوارض أو یصیبها من موانع.
ب/1- مراحل أهلیة الأداء وحكم تصرفات
الشخص في كل منها:
تمر أهلیة الأداء بأربعة مراحل هي:
المرحلة الأولى- انعدام الأهلیة:
تبدأ هذه المرحلة بولادة الإنسان
وتنتهي ببلوغه سن التمییز 13 سنة، ویسمى الإنسان خلالها عدیم التمییز أو عدیم
الأهلیة أو الصبي غیر الممیز(المادة 42 ق أ ج ).
- حكم تصرفات عدیم التمییز (عدیم الأهلیة):
لم یتناول القانون المدني الجزائري حكم تصرفات عدیم التمییز، غیر أنه قضى في نص
المادة 42 فقرة 1 منه ق م ج بأن: "لا یكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنیة، من
كان فاقد التمییز لصغر في السن أو عته أو جنون...". غیر أنه بالرجوع إلى
قانون الأسرة نستخلص أن حكم تصرفات عدیم التمییز باطلة بطلانا مطلقا وذلك طبقا لنص
المادة 82 ق أ ج التي جاء فیها: "من لم یبلغ سن التمییز لصغر سنه طبقا لنص
المادة 42 من القانون المدني تعتبر جمیع تصرفاته باطلة".
المرحلة الثانیة - ناقص الأهلیة (الصبي
الممیز من 13 سنة إلى 19 سنة):
تبدأ هذه المرحلة من بلوغ الشخص سن
التمییز 13 سنة، وتنتهي ببلوغه سن الرشد 19 سنة.
- حكم تصرفات الصبي الممیز (ناقص الأهلیة): خلال هذه المرحلة یتمتع الصبي الممیز
بقدر معین من الإدراك، لكنه لم یصل إلى الإدراك الكامل، لذا فإن أهلیته تكون ناقصة
وتخوله مباشرة بعض التصرفات دون البعض الآخر، طبقا لنص المادة 43 ق أ ج.
التي تنص على ما یلي: "كل من بلغ
سن التمییز ولم یبلغ سن الرشد وكان سفیها أو ذا غفلة، یكون ناقص الأهلیة وفقا لما یقرره
القانون".
وبالرجوع لنص المادة 83 ق أ ج التي جاء
فیه ما یلي : "من بلغ سن التمییز ولم یبلغ سن الرشد طبقا للمادة 43 من
القانون المدني تكون تصرفاته نافذة إذا كانت نافعة له، وباطلة إذا كانت ضارة به
وتتوقف على إجازة الولي أو الوصي فیما إذا كانت مترددة بین النفع والضرر، وفي حالة
النزاع یرفع الأمر للقضاء"،
نجد أن المشرع قسم تصرفات الصبي الممیز
إلى ثلاثة أنواع:
أ/ تصرفات نافعة نفعا محضا: هي التصرفات التي تزید في الذمة المالیة
للصبي الممیز ومثاله التصرف الذي یترتب علیه اغتناءه دون مقابل كقبول الهبة والوصیة،
وحكم هذه التصرفات أنها نافذة.
ب/ تصرفات ضارة ضرر محضا: هي التصرفات التي یترتب علیها إنقاص
في الذمة المالیة للصبي الممیز ومثاله التصرف الذي یترتب علیه افتقاره دون مقابل
كالتبرع والقیام بالهبة، وحكم هذه التصرفات أنها باطلة بطلانا مطلقا.
ج/ تصرفات دائرة بین النفع والضرر: هي التصرفات التي تحتمل الاغتناء
والافتقار بالنسبة للصبي الممیز ومثاله إبرام عقد بیع فقد یحتمل الربح والخسارة.
وحكم هذه التصرفات هو كما یلي:
- في قانون الأسرة: یقضي نص المادة 83 ق أ ج المذكورة
سالفا، بأن هذا التصرف موقوف على إجازة الممثل الشرعي للصبي الممیز (الولي أو
الوصي)، فإن أجازه الممثل نفذ، أي رتب آثاره، وان لم یجزه بطل واعتبر كأن لم یكن.
- في القانون المدني: لم ینص القانون المدني صراحة على حكم
هذا التصرف، غیر أنه بالرجوع لنص المادة 101 فقرة 2 ق م ج بفهم منها أنه لناقص
الأهلیة بعد أن یصبح راشدا، الحق في طلب إبطال العقد (التصرف)، إذ لا شك فیه أن
المقصود بالعقد هنا هو ذلك الذي یرد على تصرف دائر بین النفع والضرر.
المرحلة الثالثة- كامل الأهلیة:
تبدأ هذه المرحلة ببلوغ الشخص سن
الرشد، وهو تسعة عشر سنة (19) كاملة، وتستمر إلى وفاة الشخص. حیث حدد سن الرشد بنص
المادة 40 ق أ ج الذي جاء فیه ما یلي:" كل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه
العقلیة ولم یحجر علیه، یكون كامل الأهلیة لمباشرة حقوقه المدنیة.
وسن الرشد تسعة عشر (19) سنة
كاملة."
- حكم تصرفات كامل الأهلیة: كل من بلغ
سن الرشد یكون عاقلا وبكون كامل التمییز والإدارك، لذا یعطي القانون للبالغ العاقل
الرشید أهلیة أداء كاملة، وتنص المادة 86 ق أ ج على أن:" من بلغ سن الرشد
ولم یحجر علیه یعتبر كامل الأهلیة وفقا لأحكام المادة 40 من القانون المدني الجزائري".
ویكون لكامل الأهلیة الحق في مباشرة
كافة التصرفات القانونیة بلا استثناء، وتكون صحیحة ونافذة.
إلا أنه إذا بلغ الشخص سن الرشد وكان
عاقلا، وأصبح كامل الأهلیة، ثم طرأ علیه عارض من عوارض الأهلیة كالجنون أو العته
أو السفه أو الغفلة، جاز الحجر علیه، أي منعه من مباشرة كل التصرفات أو بعضها،
وعندئذ یصبح فاقد الأهلیة أو ناقصها.
ب/2 -عوارض الأهلیة:
عندما یبلغ الشخص سن الرشد قد یطرأ على
أهلیته عوارض تؤثر في قدرته الإرادیة، فتعدمها أو تنقص منها، وقد یصاب بمانع من
الموانع التي لا تمس قدرته الإرادیة، غیر أنها تعوقه عن مباشرة التصرفات القانونیة
منفردا، رغم اكتمال إداركه وتمییزه، وهي مقررة بنص قانوني لأسباب مختلفة.
وتنقسم عوارض الأهلیة إلى نوعان:
1-النوع الأول: عوارض تعدم التمییز
والإدراك لدى الشخص وتقضي على قدرته الإرادیة:
وتتمثل في الجنون والعته.
أ/ الجنون: الجنون هو مرض یصیب العقل فیؤدي إلى
انعدام التمییز والإدارك لدى المریض، فیصبح عدیم الأهلیة.
ب/ العته: العته هو مرض یصیب العقل فیجعل المریض
قلیل الفهم، مختلط الكلام، فاسد التدبیر. ولكن هذا المرض لا یصل إلى درجة الجنون،
فهذا الأخیر یصاحبه هیجان وسب وشتم، بینما العته یصاحبه الهدوء.
ومسألة تقدیر حالة الجنون والعته لدى المریض
مسألة واقعیة یختص بها قاضي الموضوع، استنادا إلى شهادة الشهود ورأي الأطباء
والخبراء.
وقد ألحق المشرع الجزائري المعتوه في
الحكم بالمجنون (أي ساوى بینهما)، وذلك ما نستنتجه من نص المادة 42 فقرة1 ق م ج
على أنه:" لا یكون أهلا لمباشرة حقوقه المدنیة، من كان فاقد التمییز لصغر في
السن أو عته أو جنون...". حیث اعتبرهما المشرع فاقدي التمییز.
ج/ حكم تصرفات المجنون والمعتوه:
یقضي نص المادة 101 ق أج بما یلي:
"من بلغ سن الرشد، وهو مجنون أو معتوه، أو سفیه، أو ... یحجر علیه." ویصدر
القاضي حكما قضائيا بالحجر على المجنون أو المعتوه، حیث یكون طبقا لنص المادة 102
ق أ ج الحجر بناء على طلب أحد الأقارب أو ممن له مصلحة، أو من النیابة العامة.
وتنص المادة 107 ق أ ج على أنه: "تعتبر
تصرفات المحجوز علیه بعد الحكم باطلة، وقبل الحكم إذا كانت أسباب الحجر ظاهرة وفاشیة
وقت صدورها".
وبالتالي نستنتج من هذا النص حكم
تصرفات المجنون والمعتوه كما یلي:
ج/1- بعد صدور الحكم بالحجر: كل تصرفات المجنون والمعتوه باطلة
بطلانا مطلقا.
ج/2- قبل صدور الحكم بالحجر: نمیز بین حالتین هما:
أ- الحالة الأولى: تكون كل التصرفات صحیحة إذا لم تكن
حالة الجنون أو العته ظاهرة وشائعة بین الناس وقت صدور هذه التصرفات، كما تكون صحیحة
إذا كان المتعاقد معهما یجهل حالتهما.
ب- الحالة الثانیة: تكون كل التصرفات باطلة إذا كانت حالة
الجنون أو العته ظاهر وشائعة بین الناس، كما تكون باطلة إذا كان المتعاقد معهما یعرف
ویعلم بحالة الجنون أو العته لدیهما.
2- النوع الثاني: عوارض تنقص قدرة الشخص الإرادیة، وذلك
بانتقاص التمییز لدیه:
وتتمثل في السفه والغفلة.
أ/ السفه: هو تبذیر الشخص لأمواله وتبدیدها بدون
تدبیر، أي ینفق ماله على خلاف ما یقضي به العقل.
ب/الغفلة: هي تلك السذاجة التي تجعل الشخص لا یمیز
بین التصرفات الرابحة وتلك الخاسرة، ولذلك یسهل وقوعه في الغبن لسلامة قلبه وبساطة
عقله وضعف إدراكه. فالسفیه لا یحسن تقدیر نتائج معاملاته.
وكل من السفیه وذي الغفلة لا یحسن تدبیر
أمواله، غیر أن السفیه یتعمد تبذیر أمواله بغیر مقتضى، بینما یتصرف ذو الغفلة
بسلامة نیة.
وقد سوى القانون المدني الجزائري في
الحكم بین السفیه وذو الغفلة، وذلك طبقا لنص المادة 43 ق م ج التي جاء فیها ما یلي:"
كل من بلغ سن التمییز ولم یبلغ سن الرشد وكل من بلغ سن الرشد وكان سفیها أو ذا
غفلة، یكون ناقص الأهلیة وفقا لما یقرره القانون".
ج/ حكم تصرفات السفیه وذو الغفلة:
ج/1- بعد صدور حكم الحجر: تأخذ تصرفات السفیه وذو الغفلة حكم
تصرفات الصبي الممیز.
ج/2- قبل صدور الحكم بالحجر: تكون جمیع تصرفات السفیه وذو الغفلة
صحیحة وذلك بتوفر شرطین هما:
- أن لا یكون تصرف السفیه (أو ذو
الغفلة) نتیجة استغلال السفیه (أو ذو الغفلة) من طرف المتعاقد معه الذي كان یعلم
بحالة السفه لدیه.
- أن لا یكون تصرف السفیه (أو ذو
الغفلة) نتیجة تواطىء بینه وبین من تعاقد معه، والذي كان یعلم بحالة السفه لدیه،
بحیث یكون الهدف من هذا التصرف هو إفلات أموال السفیه من الحجر قبل أن یصدر حكم
بالحجر علیه.
أما إذا كان تصرف السفیه نتیجة استغلال
أو تواطيء، كان تصرفه باطلا.
ب/3 - موانع الأهلیة:
هي ظروف خارجة عن إرادة الشخص تحول بینه
وبین مباشرة التصرفات القانونیة رغم أنه بالغ عاقل. هذه الظروف لا تقضي على إدارك
الشخص وتمییزه ولا تنقص منهما، ولهذا یعین له القانون مثلا وصیا أو مساعدا قضائیا للقیام
بالتصرفات القانونیة التي تقتضیها مصلحته. وأهم هذه العوارض نذكر:
أ/ المانع الطبیعي (العاهة المزدوجة): قد یصاب الشخص بعاهتین كأن یكون أصم
أبكم أو أعمى أصم أو أعمى أبكم، مما یتعذر معه التعبیر عن إرادته تعبیرا صحیحا والتعامل
في أمواله، لهذا أجاز القانون مساعدته، حیث أجاز للمحكمة
أن تعین له شخصا یسمى "مساعدا قضائیا" یعاونه في التصرفات التي یقوم بها
تحقیقا لمصلحته.
ویتم تعیین المساعد القضائي بقرار من
المحكمة المختصة بناء على طلب الشخص نفسه أو طلب من له مصلحة في ذلك.
وقد نص المشرع الجزائري على المانع الطبیعي
بالمادة 80/1 ق م ج: "إذا كان الشخص أصم أبكم، أو أعمى أصم، أو أعمى أبكم،
وتعذر علیه بسبب تلك العاهة التعبیر عن إرادته، جاز للمحكمة أن تعین له مساعدا
قضائیا یعاونه في التصرفات التي تقتضیها مصلحته".
ویلزم تسجیل قرار المساعدة القضائیة،
فإذا تم التسجیل لا یستطیع الشخص ذو العاهتین أن ینفرد بإبرام التصرفات التي تقررت
المساعدة القضائیة فیها، ووجب على المساعد أن یشترك مع الشخص الذي تقررت مساعدته
في إبرام التصرفات. ویكون قابلا للإبطال كل تصرف یقوم به ذي العاهتین دون حضور
المساعد القضائي، إذا صدر هذا التصرف بعد تسجیل قرار المساعدة، طبقا لنص المادة
80/2 ق م ج: " ...ویكون قابلا للإبطال كل تصرف عین من أجله مساعد قضائي، إذا
صدر من الشخص الذي تقررت مساعدته بدون حضور المساعد، بعد تسجیل قرار
المساعدة".
ب/ المانع المادي (الغیاب): الشخص الغائب الذي مر على غیابه سنة
أو أكثر، ولم یكن له نائب لإدارة أمواله طوال مدة غیابه، ونتج عن غیابه أضرار
بمصالح الغائب أو بالغیر، فإن المحكمة تعین له – بناء على طلب كل ذي مصلحة- وكیلا
لإدارة أمواله أثناء فترة غیابه تحت إشارف المحكمة.
وقد عرف المشرع الجزائري الغائب بموجب
نص المادة 110 ق أ ج:" الغائب الذي منعته ظروف قاهرة من الرجوع إلى محل
إقامته أو إدارة شؤونه بنفسه أو بواسطة وكیل مدة سنة وتسبب غیابه في ضرر للغیر یعتبر
كالمفقود".
وعلى القاضي عندما یحكم بالفقد أن یحصر
أموال المفقود وأن یعین في حكمه مقدما من الأقارب لتسییر أموال المفقود.
ج/ المانع القانوني (الحكم بعقوبة جنائیة): في حالة الحكم على الشخص بعقوبة جنائیة
مثل الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن المؤقت، لا یستطیع هذا الشخص المحكوم علیه
أن یباشر أعماله القانونیة ولا إدارة أمواله طیلة مدة تنفیذ العقوبة. وفي هذه
الحالة تعین له المحكمة قیما یحل محله في إدارة أمواله، فإذا باشر الشخص المحكوم
علیه بعقوبة أي تصرف قانوني وهو في السجن ودون علم القیم، اعتبر تصرفه باطلا بطلانا
مطلقا لأنه موضوع تحت الحجر القانوني.
المرجع:
- د. بركات كريمة، محاضرات في نظرية الحق، مطبوعة موجهة لطلبة السنة الأولى ليسانس، جامعة العقيد آكلي محند أولحاج البويرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم القانون الخاص، السنة الجامعية 2021/2022، الجزائر، من ص33 إلى ص61.