الشخص الاعتباري

الحجم
عناصر الموضوع

الشخص الاعتباري

یعترف القانون بالشخصیة القانونیة لغیر الشخص الطبیعي أي الإنسان، بل یعترف بها لمجموعة من الأشخاص تسعى لتحقیق غرض معین كالشركات والجمعیات، أو لمجموعة من الأموال رصدت لتحقیق غایة معینة كالمؤسسات.

الفرع الأول: تعریف الشخص الاعتباري

یقصد بالشخص الاعتباري مجموعة من الأشخاص یضمهم تكوین واحد لتحقیق هدف معین، أو هو مجموعة من الأموال رصدت لتحقیق غایة معینة، ویعترف له بالشخصیة القانونیة مما یجعل له كیانا مستقلا وذمة مالیة منفصلة عن ذمة الأفراد المكونین له.

الفرع الثاني: الطبیعة القانونیة للشخص الاعتباري

أثار الشخص الاعتباري جدلا فقهیا، وكان موقف القانون الوضعي متردد في مختلف القوانین حول هذا الشخص، وان كانت مختلف القوانین الحدیثة تعترف بوجود الشخص الاعتباري إلى جانب الشخص الطبیعي، ولكن هل هذا الشخص الاعتباري كالشخص الطبیعي تماما؟ أم هناك اختلاف في طبیعة كل منهما؟

اختلفت آراء الفقهاء حول طبیعة الشخص الاعتباري، وانقسمت إلى ثلاث نظریات هي: نظریة الافتراض أو المجاز القانوني، نظریة الشخصیة الحقیقیة ونظریة الملكیة المشتركة.

أولا: نظریة الافتراض أو المجاز القانوني

1- مضمون النظریة: یرى أنصار هذه النظریة وعلى رأسهم الفقیه الألماني Savigny أن الشخص الطبیعي وحده الذي ذو القدرة الإرادیة فهو وحده الذي تثبت له شخصیة قانونیة حقیقیة، أما الشخص الاعتباري فإن شخصیته لا تكون حقیقیة، وانما افتراضیة أو مجازیة من صنع القانون، مخالفة للواقع یلجأ إلیها المشرع حینما یرى ذلك لازما فإرادة المشرع هي من تمنح للشخص الاعتباري الأهلیة والمحتوى والغرض والمصلحة.

2- نقد النظریة: تعرضت هذه النظریة للنقد من عدة أوجه نذكرها كما یلي:

أ- تعرضت هذه النظریة لنفس الانتقادات التي تعرضت لها النظریة التي عرفت الحق بأنه قدرة إرادیة.

ب- إن مفهوم الشخص في القانون هو كل من یصلح لاكتساب الحق والتحمل بالالتزام، وبالتالي هو مفهوم یتسع لیشمل الشخص الطبیعي وغیره من الكائنات القانونیة الأخرى. أما هذه النظریة فقد أخلطت بین مفهوم الشخص في القانون وبین مفهومه في العلوم الأخرى.

ج- انتقدت هذه النظریة بأنه إذا كانت الشخصیة الاعتباریة مجرد افتراض قانوني فإن هذا ینطبق على شخصیة الدولة - وهي أهم الأشخاص الاعتباریة - وتكون الدولة كذلك مجرد افتراض قانوني، غیر أن هذه النظریة تستثني الدولة من فكرة الافتراض، وهذا من شأنه أن یهدم هذه النظریة، لأنه إذا ما اعترفنا للدولة بالشخصیة الاعتباریة الحقیقیة فما هو المانع من الاعتراف لغیرها من الأشخاص الاعتباریة الذین تتوافر فیهم مقوماتها؟

ثانیا: نظریة الشخصیة الحقیقیة

1- مضمون النظریة: اتفق جمهور الفقه الحدیث على الإقرار بالوجود الحقیقي والواقعي للشخص الاعتباري وأن لهذا الأخیر شخصیة حقیقیة، ولیس القانون هو الذي یوجده، بل إنه یفرض نفسه على القانون الذي لا یملك إلا أن یعترف به كما اعترف بالشخص الطبیعي.

لكن اختلف جمهور الفقه في تبریر الشخصیة القانونیة، فتفرقوا إلى عدة نظریات فرعیة تتمثل فیما یلي:

أ/ النظریة العضویة أو الحیویة: هي نظریة لبعض الفقه الألماني، ومضمونها أنها تماثل الشخص المعنوي بالشخص الطبیعي، فلا فرق بینهما، بمعنى اعتبار الشخص المعنوي جسد مماثل لجسد الإنسان، ویعتبر الأفراد المكونین له بمثابة خلایا لهذا الجسد كخلایا الشخص الطبیعي وتتفاعل الخلایا فیما بینها لتنتج الإرادة وهي إرادة الشخص المعنوي، وللشخص المعنوي دماغ مثل الإنسان یتمثل في الأفراد المكلفین بالقیادة كما له ید تتمثل في أعوان التنفیذ، وهكذا یتشابه هذا الكائن مع الشخص الطبیعي.

نقد النظریة العضویة: انتقدت هذه النظریة للأسباب التالیة:

أ- إنها تحاول إثبات الحقیقة بالافتراض والتصور، فهي ترى أن الأفراد الداخلین في تكوین الشخص الاعتباري هم الخلایا المكونة للجسم الواحد، في حین أن لكل منهم كیان مستقلعن الآخرین وعن الشخص الاعتباري.

ب- لا یكفي تجمع مجموعة من الخلایا لثبوت الشخصیة والا أمكن القول بأن للحیوان والنبات شخصیة لأنهما مجموعة خلایا تكون جسما واحدا ومع ذلك فإنهما لا یتمتعان بالشخصیة المعنویة.

ب/ نظریة الإرادة: یرى أنصار هذه النظریة أن الشخص الاعتباري یتمتع بإرادة مختلفة عن إرادة الأشخاص المكونین له ومستقلة عنها.

نقد النظریة:

- لا تأتي هذه النظریة بشيء جدید بل حاولت فقط إسقاط التعریف الذي جاءت به نظریة الإرادة ( النظریة الشخصیة) للحق على الشخص الاعتباري، وقد تعرضت لنفس الانتقادات التي تعرضت لها هذه النظریة.

ج/ نظریة المصلحة: یرى أنصار هذه النظریة أن الشخص الاعتباري شخصیة حقیقیة باعتباره یجسد مصلحة جماعیة مستقلة عن مصالح الأشخاص المكونین له.

نقد النظریة:

- تعرضت لنفس الانتقادات التي وجهت للنظریة التي عرفت الحق بأنه مصلحة.

نخلص في نهایة هذا الجدل الفقهي حول طبیعة الشخص الاعتباري إلى القول أن الشخص الاعتباري لم یعد وهما، بل أصبح في القانون الحدیث أمرا واقعا لیس في الإمكان تجاهله، وضرورة اجتماعیة نظرا للدور الذي یقوم به في المجتمع.

وعلى أساس الأفكار السابقة، یمكن تعریف الشخص الاعتباري بأنه جماعة من الأشخاص أو مجموعة من الأموال یستهدف تحقیق غرض معین، ویعترف له القانون بالشخصیة القانونیة، وبالتالي یصبح قابلا لأن تثبت له الحقوق ویتحمل التزامات.

الفرع الثالث: بدایة الشخصیة الاعتباریة ونهایتها

تبدأ الشخصیة الاعتباریة بإحدى الطریقتین: الاعتراف العام أو الاعتراف الخاص، وتنتهي الشخصیة الاعتباریة للعدید من الأسباب.

أولا: بدایة الشخصیة الاعتباریة

تبدأ الشخصیة الاعتباریة عند اعتراف الدولة بها اعترافا عاما أو اعترافا خاصا.

1- الاعتراف العام: یتم الاعتراف العام وهو الأصل بأن یحدد المشرع مسبقا شروطا عامة لاكتساب الشخصیة الاعتباریة، فإذا تحققت هذه الشروط في جماعة من الأشخاص أو في مجموعة من الأموال اكتسبت الشخصیة الاعتباریة بناءا على هذا الاعتراف العام بقوة القانون. ویعتبر تاریخ استكمال تلك الشروط هو تاریخ بدایة الشخصیة الاعتباریة، وذلك دون حاجة إلى صدور إذن أو اعتراف خاص من المشرع. ومثال ذلك ما نصت علیه المادة 417 ق م ج التي جاء فیها ما یلي:"تعتبر الشركة بمجرد تكوینها شخصا معنویا...".

2- الاعتراف الخاص: یتطلب الاعتراف الخاص وهو الاستثناء لاكتساب الشخصیة الاعتباریة صدور إذن خاص أو ترخیص من المشرع أو من إحدى السلطات العامة بذلك بالنسبة إلى جماعة من الأشخاص أو مجموعة من الأموال، وتبدأ الشخصیة الاعتباریة في حالة الاعتراف الخاص من تاریخ صدور الإذن أو الترخیص بذلك. ومثال ذلك أن أنشاء شركات المساهمة الخاصة یتوقف على صدور ترخیص من السلطة الاداریة.

ثانیا: نهایة الشخصیة الاعتباریة

تنتهي الشخصیة الاعتباریة لأسباب عدیدة نذكر منها:

- انقضاء الأجل المحدد للشخص الاعتباري.

- تحقق الغرض الذي من أجله أنشأ الشخص الاعتباري.

- استحالة تحقق الغرض الذي انشأ من أجل تحقیقه الشخص الاعتباري كهلاك الشركة مثلا.

- إجماع الأعضاء المكونین للشخص الاعتباري على حله.

- انسحاب أحد الشركاء إذا كانت الشركة لمدة غیر محددة.

- موت أحد الشركاء بالنسبة إلى شركة تضامن ما لم یتفق الشركاء على استمرارها مع ورثة المتوفي.

- صدور حكم قضائي بحل الشخص الاعتباري إذا خالف أحكام التشریع أو أخل بالنظام العام أو الآداب العامة.

الفرع الرابع: ممیزات الشخص الاعتباري

یتمیز الشخص الاعتباري بممیزات كالاسم، الحالة، الموطن، الذمة المالیة والأهلیة.

أولا: الاسم

یكون للشخص الاعتباري اسم یمیزه عن سائر الأشخاص الاعتباریة، ویعین الاسم في سند إنشائه، مثلا كأن تسمى شركة خاصة باسم شركة النصر للمواد الغذائیة. أما في شركة التضامن فیكون اسمها هو اسم أحد أعضائها مضافا إلیهما یشیر إلى الغرض منها كشركة مصطفى واخوانه للملابس الجاهزة.

ثانیا: الحالة

تقتصر حالة الشخص الاعتباري على انتمائه إلى دولة معینة یتمتع بجنسیتها ویخضع لقانونها، وعادة ما تمنح الدولة جنسیتها للشخص الاعتباري الذي یكون مركز إدارته الفعلي على ترابها.

ثالثا: الموطن

یتحدد موطن الشخص الاعتباري بالمكان الذي یوجد فیه مركز إدارته، لكن إذا كان له عدة فروع وكان مركز إدارته في الخارج، وله نشاط في الجزائر -أي فروع- یعتبر مركزه الرئیسي في الجزائر وهذا طبقا لنص المادة 50/2 ق م ج .

رابعا: الذمة المالیة

یتمتع الشخص الاعتباري بذمة مالیة تتمثل في مجموع أمواله من حقوق والتزامات مالیة. والأصل أن للشخص الاعتباري ذمة مالیة مستقلة عن ذمم أعضائه، ویترتب على ذلك أن حقوق الشخص الاعتباري هي التي تضمن الوفاء بدیونه، فلیس لدائني الشركاء مثلا أن یطالبوا الشركة بالوفاء بدیونهم والعكس صحیح.

خامسا: حق التقاضي

یتمتع الشخص الاعتباري بحق التقاضي، ویمكن هذا الحق الشخص من المثول أمام القضاء باسمه الشخصي وبشكل مستقل عن أعضائه، فللشخص الاعتباري أن یقاضي وأن یتقاضى، وترفع الدعاوى منه أو علیه باسم من یمثله قانونا.

وقد نص المشرع على حق التقاضي للشخص الاعتباري بالمادة 50/2 ق م ج.

سادسا: الأهلیة

تنص المادة 50 ق م ج على أنه: "یتمتع الشخص الاعتباري بجمیع الحقوق إلا ما كان منها ملازما لصفة الإنسان، وذلك في الحدود التي یقررها القانون. 

یكون له خصوصا:

...أهلیة، في الحدود التي یعینها عقد إنشائها أو التي یقررها القانون..."

وبالتالي لا یتمتع الشخص الاعتباري بحقوق سیاسیة ولا بحقوق الأسرة، لأن هذه الحقوق ملازمة لصفة الإنسان الطبیعیة، ولا یتصور أن ینتخب الشخص الاعتباري أو یتزوج.

ویتمتع الشخص الاعتباري بأهلیة وجوب بالنسبة للحق في الاسم والحق في التملك وبالنسبة للحقوق المالیة، غیر أن هذه الأهلیة مقصورة على ما یحقق الغرض الذي أنشيء الشخص الاعتباري من أجله. وبالتالي هي أهلیة وجوب في الحدود التي یعینها سند إنشاء الشخص الاعتباري.

ولما كان مناط أهلیة الأداء التمییز والإدارك، ومن المعلوم أن الشخص الاعتباري لا یملك القدرة على التعبیر ولیس له إدارك أو تمییز، فهل یتمتع هذا الأخیر بأهلیة آداء أم لا؟

اختلف الفقه في هذا الصدد، وعلى اعتبار أن أهلیة الآداء تفترض أن لصاحبها إرادة، وبالتالي فإن هذه الأهلیة لا تثبت إلا للشخص الطبیعي، أما الشخص الاعتباري فهو شخص لا إرادة له وبالتالي لا أهلیة له، إنما یكون لكل شخص اعتباري نائب عنه یعبر عن إرادته، ونائب الشخص الاعتباري هو الذي یجب أن تتوفر فیه أهلیة الآداء.

الفرع الخامس: أنواع الأشخاص الاعتباریة

من خلال نص المادة 49 ق م ج نلاحظ أن الأشخاص الاعتباریة تتعدد إلى الأنواع الآتیة:

- الدولة، الولایة، البلدیة،

– المؤسسات العمومیة ذات الطابع الإداري،

– الشركات المدنیة والتجاریة،

– الجمعیات والمؤسسات،

– الوقف،

– كل مجموعة من الأشخاص أو الأموال یمنحها القانون شخصیة قانونیة.

ونستنتج من العبارة الأخیرة للنص أن المشرع الجزائر أورد الأشخاص الاعتباریة على سبیل المثال لا الحصر.

وتنقسم الأشخاص الاعتباریة تقسیما رئیسیا إلى:

- أشخاص اعتباریة عامة یحكمها القانون العام مثل: الدولة والولایة والبلدیة والمؤسسات العمومیة ذات الطابع الإداري كالمستشفیات والجامعات.

 - أشخاص اعتباریة خاصة یحكمها القانون الخاص مثل الشركات المدنیة والشركات التجاریة والجمعیات والمؤسسات والوقف.

المرجع

  1. د. بركات كريمة، محاضرات في نظرية الحق، مطبوعة موجهة لطلبة السنة الأولى ليسانس، جامعة العقيد آكلي محند أولحاج البويرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم القانون الخاص، السنة الجامعية 2021/2022، الجزائر، من ص62 إلى ص69. 

google-playkhamsatmostaqltradent